رسالة إلى المسلمين في العالم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والخير المجتبى، محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:
هذا نداء إلى أمة الإسلام، أمة رسول الله الكريم، نداء إلى هذه الأمة الخاتمة للأمم، والتي يعوَّل عليها إنقاذ البشرية من الضياع، والظلم والفساد والاستقواء والإغواء، هذه الأمة التي يعوَّل عليها أن تقيم العدل بين الأمم، وأن ترفع الظلم المستشري عن المظلومين، نتيجة تطبيق أحكام الجور والكفر. نداء إلى هذه الأمة الكريمة التي تعيش في ظلام دامس نتيجة ابتعادها عن كتاب الله وسنة رسوله نتيجة تعلقها بسراب القوانين الوضعية، وظلامات الجاهلية، وزعامات الرويبضات، وأمراء السوء الذين أذاقوها، والحياة ونكد العيش مصداقا لقوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكاً).
إن هذه الأمة الخيرة التي خيَّرها فضَّلها ربُّ العزة والجلال بقوله: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) مكلفة تكليفاً شرعياً وعلى الوجوب أن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعبِّد البشرية لله الخالق المدبر دون سواه. وهي مكلفة تكليفاً لا خيار لها فيه بأن تقيم حدود الله، وصرح شرعه، وأن تعلي راية دينه راية العُقاب، هذه الراية التي رفعها رسول الله الكريم، وحافظ عليها خفاقة صحابته الكرام وخلفاؤه الراشدون، والخلفاء من بعدهم على مدى ثلاثة عشر قرناً، لم يتهاونوا أبداً في ذلك، وهي تضرب في ذرى العلياء، معلنة ومؤشرة عن صرح هذه الأمة، وصرح دينها العزيز القوي، مبلغة لكل من يعيش دياجير الظلام إلى صرح الإسلام، صرح النور العظيم، مهوى الأفئدة، ومنارة الهدى، وصرح النهضة والرقي والتقدم، الذي تم الإطاحة به منذ قرن من الزمان، على يد زمرة مجرمة برئاسة مصطفى كمال، أحد أفراد يهود الدونمة وعملاء بريطانيا أم الخبائث، والذي نتج عنه تفتيت هذه الأمة إلى شعوب وقبائل متشرذمة تتناحر فيما بينها على أتفه الأسباب، وتتقاتل على حدود رسمها عدوها لها، وسجون كممت أفواهها بها، وعقول شُردت للغرب لكي ينتفع عدوها منها، وخيرات أصبحت نهباً لأعدائها حراماً على أبنائها!
هذا النداء لهذه الأمة الكريمة التي استبيحت حرماتها، وامتهنت كرامتها، وضيع شرفها، وأصبحت كالأيتام على مآدب اللئام، مكانة لا يرضاها كلُّ حرٍ وكريم، بل يأنف منها كلُّ وضيع ولئيم، فكيف بها وهي أم الأسود؟ أنجبت خير خلق الله محمداً عليه الصلاة والسلام، وآله الأطهار الأبرار، والصحابة الكرام… هذه الأمة هي التي أنجبت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وخالداً والزبير والقعقاع والسعدين والمعتصم، والسيرة تطول بأسماء هؤلاء الجهابذة والأفذاذ الذين ملئوا الدنيا ببصماتهم وصيحاتهم وهي تردد في جنبات الأرض: «الله أكبر … الله أكبر … حيَّ على الجهاد … حيَّ على الجهاد …».
فهل بعد هذا التاريخ المشرف، والسيرة العطرة لهذه الأمة الكريمة، المنجبة لكرام الخلق، وسادة الكون، ونجباء الوجود، وفرسان الوغى، وأسود الشرى، أن تنتكس وتتراجع عن مكانتها، ومركزها القيادي، بعدما خيَّرها فضَّلها الله ورفعها حيث قال: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). وقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
إذاً كيف لهذه الأمة وبهذه المواصفات والمقاييس العالية العلية والسامية، ذات الأمر والنهي والإيمان أن تركن للذين كفروا، وأن تخضع لأهل الأهواء وأهل الدنيا، وقد قال سادتها يوم أن كانت السيادة لهم: « نحن ما جئنا نبتغي مطامع الدنيا، وإنما جئنا لكي نخرج الناس من الظلمات إلى النور! ومن الكفر إلى الإيمان! ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة؟
إذاً هذه الأمة جيء بها لأمر عظيم وكريم، وهو أن تعبِّد الطريق للبشر إلى الله، وتذلل السبيل في الوصول إليه، وأن ترفع القيود والأغلال التي تمنع الناس من الوصول إليه وعبادته بالشكل الذي يرضيه، وأن تخرج البشرية من دياجير الظلام والظلم إلى نور الهداية والهدى، ومعرفة الله حق المعرفة، وتبصرة الآخرة بالتي ترضي مولانا جل في علاه.
فلماذا يا أمة الإسلام لا زلت في ذيل الأمم؟ ولا زلت تترنحين في متاهات الكفر والضلال؟ أما آن الأوان أن يخرج منها سعد الذي اهتز لموته عرش الرحمن؟ وعمر الذي فرق الله به بين الحق والباطل؟ وأبو بكر الذي صدق الله فصدقه؟ وخالد الذي سُلَّ به سيفاً على الكفر والكافرين؟ أم أن هذه الأمة عقمت عن إنجاب هؤلاء وأمثالهم؟ والله قد وعدها ووعده حق حيث قال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا).
أبعد هذا الوعد بالتمكين والأمن والعبادة النقية الطاهرة الصافية من كل خلل وعيب، والرضا المطلق والرضوان المقيم الذي أخبرنا به مولانا حيث قال: (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) والذي يرضى به الله وملائكته الأبرار الأطهار، والذي لا يتم إلاَّ بهذا الإيمان والعمل الصالح، وهو إقامة حكم الله في الأرض، ورفع راية العُقاب خفاقة في أرجاء الكون، وكما أخبر عنها رسولنا الكريم حيث قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها … ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت».
وقد أخبرنا رسولنا الكريم عن هذه الخلافة حيث قال: «تملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً». ثم قال: إنها ستعم الكون كله حيث قال: «زويت لي الأرض فرأيت مشارقها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها». وقال: «وإن ملك أمتي سيبلغ ما بلغ الليل والنهار».
فإلى هذا العمل الجليل العظيم يا أمة الإسلام … ولمثل هذا فليعمل لعاملون … ولمثل هذا عمل الرسول الكريم وصحابته الأجلاء الكرام حين أقام صرحها في يثرب فعم شعاعها أرجاء المعمورة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً!
أيتها الأمة العزيزة العظيمة: إنَّ الركون للدنيا وشياطينها وعبادها هو الظلم، وهو الاستعباد وهو الارتكاس والانتكاس والله يقول: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
اللهم أجرنا وأجر أمة محمد من الركون للدنيا وأهلها، واجعلها وأبناءها من أهل طاعتك، والعاملين لإقامة حكمك وسلطان شريعتك، وأهل رفع راية حكم دينك.
لمثل هذا فليعمل العاملون عملاً تدين به البشرية وساكني السماء، يرفع به الله درجات العاملين، ومن يعينهم ومن يؤازرهم ويؤيدهم. فإلى هذا يا أمة الإسلام، هذا نداء … فهل من مجيب؟ (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
تقبل الله منا ومنكم الصلاة والصيام والقيام وسائر الطاعات والقربات. اللهم أكرمنا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل. اللهم آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو صهيب