نفحات إيمانية- ليلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم، (إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر).صدق الله العظيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام فأسلمنا، ودعانا إلى الإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، وأمرنا بالصيام فصمنا، وندبنا إلى القيام فقمنا، وحثنا على طاعته فسمعنا وأطعنا. نسأله سبحانه وتعالى في هذه الساعة المباركة، من هذه الليلة المباركة في هذا الشهر شهر رمضان المبارك أن يتقبل منا الصلاة والصيام والقيام، وأن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لطاعته في كل وقت وحين، حتى نلقاه وهو راض عنا. آمين… آمين… آمين… يا رب العالمين. أما بعد:
قال المفسرون في تفسير سورة القدر: أنزل الله تبارك وتعالى، قرآنا ذا قدر! في ليلة مباركة، هي ليلة القدر! على رسول عظيم القدر! لأمة ذات قدر! هذا القول أحبتي في الله له دلالته، وإيماؤه ، وإيحاؤه.
إن هذا القرآن الذي بين أيدينا، والذي أقبلنا على تلاوته في هذا الشهر المبارك لعظيم، جد عظيم، إنه عظيم حقا وصدقا؛ لأنه من إله عظيم، رب السماوات ورب الأرض، رب العالمين، ورب العرش العظيم. قال جل من قائل مخاطبا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني، والقرآن العظيم)!
إخوة الإيمان: يا أمة القرآن، يا أحباب الله، ويا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي أمد الله بها نبيه الأمي، والتي غير بها نفوسا، وأحيا قلوبا وأنار بصائر، وربى أمة، وكون دولة في زمن قياسي، هو حقيقة ولكنه أشبه بالخيال.
القرآن العظيم هو كتاب الله الخالد، ودستوره الماجد، وحجته البالغة على العالمين، كتاب ختم الله به الكتب، أنزله الله على رسول ختم به الرسالات بدين عام شامل كامل، ختم به الأديان، فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق، وهو رسالة السماء إلى أهل الأرض، أنهى الله إليه كل تشريع، وأودعه كل نهضة، وأناط به كل سعادة ورخاء للأمم والشعوب.
القرآن الكريم هو مفتاح سعادة الأمة الإسلامية، بل هو مفتاح السعادة للبشرية جمعاء، ولا يمكن لهذه الأمة الإسلامية أن تنهض من كبوتها نهضة حقيقية صحيحة ،إلا بتحكيم هذا القرآن وتطبيق أحكامه في جميع شؤون الحياة.
لقد أعلى الله سبحانه وتعالى شأن الأمة الإسلامية، فأنزل فيها كتابه، وبعث فيها رسوله الأمين محمدا عليه الصلاة والسلام، وجعلها خير أمة أخرجت للناس ، وجعلها بهذه الرسالة، وبهذا القرآن العظيم شاهدة وقائدة ورائدة وسيدة للأمم، ورافعة لواء العلم والهدى للناس أجمعين.
إن هذه الأمة زكت بالقرآن، وسادت بالقرآن، وقد كان القرآن هم المسلمين الأوائل يحفظونه ويفهمونه، ويعملون بأحكامه وتعاليمه، حتى صفت أرواحهم، وطهرت نفوسهم.
وقد أتى المسلمون بالعجب العجاب، حينما اهتدوا بهدي القرآن ، وساروا على نوره، وصراطه المستقيم ، فانقاد لهم العالم، وأنقذوا البشرية ، وكتب الله لهم النصر والتأييد والظفر، حتى على أقوى دول العالم آنذاك، وأقاموا دولة الإسلام فكانت بهجة الدنيا، وزينة الحياة ، منها يشع النور على العالم المظلم ، وكانت أمة الإسلام تحت لواء القرآن، ترفل بعزة الله، وتسعد برضاه، إذ أقامت حكم الله في الأرض ، وحكمت بما أنزل الله في كتابه.
إخوة الإيمان: كلما تحدثنا عن موضوع القرآن الكريم، وسموه وعظمته وضرورة تطبيق أحكامه، وتحكيم شرعه في واقع الحياة، تبرز أسئلة عديدة، تفرض نفسها بإلحاح شديد.
هذه الأسئلة تطرح نفسها بنفسها، لا نريد الإجابة عنها بالأقوال، بل بالأفعال. فما أكثر أن نقول! وما أقل أن نفعل! وقد حذرنا الله من ذلك فقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
فأين نحن المسلمين من كتاب ربنا عز وجل؟ هل أحللنا حلاله، وحرمنا حرامه، وحكمناه في جميع شؤون حياتنا؟
أين نحن من سنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم هل درسناها، ووعيناها، وتأسينا برسولنا امتثالا لقول ربنا: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)؟
أين نحن المسلمين من إقامة حكم الله في الأرض؟ امتثالا لقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
أين نحن المسلمين من دولة الإسلام التي أقامها وأرسى قواعدها رسول الله عليه الصلاة والسلام لنجعل منها مركز هداية للعالمين ولننشر الإسلام في الدنيا كلها، نحق الحق، ونبطل الباطل، ونقيم العدل، ونحمي المستضعفين، ونرد الحقوق إلى أصحابها؟
أين نحن المسلمين من الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله؟ أين نحن من مسرى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ؟
أين نحن من نصرة إخواننا المسلمين، الذين يقتلون ويذبحون في كل مكان، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون؟
ما الذي يحول بيننا، وبين أن نرضي ربنا بتحكيم كتاب ربنا، وسنة نبينا وإقامة حكم الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام، دولة الخلافة، التي يعز بها الإسلام وأهله، ويذل بها الكفر والنفاق وأهله، تحقيقا لقول الله جل في علاه: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون).
وختاما: إخوة الإيمان نتوجه وإياكم إلى الله تعالى بهذا الدعاء، في هذه الليلة المباركة، من ليالي هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، عساها تكون ساعة إجابة. ارفعوا أكف الضراعة إلى الله، وأمنوا على هذا الدعاء، بقلب خاشع وأنتم موقنون بالإجابة:
اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل اللهم فينا ولا منا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم اجعلنا من عتقائك، عتقاء شهر رمضان من النار، برحمتك يا رحيم يا غفار، يا حليم يا ستار يا الله.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عنا يا كريم. اللهم أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بنا يا الله يا عظيم.
اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن معنا ولا تكن علينا، وزدنا ولا تنقصنا يا رب العالمين.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وتقوم فيه دولة الإسلام .
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع اللهم أهل الشرك، والكفر والبغي والفساد، وانشر رحمتك على العباد يا أرحم الراحمين.
اللهم هيئ لأمة الإسلام خليفة، يخافك ويتقيك، ويحكم فينا كتابك، ويطبق شريعتك، ويقودنا إلى الجهاد في سبيلك، لتحرير مسرى نبيك، وجميع ما اغتصب من أراضي المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، ولا تجعلنا من الغافلين. اللهم اعتق رقابنا، ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا من النار برحمتك يا عزيز يا غفار.
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين).
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أبو إبراهيم