فقرة المرأة المسلمة- قصص وعبر
إنَّ الحاكمَ في الإسلامِ كما هو مُطالبٌ بأنْ يُيَسِرَ لرعيِتِه سبلَ المعاش ِوالحياةِ الهانئةِ في الدنيا فهو مُطالبٌ أيضاً بأنْ يُرشِدَهُم إلى ما يثقلُ موازينَهم في جنةِ الخلدِ يومَ القيامةِ، وكما هو مطالبٌ بأنْ يُنجيهمْ من كوارثِ الدنيا وأوبائِها وأمراضِها مطالبٌ أيضا بأنْ يساعدَهم على أن ينجوا من عذابِ اللهِ وغضبـِهِِ في الآخرةِ ، تطبيقاً لحديثِ النبي ِصلى اللهُ عليه ِوسلمَ ” الْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ “.
ولذلكَ كانَ ولاةُ الأمرِ من السلفِ الصالح ِ يقومونَ بدورٍ مشكور ٍ في تشجيعِ الناسِ على ذلكَ، ويحضونَهم على قيامِ الليلِ في رمضانَ حضاً، ويجمعونَهم في المساجدِ، ويرتبونَ لهمُ القراءَ ليصلُّوا بهمْ، ومثالٌ على ذلكَ ما جاءَ عنِ السائبِ بنِ يزيدَ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ أمرَ أُبَيَ بنَ كعبٍ وتميماً الداريَ رضيَ اللهُ عنهما أنْ يقوما للناسِ في رمضانَ.
وجاءَ في تاريخِ دمشقَ لابنِ عساكر أنَّ علياً بنَ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ يأمرُ الناسَ بقيامِ رمضانَ ، ويؤمِّرُ للرجالِ إماماً ، وللنساءِ إماماً.
كما كانَ ولاةُ الأمرِ منَ السلفِ يوسِعُونَ على الناسِ في أرزاقِهمْ إذا هلَّ رمضانُ ، فقدْ ذكرَ الشعبيُ أنَّ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ زادَ الناسَ مائةَ مائة ، يعني في عطاءِ كلِ واحدٍ مِنْ جُندِ المسلمينَ ، وكانَ قدْ جعلَ لكلِ نَفْسٍ منَ المسلمينَ في كلِ ليلةٍ مِنْ رمضانَ درهماً مِنْ بيتِ المالِ يُفطِرُ عليهِ ، ولأُمهاتِ المؤمنينَ درهمين درهمين ، فلمّا وُليَ عثمانُ رضيَ اللهُ عنه أَقرَّ ذلكَ وزادَه ، واتخذَ سماطاً في المسجدِ أيضاً للمتعبدينَ والمعتكفينَ وأبناءِ السبيلِ والفقراءِ والمساكينِ.
هذا فضلاً عَنْ سَعيِهم للقضاءِ على كلِ ما يُنْقِصُ مِنْ قَدْرِ رَمضانَ ، أَوْ يُفْسِدُ على الناسِ جوَّهَم الإيماني، فقدْ وردَ أنَّ شاعراً يُسمى النجاشيُ مرَّ بآخرَ يُسمَّى أبو سماكِ الأسدي في رمضانَ فدعاهُ إلى الشربِ فأجابَه ، فَبَلغَ ذلكَ علياً رضيَ اللهُ عنهُ فأَخذَ النجاشيَ وهربَ أبو سماك ، فجلدَهُ عليُ رضيَ اللهُ عنهُ ثمَّ زادَهُ عشرينَ على حدِّ السُكْرِ، فقالَ لهُ: ما هذه العلاوةُ ، فقالَ: لِجُرأَتِكَ على اللهِ في شهرِ رمضانَ وصبيانُنا صيامٌ .
وجيءَ إلى عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ برجلٍ قدْ أَفطرَ في رمضانَ فجعلَ يَضْرِبُهُ ويقولُ : تفعلُ هذا وصبيانُنا صيامٌ ، ثمَّ نفاهُ إلى الشامِ.
