نفحات إيمانية- ما لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع
الحمد لله الذي فـتح أبواب الجـنـان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسـلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تبـعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستـن بسنــته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أمـا بعد:
قال الله تعالى في محكم كتابه، وهو أصدق القائلين:(إن الدين عند الله الإسلام ! ومن يبتغ غـير الإسلام دينا فـلن يـقبــل منه وهو في الآخرة من الخاسرين(
إخــوة الإيمـان:
روي على لسان علي كـرم الله تعالى وجهه، وقـيل روي على ألسنـة غـيره، أنـه قــال: “الديـن أس، والسـلطـان حـارس، ومـا لا أس لـه فمهـدوم، ومـا لا حـارس لـه فـضائـع”…!!
يا لها من عبارة رائعة في معنـاها وفي مبناها!! فالدين هو الأساس الذي يـقوم عليه السـلطان أي الحكم، فإذا أقيم السـلطان على غـير الدين ، فقـد أقيم على غـير أساس ، وما لا أساس لـه فمهدوم. والأساس أي الدين، يحتاج إلى سـلطان يحرسه، ويحميه من عبث العابثين، فإذا زال الحارس ضاع الأساس، أي إذا زال السـلطان ضاع الدين.
إخــوة الإيمـان: ورحم الله أم سلمة رضي الله تعالى عنها إذ قالـت: “كيف أنتـم إذا دعاكـم داعيان: داع إلى كتاب الله، وداع إلى سـلطان الله أيهما تـجيبون؟”. قالـوا: نـجيب الداعي إلى كتاب الله . قالـت: “بــل أجيبوا الداعي إلى سـلطان الله، فإن كتاب الله مع سـلطان الله”…!!
ما أجمـل سؤال أم سلمة رضي الله عنها!! وما أدق جوابها، وأحسن إرشادها!! فـقـد وافـق رأيها رأي القائل: “الديـن أس، والسـلطـان حـارس، ومـا لا أس لـه فمهـدوم، ومـا لا حـارس لـه فضائـع”. فالدين بتعالـيمه موجود بكتـاب الله، وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم. وسـلطان الله هو الحارس بـل والعامل بكتاب الله وسنـة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أجبنـا الداعي إلى كتاب الله، وتركــنـا الداعي إلى سـلطان الله أضعنـا كتاب الله، وعطــلنـا العمـل به وبسنـة رسول الله صلى الله عليه وسلم
إخــوة الإيمـان :أما إذا أجبنـا الداعي إلى سـلطان الله حفظنـا كتاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن سـلطان الله هو الحارس لكتـاب الله وسنـة رسوله صلى الله عليه وسلم. وروي على لسان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنـه قال: “لا إسلام بـلا جماعة، ولا جماعة إلا بإمارة”.
إن النـاظر المدقــق في قـول عمر يرى أن قـولـه هذا يـفيد بمنطـوقه ومفهومه أساس الحكم في الإسلام. فالإسلام هو الدين السماوي الذي أنزلـه الله على نـبيـه محمـد صلى الله عليه وسلم ليكـون دينا للعالمين، وقد نـسخ ما قـبلـه من الأديان بقوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام ! ومن يبتـغ غـير الإسلام دينا فـلـن يـقبــل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). ثـم جعـلـه المنهج الوحيد للبشر لسيروا عليه ويحتكموا إليه فقال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتـبـع غـير سبيل المؤمنين نـولــه ما تولــى ونـصله جهنـم وساءت مصـيرا).
إخــوة الإيمـان: الإسلام ليس دينا نظريا، بــل هو دين عمـلي، أي منهج مـقرر للعمـل به في واقع الحياة، والمنهج العمـلي يحتاج إلى من يعمـلـه ويـفـعــلـه في الحياة، وهذا لا يتـم إلا بـوجود الجماعة التي تعتـنـقـه، وتـلتـزم بأحكامه، فـتجعـل منه قـيادة فكريـة لها، وتجعـل من أحكامه حـلـولا لمشكلاتها، وإذا لـم تـوجد هذه الجماعة لا يوجد الإسلام في واقع الحياة، ولـهذا قال عمر: “لا إسلام بلا جماعة”.
