فقرة المرأة المسلمة- عادات وتقاليد المسلمين في رمضان- السودان
يتجددُ معكمُ اليومَ لقاؤنا في موضوعِ عاداتٍ وتقاليدَ في رمضان. وحلقةٌ جديدةٌ في بلدٍ جديدٍ ، من بلادِ المسلمينَ ، وجزءٍ آخرَ من جسدِ الأمةِ الإسلاميةِ الواحدةِ ، التي تمتدُّ أطرافُها إلى كلِّ أنحاءِ العالمِ. بلدٌ من قلبِ القارةِ الإفريقيةِ. فاليومَ حديثَنا عن عاداتِ وتقاليدِ شهرِ رمضانَ المباركِ في السودانِ بلدِ الخيرِ الكثيرِ الوفيرِ والضيافةِ والكرمِ .
لم يكنِ السودانُ المعروفُ اليوم بجغرافيتِه يمثلُ كيانًا سياسيًّا أو ثقافيًّا موحدًا قبلَ دخولِ العربِ المسلمينَ إليه. فقد كانت تتوزعُ فيه أعراقٌ وقومياتٌ متنوعةٌ وعقائدٌ وأديانٌ مختلفةٌ ؛ وقد تعرّفَ أهلُ السودانِ القُدامَى (النوبةُ والبِجَة) على حركةِ الدعوةِ الإسلاميةِ منذ أيامِها الأولي على عهدِ الرسولِ الكريمِ صلى الله عليه وسلم. فلم ينجحْ غيرُ الإسلامِ في أن يَصهرَ هذا الخليطَ الرائعَ من الأجناسِ المختلفةِ ، التي تتلاقى بالإسلامِ وأحكامه الشرعية المنبثقةِ عن عقيدتهم الإسلاميةِ .
ولشهرِ رمضانَ المباركِ في السودانِ خصوصيتُه التي تميزه عن البلدانِ الإسلاميةِ الأخرى. وتأتي هذه الخصوصيةُ من الأطعمةِ والمشروباتِ الخاصةِ بالشهر فقط ، فشهرُ رمضان يظلُّ عند أهلِ السودانِ هو ذلكمُ الشهرُ الكريمُ الذي يتراحمُ فيه الناسُ. كما يعفو فيه بعضُهم عنِ بعضِ. وتمتدُّ الأياديِ البيضاءُ لتأخذَ بيدِ الضعفاءِ والمحرومينَ. وتحلِّق النفوسُ بعيداً عن متاعِ الدنيا الفانيةِ طلباً لرضى ربِّها في الدنيا والآخرةِ. فتبدأُُ التجهيزاتُ لشهرِ رمضانَ من وقتٍ مبكرٍ.
ومن العاداتِ الرمضانيةِ التي يقومُ بها أهلُ السودانُ موائدُ الافطارِ الجماعيةِ خارجِ المنازلَ. في المساجدِ وفي الشوارعِ، تترقّبُ المارة وعابرِيِ السبيلِ لمشاركتهم في الافطارِ. وعقبَ الافطارِ يكونُ الجلوسُ في حلقاتٍ للحديثِ والحكاياتِ. وبعدَ ذلك يتم الذهابُ الى المسجدِ لأداءِ صلاةِ التراويحِ. ومن أروعِ الأعمالِ فيه اجتماعُ شبابِ الأحياءِ ليؤدوا دورَ (المسحراتي). يضربونَ الدفوفَ. منادينِ في الناسِ ومرددينَ بعضَ الأناشيدِ الدينيةِ ليتناولَ المسلمونَ سحورَهم. ومعظمُ الناسِ يقضونَ وقتَهم في هذا الشهرِ المباركِ في جماعاتٍ لتلاوةِ آياتٍ من الذكرِ الحكيمِ. حيثُ يستعدُّ الناسُ لهذا الشهرُ المباركُ بتجميعِ الموادِ الرمضانيةِ ، التي تتكونُ لدى أغلبِ الأسرِ من (العصيدةِ)؛ وهي تُصنعُ منِ الذُّرة. أو (القراصةِ) التي تُصنَعُ منِ القمحِ. وتحتوي المائدةُ ايضاً على (البليلةِ) التي تُصنَعُ من نوعٍ واحدٍ أو من عدةِ أنواعٍ من الحبوبِ ، ويُضافُ إلى المائدةِ طبقٌ منِ التمرِ مع بعضِ العصائرِ المحليةِ مثل (الحلو مر) أو (الابري) وغيرها. ويجتمعُ الجيرانُ في الشارعِ في مجموعاتٍ متفرقةِ هنا وهناك. حيثُ يقومُ كلُّ سبعةُ أو ثمانيةُ جيران بفرشِ البسطِ أمامَ دارِ أحَدِهِم. ثم يأتيَ كلٌ منهم بطعامه ، وتجدَهم يتبادلونَ الأطباقَ حرصاً على وصيةِ رسولِ الله بالجارِ. وإستزادةً من الفضلِ في شهرِ الخيرِ. ومن ثَمَّ يغلقون الشارع أمامَ المارةِ وعابري السبيلِ، ويُجبِرونهم على تناولِ طعامِ الافطارِ ، حرصاً على نيلِ أجرِ إفطارِ الصائمِ .وفي بعضِ القرى التي تقعُ على جانبي الطرقِ السفريةِ. يقومُ الاهاليِ باغلاقِ الشارعِ السريعَِ واجبارِ المسافرينَ على النزولِ من سياراتِهم لتناولِ طعامِ الافطارِ ثم القهوةِ والشاي ومن ثَمَّ يُطلقونَ سراحَهم ليُواصِلوا سفرَهم. وتقومُ الأُسَرُ في السودانِ خلالَ شهرِ رمضانَ بدعوةِ الأهلِ والأصدقاءِ لتناولِ طعامِ الافطارِ. حيث يُعِدّونَ أنواعاً مميزةً من المأكولاتِ والمشروباتِ. كما تقلُّ المناسباتُ الاجتماعيةُ في شهرِ رمضانَ. كأفراحِ الزواجِ وذلك للتركيزِ على العباداتِ. هذا ويشتركُ السودانُ بذلكَ في كثيرٍ منِ العاداتِ والتقاليدِ التي هى أحكامٌ شرعيةٌ يُحييها المسلمونَ في شهرِ رمضانَ المباركِ إبتغاءَ مرضاةِ الله سبحانَه وتَعَالى. ويُلاحَظُ في بدايةِ رمضانَ هذا العام إرتفاعُ حرارةُ الجوِّ في البلادِ إلا إنها خفت هذه الأيامُ بهطولِ الأمطار. والتي بسببِ سوءِ مصارفِ المياهِ وانعدامِها. قد شلت حركةَ المرورِ. وكذلك فوجِيءَ الصائمونَ بإرتفاعٍ مبالغٍ فيه في أسعارِ السلعِ الرمضانية . مما أجبرَ الكثيرَ من المسلمينَ في السودانِ للتخلي عن مظاهرِ البهجةِ وفرحةِ الإحتفالِ بشهرِ الخيرِ. هذا. ويمرُّ السودانُ هذا البلدُ الطيبُ أهلُها في رمضانَ وغيره منِ الشهور، يمرُّ بظرفٍ حرجٍ. فالدولُ الاستعماريةُ تبذلُ جهوداً مكثفةً في سبيل إبقائِها مقطوعةً مبتورةً مفصولةً عن جسدِ الأمةِ الإسلاميةِ الواحدةِ ، بل ويعملُ الكفارُ وعملاؤهم على تفتيتِه وتمزيقِه. فدارفورُ ، في غرب السودان ، هدف مستمر للأعداء ، دارفور التي عرَفَها مسلمو إفريقيا بدفتي المصحفِ. لأنها تحفل بأعلى نسبة لحفظةِ القرآنِ الكريمِ. وكان في الأزهرِ الشريفٍِ حتى عهدٍ قريبٍ رواقٌ اسمُه ‘رواق دارفور’. كان أهلُ دارفور لا ينقطعونَ أن يأتوه ليتعلموا في الأزهرِ الشريفِ .