مع الحديث الشريف- الثقة بوعد الله
عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. رواه البخاري
جاء عند الإمام ابن حجر في فتحه بتصرف يسير ” قَالَ اِبْن بَطَّال : إِنَّمَا لَمْ يُجِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤَالَ خَبَّاب وَمَنْ مَعَهُ بِالدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّار مَعَ قَوْله تَعَالَى (اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وَقَوْله (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا تَضَرَّعُوا) لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ الْقَدَرُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَلْوَى لِيُؤْجَرُوا عَلَيْهَا كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة اللَّه تَعَالَى فِي مَنْ اِتَّبَعَ الْأَنْبِيَاء فَصَبَرُوا عَلَى الشِّدَّة فِي ذَات اللَّه, ثُمَّ كَانَتْ لَهُمْ الْعَاقِبَة بِالنَّصْرِ وَجَزِيل الْأَجْر, قَالَ : فَأَمَّا غَيْر الْأَنْبِيَاء فَوَاجِب عَلَيْهِمْ الدُّعَاء عِنْد كُلّ نَازِلَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَا اِطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث تَصْرِيح بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْعُ لَهُمْ بَلْ يَحْتَمِل أَنَّهُ دَعَا, وَإِنَّمَا قَالَ ” قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يُؤْخَذ إِلَخْ ” تَسْلِيَةً لَهُمْ وَإِشَارَةً إِلَى الصَّبْر حَتَّى تَتَقَضَّى الْمُدَّة الْمَقْدُورَة, وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث “وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”. وَقَوْله فِي الْحَدِيث ” هَذَا الْأَمْرَ ” أَيْ الْإِسْلَام.”
مستمعينا الكرام: قد وعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنصر والفرج في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة فمن ذلك ما روى مسلم في صحيحه حديث ” تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله” وروي أيضا “ستفتح مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا ” وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام عن فتح القسطنطينية مخبرا بذلك قبل ثمانية قرون ونصف “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”.
هذه وعود من الله ورسوله، فماذا كان مصيرها!؟ لقد تحقق وعد الله ورسوله، فقامت دولة الإسلام وهزمت قريش وظهر الإسلام وأنحي الشرك من أرض الجزيرة، وتقوض بنيان اليهود وغاب ملك فارس والروم عن الوجود وفتحت القسطنطينية، وخفقت راية العقاب فوق أكثر بقاع الأرض، وكانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم مدة ثلاثة عشر قرنا وأصبحت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
واليوم -وبإذن الله- ستقوم دولة الإسلام من جديد فقد أخبر الرسول الكريم بذلك حين قال: “إن أول دينكم نبوة ورحمة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكا عضوضا، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنها سكان السماء وسكان الأرض، فلا تبقي السماء من قطرها إلا أنزلته، ولا تبقي الأرض من خيراتها ونباتها إلا أخرجته”.
وسينتصر المسلمون على اليهود ثانية ويظهرون عليهم فقد وعد الرسول الكريم بذلك حيث قال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، فتعال فأقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود “.
وستفتح روما كما فتحت القسطنطينية قبلها، فقد وعد الرسول الكريم بذلك، “قال عبد الله بن عمرو بن العاص: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكتب، إذ سئل رسول اله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أي المدينتين تفتح أولا، القسطنطينية أو روما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مدينة هرقل تفتح أولا “.
وحملة الدعوة على يقين بذلك كله، لأن هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، والأمر يتطلب منا العمل الدائم والنظرة إلى المستقبل بأمل باسم، ولا يجوز لنا أن نتصور أنه يجب تحقيق الوعود على أيدينا، فإن تحقق شيء من ذلك على أيدي الرعيل الأول فذلك فضل الهف يؤتيه من يشاء، وإلا فيجب الاستمرار في الدعوة وهي فرض وتركها إثم كبير، والقنوط من رحمة الله ضلال، واليأس من روح الله من عمل القوم الكافرين، ونحن نرى الكفار على كفرهم يصبرون على تحقيق ما يريدون ولا يقعدون عن العمل وصولا لغايتهم وأهدافهم، فقد صبر الشيوعيون سبعين عاما حتى قامت أول دولة لهم في روسيا سنة 1917، فما بال شباب الدعوة، وعدوهم على الباطل وهم على الحق، والله مولاهم وهو نعم المولى ونعم النصير. (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ).