نفحات إيمانية- الله وحده المتحكم بأرزاق العباد واجالهم
الحمد لله الذي فتح أبواب الجنان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستن بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:
إخوة الإيمان: إن الله سبحانه وتعالى خلقنا لعبادته، وتكفل بأرزاقنا، وكتب آجالنا، وإن الله تعالى وحده هو المتحكم بأرزاق الخلائق وآجالهم، وهذه قضية مسلم بها، لا يختلف عليها اثنان، وهي من المعلوم من الدين بالضرورة. والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول الله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون).
وقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين). وقوله تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا).
ونذكر من السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “نفث روح القدس في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها وما قدر لها”، وقال صلى الله عليه وسلم:” إن العبد ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله”، وقال صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه”.
فإذا سألت أحدا من المسلمين، وقلت له: من الخالق، ومن الرازق؟ أجابك على الفور دونما تلعثم أو ارتباك: هو الله تعالى، وإذا سألته وقلت له: من الذي يحيي ويميت؟ ومن هو المتحكم بأرزاق الخلائق وآجالهم؟ أجابك على الفور قائلا بلسانه دونما ارتباك أو تلعثم أيضا: هو الله تعالى.
ولكنك إذا قلت له: لماذا لا تلتزم مع المخلصين بحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية؟ ولماذا لا تصدع بقول كلمة الحق؟ ولماذا لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر؟ فإنه يتلكأ في الإجابة ويضطرب لسانه ويتلعثم، وينتحل المعاذير غير المقبولة، وهو في حقيقة الأمر يخشى على نفسه من تبعات القيام بهذه الأعمال، فمثل هذه الأعمال تحتاج إلى الجرأة في الحق، والشجاعة في مواجهة الباطل، والصبر على الشدائد والمحن التي يتعرض لها حامل الدعوة، ويتعرض لها من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، إنه يخشى على نفسه أن يسجن أو أن يتعرض للأذى، ويخشى على رزقه أن ينقطع، أو أن يطرد من الوظيفة.
والحق أن هذا وأمثاله، لديهم خلل من جهة العقيدة في هذا الجانب، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وعلاج ذلك، يكمن في فهم وتدبر النصوص الشرعية الواردة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والمتعلقة ببحثي الرزق والأجل ، والقضاء والقدر . وكذلك يكمن العلاج في دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته الأبرار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فقد قال الله سبحانه وتعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون). وقال تعالى: (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” يا غلام: إني أعلمك كلمات: إحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف”.
إخوة الإيمان والإسلام : إن من يقول كلمة الحق هو أحوج ما يكون إلى الصبر قال تعالى: (والعصر * إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
وإن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو أحوج ما يكون إلى الصبر أيضا قال تعالى: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ). وإن من يحمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية هو أحوج ما يكون إلى الصبر كذلك، قال الله تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين). إلى أن يقول جل شأنه: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ).
إخوة الإيمان والإسلام : روى ابن وضاح في البدع من طريق عطية عن الوليد بن عبد الرحمن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ويح لهذه الأمة، ما يلقى فيها من أطاع الله، كيف يكذبونه ويضربونه أنه أطاع الله، من أجل أنهم ما أطاعوا الله، قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، الناس يومئذ على الإسلام؟ قال: نعم يا عمر. قال عمر: يا رسول الله، الناس يومئذ على الإسلام؟ قال: نعم يا عمر. قال عمر: ولم يبغضون من أمرهم بطاعة الله؟ قال: ترك الناس الطريق، وتزين الرجل منهم بزينة المرأة لزوجها، وتبرج النساء، زيهم زي الملوك الجبابرة، يسمنون كالنساء، فإذا تكلم ولي من أولياء الله، وأمرهم بطاعة الله، قيل له: أنت له انتا قرين الشيطان، ورأس الضلالة، تكذب بالكتب، وتحرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق، وتأولوا كتاب الله على غير تأويله، واستذلوا أولياء الله”.
وفي الختام إخوة الإيمان نسأل الله العظيم في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يستخلفنا في أرضه، وأن يمكن لنا ديننا الذي ارتضى لنا، وأن يجعلنا من الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في الله حق جهاده. أنه ولي ذلك والقادر عليه تقبل الله منا ومنكم الصلاة والصيام والقيام وسائر الأعمال،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته