نفحات إيمانية- فضل العلماء العاملين
الحمد لله الذي فـتح أبواب الجـنـان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسـلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تبـعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستـن بسنــته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أمـا بعد:
قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
وقال عز من قائل: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات).
وقال جل شأنه: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم).
هذه آيات ثلاث تحدثت عن فضل العلماء:
فقد ذكرت الأولى أن العلماء هم أشد الناس خشية لله تبارك وتعالى، لأنهم يرون آيات قدرة الله وعظمته فيعرفونها، ويفهمونها، ويؤمنون بها.
وذكرت الآية الثانية أن الله تعالى يرفع المؤمنين، ويرفع العلماء العاملين إلى أعلى درجات الجنة، وفي ذلك دلالة على علو منزلة العلماء عند الله تعالى.
وفي الآية الثالثة قرن الله سبحانه وتعالى شهادته على وحدانيته مع شهادة العلماء وشهادة الملائكة، وفي هذا أيضا دلالة على علو منزلة العلماء عند الله تعالى، إذ جعلهم شهداء على أمر من أهم الأمور المتعلقة بالعقيدة آلا وهو وحدانية الله جل في علاه
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهـل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”. رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: “فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير”. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وقد حفلت الدولة الإسلامية في تاريخها الطويل بمآثر جليلة، سجلها العلماء في مواقفهم الخالدة مع الحكام. تلك المواقف التي اتسمت بالصدق والجرأة والإخلاص لله ولدينه الحنيف، فكانوا نجوما وضاءة يهتدي بها الحكام والمحكومون في ظلمات الحياة.
لقد أظهر العلماء في تلك العصور عزة الإسلام، وحقيقة الشريعة الإسلامية الغراء في صلابة موقفها من الحكام المنحرفين عنها ولو قيد أنملة، وفي معالجتها لجميع شؤون الدولة التي يرأسها الخليفة، ويخضع لسلطانها المسلمون.
يظهر العلماء عزة الإسلام وحقيقة الشريعة متحملين بصبر وشجاعة ما ينتج عن الجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر، غير هيابين سطوة الحكام، ولا قوة الدولة، ولا صولة الجند.
إخــوة الإيمـان: إن الحكام الظالمين الذين تولوا أمر الإسلام حينـا من الدهر، لم يستطيعوا أبدا تسخير العلماء الأبرار لتنفيذ أهوائهم أو السير في ركابهم المعوج مع ما أوتوا من قوة وبأس. وكيف لا يكون ذلك وقد نـهي العلماء والمسلمون أجمع أن يركنوا إلى الظالمين استجابة لقول الله:(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون). كيف لا يكون ذلك؟ وقد قال الله تعالى لهم في محكم كتابه:(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون @ إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم).
لذلك نجد منهم المحاسبين للحكام، المنكرين سوء أفعالهم.
كما نجد منهم الناصحين لهم، الرافضين منحهم، الصابرين على محنهم.
كما نجد منهم الساعين لمواجهتهم بقصد إسماعهم مقالة الإسلام صريحة جريئة، ولا يخافون في الله لومة لائم.
كما نجد منهم الركع السجود في سجون الحكام، يلتمسون رحمة الله وطلب رضاه، يكتبون ويؤلفون، ويهدون الناس إلى الطيب من القول.
كما نجد منهم المجاهدين في سبيل الله في مقدمة الجند وعلى رأس الجيوش.
وهكذا أثبت العلماء الذين كانوا من قبل أن وجودهم إنما هو من أجل الإسلام وحده، وأنهم حقــا ورثة الأنبياء.
إخــوة الإيمـان: كانت هذه هي الدولة الأولى في العالم، حيث انتزعت زمام المبادرة من أعظم دولتين في ذلك الزمان وهما الفرس والروم.
ولكن عندما هدمت الدولة الإسلامية، حيث استطاع الكافر اللعين أن يقضي عليها في غفلة من أهلها، وخيانة من بعض أبنائها الذين انخدعوا بوعود الكافر وإغراءاته البراقة (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).
عندما ترك المسلمون حكاما ومحكومين حمل رسالة الإسلام، وتقاعس العلماء عن أداء واجبهم انتقلوا من مركز القيادة إلى درك التبعية، وصار المسلمون يرددون ما يقوله أعداؤهم الكافرون الملحدون الحاقدون من شرق وغرب عن إسلامهم، دون أن يقف علماؤهم الموقف المطلوب شرعا.
فيا أيها العلماء نذكركم بقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، فاتقوا الله، قال عز من قائل: (واتقوا يوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون). وختامـــا:
إخوة الإيمان نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يهيئ لأمة الإسلام علماء صادقين مخلصين يصدعون بكلمة الحق لا يخشون في الله لومة لائم ونسأله عز و وجل أن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه،
والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أبو إبراهيم