مواقف وعبر- على فراش الموت
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين
وبعد ..
نرحّبُّ بكم من استوديو البث المباشر ونلتقي وإياكم وحلقةٍ جديدةٍ من قصصِ الصحابةِ والتابعين، لنأخذَ مواقفَ ونعتبرَ منها.
ولقاؤُنا لهذا كيفَ كان الصحابةُ والتابعون على فراشِ الموتِ.
احتشدتْ المغرياتُ على الناسِ فأنستْ كثيرينَ منهم مهمتَهمْ في الحياةِ ومصيرَهم بعدها فأقبلوا يعبون من شهواتِها بغيرِ حدودٍ وربما عب بعضُهم بغيرِ قيودٍ، تنافسٌ خطيرٌ في الجمعِ من حلٍ ومن غيرِ حلٍ من أجلِ استمتاعٍ أكبر، وتسابقٌ في التعميرِ والتوسعِ والزخرفةِ والتأثيثِ، والمصيبةُ إن كانَ صاحبُ هذا ممن غَرِقُوا في هذا الصراعِ وعَكفوا عليه ناسينَ كونُهم عبادُ اللهِ يَنتظرُهمُ الموتُ وما يأتي بعدَ الموتِ، آمالهمْ عراض، وأهوائهم جانحة.
مستمعينا الكرام
إنًّ لكلِ بدايةٍ نهايةً ولكلِ قوةٍ ضعفاً ولكلِ حياةٍ موتاً، قال تعالى : { إنكَ ميتٌ وإنهم ميتون)
وقال تعالى { كلُ نفسٍ ذائقةُ الموت ثم إلينا ترجعون }
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أكثروا ذكر هادم اللذات }
إلى نفسي أولا وإلى كلِ حريصٍ على هديِ محمدٍ بنِ عبدِ اللهِ أسوقُ لكمْ بعضَ صورِ الصحابةِ والتابعينَ على فراشِ الموتِ عَلّنا نعتبرُ من هذهِ المواقفِ بعدَ أنْ اخَذَتْنا الحياةُ الدنيا، فعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: ((خطَّ النبيُ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ خطاً مربعاً، وخطَ خطاً في الوسطِ خارجاً منه، وخطَّ خُطوطاً صِغاراً إلى هذا الذي في الوسطِ من جانِبهِ الذي في الوسطِ وقالَ: هذا الإنسانُ، وهذا أَجَلُهُ محيطٌ بهِ، أوقدْ أحاطَ بهِ، وهذا الذي هو خارجُ أملِه، وهذه الخطوطُ الصغارُ الأعراض، فإن أخطأَه هذا نهشَه هذا، وإن أخطأَه هذه نهشَه هذا)).
وقالَ عليُ رضيَ اللهُ عنهُ: ارتحلتْ الدنيا مدبرةً، وارتحلتْ الآخرةُ مقبلةً ولكلُ واحدةٍ منهُما بنونَ، فكونوا مِنْ أبناءِ الآخرة، ولا تكونوا من أبناءِ الدنيا، فإن اليومَ عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل.
أبو بكرٍ الصديق : لما احتضرَ أبوبكرُ الصديقُ رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاه حينَ وفاتِه قالَ : وجاءتْ سكرةُ الموتِ بالحقِ ذلكَ ما كنتَ منهُ تحيدُ، وقالَ لعائشةَ : انظروا ثوبَيْ هذيْن، فإغسلوهُما وكَفِنُوني فيهما فإنَّ الحيَ أولى بالجديدِ منْ الميتِ.
و لما حضرتْهُ الوفاةُ أوصى عمرَ رضيَ اللهُ عنهُ قائلاً :
إني أوصيكَ بوصيةٍ إنْ أنتَ قبلتَ عني : إنَّ للهِ عزَ و جلَّ حقاً بالليلِ لا يقبلُهُ بالنهارِ، وإنَّ للهِ حقاً بالنهارِ لا يقبلُه بالليلِ، وإنِّهُ لا يقبلُ النافلةَ حتى تؤدي الفريضةَ، وإنما ثقلتْ موازينُ من ثقلتْ موازينُه في الآخرةِ بإتباعِهمْ الحقَ في الدنيا، وثقلتْ ذلكَ عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفتْ موازينُ من خَفََّتْ موازينُه في الآخرةِ باتباعِهِمُ الباطلَ، وخفته عليهم في الدنيا وحق لميزان أن يوضعَ فيه الباطلُ أن يكونَ خفيفاً.
عمرُ بنُ الخطابِ : ولما طُعِنَ عمرُ جاءَ عبدُاللهِ بنُ عباسٍ فقالَ : يا أميرَ المؤمنينَ، أسلمتَ حينَ كفرَ الناسُ، وجاهدتَ معَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ حينَ خذلَهُ الناسُ، وقُتِلتَ شهيداً ولمْ يختلفْ عليكَ اثنان، وتُوفيَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وهوُ عنكَ راضٍ.
فقالَ لَهُ : أَعدْ مقالتَكَ.
فأعادَ عليهِ، فقالَ : المغرورُ مَنْ غررتُموهُ، واللهِ لوْ أنَ ليَ ما طلعتْ عليهِ الشمسُ أو غربتْ لافتديتُ بهِ مِنْ هولِ المطلعِ.
وقالَ عبدُاللهِ بنُ عمرَ : كان َرأسُ عمرَ على فَخذيْ في مرضِهِ الذي ماتَ فيه.
فقالَ : ضعْ رأسي على الأرضِ.
فقلتُ : ما عليكَ.. كانَ على الأرضِ أو كان على فخذي ؟!
فقالَ : لا أمَّ لكَ، ضَعْهُ على الأرض. ِ
فقالَ عبدُاللهِ : فوضعْتُهُ على الأرضِ.
فقالَ : ويلي وويلَ أمي إنْ لمْ يرحمْني ربي عزَّ و جلَّ.
عثمانُ بنُ عفانَ : قالَ حينَ طَعَنَهُ الغادرونَ والدماءُ تسيلُ على لحيتِهِ : لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمين، اللهمَّ إني أستعديكَ وأستعينُكَ على جميعِ أموري وأسألكَ الصبرَ على بليتي.
ولما استُشْهِدَ فَتَشوا خزائِنَهُ فوجدُوا فيها صندوقاً مقفلاً، فَفتحوهُ فوجدوا فيه ورقةً مكتوباً عليها (هذه وصيةُ عثمانُ) :
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم ِ
عثمانُ بنُ عفانَ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ لهُ وأنَّ محمداً عبدُه ورسولهُ وأنَّ الجنةَ حقٌ وأنَّ اللهَ يَبعثُ مَنْ في القبورِ ليومٍ لا ريبَ فيهِ إنَّ اللهَ لا يُخلفُ الميعادَ، عليها يَحيا وعليها يموتُ وعليها يُبعثُ إنْ شاءَ اللهُ.
عليُ بنُ أبي طالبٍ : بعدَ أنْ طُعِنَ عليُ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : ما فُعِلَ بضاربي ؟
قالوا : أخذناه.
قال : أَطعموه من طعامي واسقوه من شرابي، فإن أنا عشتُ رأيتُ فيه رأيي، وإن أنا متُ فاضربوه ضربةً واحدةً لا تزيدوه عليها.
ثم أوصى الحسن أن يغسله وقال : لا تغالي في الكفن فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ يقولُ : لا تغالوا في الكفنِ فإنَّه يسلبُ سلباً سريعاً.
وأوصى :
إِمشوا بي بينَ المشيتَيْنِ لا تُسرِعُوا بي ولا تُبطِئوا، فإنْ كانَ خيراً عجلتُموني إليهِ وإن كان شراً ألقيتُموني عن أكتافِكُمْ.
فاللهم ارحمْ في الدنيا غربَتَنا وارحمْ في القبورِ وحشتنا وارحم موقِفَنا غداً بينَ يديكَ، واجعلنا من عبادِك الذين يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَه.