رسالة إلى المسلمين في العالم
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها: أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إنَّ الله تعالى قد فضل شهر رمضان على غيره من الشهور، وأنزل فيه القرآن، وقدَّر أن تقع فيه حوادث عظام، لطالما وقفنا عندها نستلهم منها العبر، ونستذكر ماضياً تليداً وأمة عظيمة، أنارت الدنيا بنور رسالة ربها، فعزت بدينها، وسمت بشريعة ربها، وتسنَّمت ذُرى المجد، بحمل رسالتها، فشرَّفت كلَّ من انتسب إليها، فملأت عيون العالمين، وقلوب المحبين تقديراً وإعزازاً وإكباراً، وملأت قلوب الحاقدين رعباً فخنسوا، فدانت لها الدنيا، وذلت لها أعناق الجبابرة، وكانت في كل يوم يمرُّ بها تسطِّر الملاحم عبر تاريخ مجيد، وصدق فيها قول ربها: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس)، وقوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس).
أيها المسلمون:
وها نحن في هذه الأيام نعيش حياة الذلة والهوان، وحالنا لا يخفى على أحد: فقد سُـلِّط علينا الأعداء وشذاذ الآفاق، واستباحوا الحرمات، وسفكوا الدماء، وانتهكوا الأعراض، ودنَّسوا المقدسات، وتطاولوا على مقام نبينا الكريم، وسلبوا ما في أيدينا… ملكوا الأرض، ونهبوا الثروات، وتجبَّروا في الأرض، حتى صار الدمُ المسلم الذي هو عند الله أشد حرمة من البيت الحرام أرخصَ ما في الوجود. حصل ذلك كله بعون ومدد من حكام المسلمين، بعد هدم خلافة الإسلام، حافظة الدين والدنيا، ونصيرة المظلومين.
أيها المسلمون:
وها نحن قد اكتفينا بالذكريات، والبكاء على ما فات، ونسينا وتناسينا أن الذين صنعوا الأمجاد هم رجال أخلصوا دينهم لله، فأقبلوا على الله، وبذلوا المهج والأرواح، فبَنَوا هذا الصرح العظيم، ونسينا أنَّ هذا الزمان قد أخبر فيه سيِّد الأنام أنَّ القائم فيه بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
أيها المسلمون:
يا أبناء خير أمة أخرجت للناس، يا أحفاد الصحابة الكرام، وسلالة خير مَن على وجه الأرض: إذا كان لا بدَّ من وقفة مع الذكريات، فلنقف ولنعتبر ولنسر على الدرب خطوة بخطوة، وأثراً على أثر حتى ننتهي حيث انتهى من سبقنا من صفوة هذه الأمة، ومن اختارهم الله لمَا شرَّفهم، لعلَّ الله يشرفنا بما شرَّفهم به. وهنا أ ذكِّر بحادثة واحدة، وبعبرة واحدة فقط، لعلها تُحيي فينا العزيمة، وتَبعث وتجدِّد فينا الهمم، وتدفعنا للعمل الجاد الذي به وبه وحده خلاص هذه الأمة، وبه كل معاني العزة والسؤدد.
أيها المسلمون:
عندما غزا المغول بلاد المسلمين، فاستباحوها وسفكوا الدماء، ونهبوا الثروات، ودمروا كلَّ شيء طالته أيديهم، وقتلوا خليفة المسلمين، وعاثوا في الأرض فساداً، وملئوا جنباتها شروراً، بقيت بقية من أرض الإسلام لم تصل إليها أيديهم، هي أرض مصر، أرض الكنانة، وكان يحكمها مماليك مسلمون، فنظروا في أمر المسلمين، وأدركوا أين يكمن الحل، ومن إليه يرجع توحيد المسلمين، ورفع لواء الجهاد، وتخليص البلاد والعباد، أدركوا أنَّه لا بدَّ من إمام يقاتل من ورائه ويتقى به، امتثالاً وتصديقاً لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إنَّما الإمام جُنَّة يقاتل من ورائه ويتَّقى به». وصدق فيه قول القائل:
عجبت لما يخوض الناس فيه *** يرومون الخلافـة أن تزولا
ولو زالت لزال الخيـر عنهم *** ولاقـوا بعـدها ذلاً ذليــلا
وكانـوا كاليهود أو النصارى *** سواء كلهـم ضلُّـوا السبيلا
فماذا فعل المماليك؟ لقد بايعوا خليفة فوراً، وأعلنوا النفير العام، وحشدوا الحشود، وقادهم مملوك شرَّفه الله بوسام يفاخر به الدنيا، إنَّه الأمير المظفر قطز، فسار بجنده إلى عين جالوت، فأعزَّ الله به الإسلام، ونصر به المسلمين!
أيها المسلمون:
إلى الشرف العظيم ندعوكم! إلى عز الدنيا وثواب الآخرة! إلى العمل لمبايعة خليفة المسلمين، ولنصنع يوماً يذكره من بعدنا! إلى رأس الأمر وذروة سنامه! ندعوكم إلى العمل مع دعاة الخلافة!
إن دينكم يناديكم! وإنَّ أمتكم تستصرخكم لترفعوا الذلة والمهانة عنها، وإنَّ حزب التحرير يدعوكم يا قادة الجيوش لتعيدوا للإسلام عزته، وتعلوا كلمته! فهذه الأمة المكلومة هي خصمكم بين يدي الله يوم القيامة.
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو رضوان