أما إذا اعتـنـق الإسلام أفراد كما هو الحال في الأقطار الأجنبية فلا يعتـبر الإسلام موجودا في واقع الحياة، وكذلك هو غـير موجود في واقع الحياة في الأقطار التي تـسمي نـفسها إسلامية، لكون المجتمعات في تلك الأقطار تـسير على منـاهج مخـالفـة للإسلام، فالجماعة التي عـناها عمر هي التي تتـخذ الإسلام منهجا لها.
وأما قول عمر:”ولا جماعة إلا بإمارة”. فالإمارة هي السـلطان الذي يدبـر شـؤون الجماعة، ويسيرها على منهج الله، فيــقـوم المعوج منها، ويـنـفـذ الأحكام عليها، فإذا لـم تـوجد الإمارة صارت أمور الجماعة فـوضى، وبالتـالي تـتـفرق وتخرج عن المنهج، وإذا خـرجت عن المنهج لم يعد الإسلام موجودا في واقع الحياة،و رحم الله الشاعر الذي قال :
لا يصـلـح النـاس فـوضى لا سراة لـهم
ولا سـراة إذا لـم تــرس أوتـــــاد
وإذا فوجود الإسلام في واقع الحياة مربوط بوجود الإمارة، والإمارة إذا كانت مـتــقيـدة في رعايتـها لشؤون النـاس بالإسلام فهي سـلطان الله، وإذا لـم تكـن مـتــقيـدة بـه، كانت سـلطانا للطـاغـوت، وسـلطان الطـاغـوت فـاسد على كــل حال.
إخــوة الإيمـان :أليس كتاب الله وسنـة رسوله بين أيديكـم إلا أنـهما معطـلان، قـد عـلــقـهما النـاس في المكتبات والسيـارات وعلى الجدران؟ ولقـد صدق القائـل: إن فرض إقامة السـلطان هو الفرض الذي تــقام به كــل الفـروض، ورحم الله الخــليفـة الثالث عـثمان بن عـفـان ـ رضي الله تعالى عنه ـ حين قال :”إن الله يزع بالسـلطـان ما لا يزع بالقـرآن “. فـسـلطـان الله أي الإمام هو الذي يـقاتـل من ورائه، ويـتــقـى بـه، فـبـه تـتـوحد كـلمة المسلمين، ويرهب جانـبهم، ويـنصف مظلـومهم، وبـه تـرجـع إليهـم عـزتـهم، ويـنفـضون غـبار الذل عن جـباههم، ويطبــقـون شرع ربهـم، وينشـرون الهدى بين النـاس، فـيه تزول الفـرقـة، وتـحمى البـيضة، وتـشحن الثــغـور بالجيـوش، فـتـحمي أعراضهم وأموالـهم، فـهو الراعي والحارس، وما لا حارس لـه فـضائع، كما هو حالـنـا اليوم، فـنحن أضيع من الأيتـام على مآدب اللــئام ورحم الله القائـل:
رسـول الله قــم وانـظر بـلادا *** تـقـحمها الـردى فـي كـل واد
تـرى الرايات فيهـا قـد أذلــت *** ولـطـخـت البيــارق بالسـواد
وأصـبحنـا كأنـا غـثـاء سيـل *** نـمـر بــلا حسـاب أو عـداد
أو الأيتـام قــد فـقـدوا أباهـم *** ولا أم تـــزودهـــم بـزاد
نـهيم على الوجـوه بكـل أرض *** ونـخضـع راكعيـن لكـل حـاد
وختامـــا: إخوة الإيمان نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يعزنا بالأسلام وأن يعز الأسلام بنا وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه،
والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أبو أبراهيم