فأين حكام اليوم من أولئك السلف؟؟
أما كيف كان حالهم مع الإنفاقُ في سبيلِ اللهِ في رمضانَ
إنَّ الصدقةَ تطفئُ غضبَ الربِ، وقالَ النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ” ما مِنْ عبدٍ مسلمٍ يَتَصَدَّقُ بِصدقةٍ مِنْ كسبِ طيبٍ ـ ولا يَقبلُ اللهُ إلا طيباً ـ إلا كانَ اللهُ آخذُها بيمينِه فَيُربيها كما يُربي أحدُكمْ فصيلَه حتى تبلغَ التمرةُ مثل أُحدٍ ” وقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ” كلُّ امرئٍ في ظلِ صدقتِهِ حتى يُقضى بينَ الناسِ “، وقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ” الصدقةُ تَسُدُ سبعينَ باباً من الشرِّ “.
عَرَفَ السلفُ كلَّ هذا الفضلِ للتَصَدُّقِ والإنفاقِ في سبيلِ اللهِ فأَقبلوا عليهِ بنفسٍ راضيةٍ ، بلْ وتسابَقُوا فيهِ وتَنافَسُوا، وكانَ أحدُهم يرى نفسَه أحوجَ إلى ثوابِ الصدقةِ مِنْ حاجةِ الفقيرِ المسكينِ .
وكانَ ذلكمُ التسابقُ وهذا التنافسُ بينَهم يزدادُ بحلولِ شهرِ رمضانَ اقتداءً برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي كان أكرمَ من الرياحِ المرسلة، يقولُ يونسُ بنُ يزيدَ وهُوَ يَصِفُ حالَ ابنِ شهابٍ الزهري المحُدِثُ الشهيرُ : ” كان ابنُ شهابٍ إذا دخلَ رمضانُ فإنما هوَ تلاوةُ القرآنِ، وإطعامُ الطعامِ ..
وهذا حمادُ بنُ أبي سليمانَ يُروى أنَّهُ كانَ يضيفُ في شهرِ رمضانَ خمسينَ رجلاً كلَ ليلةٍ، فإذا كانتْ ليلةُ العيدِ كساهُم، وأعطى كلَّ رجلٍ مِنهمْ مائةَ درهمٍ..
وكانَ إطعامُ الفقراءِ والجودُ عليهم سمةً مألوفةً عندَ الموسرينَ منْ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فهذا واثلةُ بنُ الأسقعِ رضيَ اللهُ عنهُ يقولُ : حَضَرَ رمضانُ ونحنُ في أهلِ الصفةِ فَصُمنا ، فكُنا إذا أفطرنا أتى كلُ رجلٍ منّا رجلاً مِنْ أهلِ السعةِ فأَخذَهُ فانطلقَ بِهِ فَعشاهُ.
بَلْ إنَّ بعضَهم كانَ يجودُ بإفطارهِ الذي يُعِدُّه لنفسِه، فهذا أحمدُ بنُ حنبلٍ يَأتي إليهِ سائلٌ فيدفعُ إليهِ رغيفين كانَ يُعِدُهما لِفطرِه ، ثمَّ يُطوي ويُصبحُ صائماً، كما وردَ أيضاً أنَّ داوودَ الطائيِ ومالكَ بنَ دينارٍ كانا يُؤثرانِ بِفُطورِهما وهمْ صائِمان.
وكانَ ابنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما يصومُ ولا يفطرُ إلاَّ مع المساكينِ، فإذا مَنَعهمْ أهله عنه لمْ يتعشَّ تلكَ الليلة، وكانَ إذا جاءَه سائلٌ وهوَ على طعامِه أَخذَ نصيبَه منَ الطعامِ وقامَ فأعطاهُ السائلَ.
وكانَ الشافعيُ يقولُ: أُحبُ لِلرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهرِ رمضانَ اقتداءً برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، ولحاجةِ الناسِ فيه إلى مصالِحِهمْ، ولِتشاغلِ كثيرٍ منهم بالصَّومِ والصلاةِ عنْ مكاسبِهم.
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
والسلام عليكم