وسلطانُها (علي دينار) رحمه الله، الذي جاءَ حاجّاً عام الفٍ وثمانمائةٍ وثمانيةٍ وتسعين ميلادية من دارفور. فوجَدَ حالةَ ميقاتِ المدينةِ المنورةِ سيئاً. فحفرَ الآبارَ للحجاجِ ليشربوا منها ويُطعمُهم عندها. وجدّدَ مسجدَ ذي الحليفةَ ، ذلك المسجدَ الذي صلي فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو خارجٌ للحجٍّ منِ المدينةِ المنورةِ، وأقامَ وعمّرَ هذا الميقاتَ فسُمِّيَ بميقاتِ أبيارِ علي وهذا السلطانُ هو الذي لما تأخرت مصرُ عن إرسالِ كسوةِ الكعبةِ. أقامَ في مدينةِ الفاشر (عاصمة دارفور ) مصنعاً لصناعةِ كسوةِ الكعبةِ، وظل طِوالَ عشرينَ عاماً يُرسِلُ كِسوةَ الكعبةِ إلى مكةَ المكرمةِ. وهو مَن أرسلَ محذراً خليفةَ المسلمينَ في تركيا وطالباً العونَ لردِّ الأعداءِ عن أرضِ السودان. فكانت دارفورُ آخرُ معقلٍ قُطِعَت عنِ الدولةِ الإسلاميةِ. هذه هى دارفورُ إخوتي وأخواتي. التي تُصَوَّر لنا كصحراءٍ قاحلةٍ في الاعلامِ الغربي. وهى مليئةٌ بالثرواتِ الطبيعيةِ.
والسودانُ يملك من أخصبِ أراضي العالمِ الزراعيةِ. وقد اُكتُشِف فيها كمياتٍ هائلةٍ منِ البترولِ. فسالَ لعابُ الغرب الكافر للنيلِ من ثرواتِها. فعزمَ على تمزيقِها وتفتيتِها إلى قطعٍ هزيلةِ. وعمدَ إلى بترِها كلياً عن جسدِ الأمةِ الإسلاميةِ بالغزوِ الثقافي، وبالتخطيط المحكمِ لحقِّ تقريرِ المصيرِ لأهم جزء منِ السودانِ (الجنوب). وتحتَ غطاءِ حوارِ الأديانِ والحريةِ الدينيةِ وتعدد الثقافات، ضاعتِ هويةُ السودانِ الإسلاميةِ وطُمِسَتْ. وتم إقصاءُ الإسلامُ عن حياةِ الناسِ فباتت كلُّ أيامِ السنةِ لا لونَ لها ولا طعم، فالسودانُ أرضٌ للمسلمينَ جميعاً وهى ملكٌ لهم. ولا يحقُّ لأحدٍ أن يقَطِّعَ أوصالَها. وهى سلةُ غذاءِ العالم. تستطيعُ أن تكونَ مصدرَ غذاءٍ له الآن ترزخُ تحتَ الفقرِ والظلمِ بسببِ إبعاد أحكامِ الإسلامِ عن الحكمِ والسياسةِ وبخاصة الاقتصاد. فضاعَ المسلمونَ وغيرُ المسلميَن ممن يعيشون فيها وحولها. وبمناسبةِ هذه الأيامُ المباركةُ ندعوكم للعمل معنا في السودانِ وكلِ بلادِ المسلمينَ لتغييرِ هذا الواقعِ الفاسدِ وإقامةِ دولةِ الخلافةِ الراشدةِ الثانيةِ التي يتمتّعُ في عهدِها كلُ المسلمينَ برخاءِ العيشِ و الأمنِ والأمانِ ، ليكونَ لشهرِ رمضانَ نكهةٌ أكثرُ تميزاً في طاعةِ الله جلّ وعلا .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أم حنين