شرح لمواد الدستور المتعلقة بالنظام الاقتصادي في الإسلام من مشروع دستور دولة الخلافة (من منشورات حزب التحرير). (ح27) شرح المادة 151
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نص المادة 151:
( يعتبر من الواردات التي توضع في بيت المال، الأموال التي تؤخذ من الجمارك على ثغور البلاد، والأموال الناتجة من الملكية العامة، وملكية الدولة، والأموال الموروثة عمن لا وارث له).
في هذه المادة يرفد بيت المال روافد ثلاثة : أولها: الجمارك أو المكوس التي تؤخذ على ثغور البلاد، وثانيها: الأموال الناتجة من الملكية العامة أو ملكية الدولة، وثالثها: الأموال الموروثة عمن لا وارث له.
أما ما يؤخذ من جمارك على الثغور، فهو المكس أو العشور، وهو حق للمسلمين، يؤخذ من مال أهل الذمة وعروض تجارتهم، ومن أهل دار الحرب المارين بها على ثغور دولة الخلافة، والذي يتولى أخذها يسمى العاشر، ورغم أنه قد وردت عدة أحاديث في ذم المكس، والتغليط على من يأخذه، مثل ما روى عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يدخل الجنة صاحب مكس) وما روي عن كريز بن سليمان قال: ( كتب عمر بن عبد العزيز الى عبد الله بن عوف القاري أن اركب الى البيت الذي برفح، الذي يقال له بيت المكس فاهدمه، ثم أحمله الى البحر فانسفه فيه نسفا) رواه أبو عبيد، كما كتب الى عدي بن أرطأة أن ضع عن الناس الفدية، وضع عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس، وليس هو بالمكس، ولكنه البخس الذي قال الله فيه ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين) فجميع هذه الأحاديث والآثار فيها ذم المكس، وتشديد وتغليط على آخذه، ولكن، قد وردت آثار أخرى تبين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن بعده من الخلفاء، عثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز، كانوا يأخذون على التجارات التي تمر على ثغور الدولة، وكانوا يأخذون من تجار المسلمين ربع العشر، ومن تجار أهل الذمة نصف العشر، ومن تجار أهل دار الحرب العشر، وعندما أخذها عمر رضي الله عنه، كان على مرأى ومسمع الصحابة، فيكون إجماعا منهم على جواز أخذها، ولا يوجد تناقض في الأحاديث والآثار التي رويت، لأن الذم الذي ورد في بعضها، إنما هو في الأموال التي تؤخذ بغير حق من المسلمين أو من أهل الذمة أو من أهل الحرب، فالمسلم لا يجب عليه عشور، ولا تجب علي عروض تجارته الا الزكاة، ولا يجب فيها إلا ربع العشر وهي ليست ضريبة ولا عشرا .
وأهل الذمة، فإنه كذلك لم يكن يؤخذ منهم العشر، وإنما كان يؤخذ منهم نصف العشر، وكان هذا مشروطا عليهم في اتفاقيات عقد الصلح التي عقدت معهم أيام عمر بن الخطاب، عندما فتع العراق والشام ومصر .
اما اهل الحرب الذين يمرون في تجارتهم على ثغور الدولة فيدفعون العشر، وذلك معاملة بالمثل، فكما يأخذون من تجارنا نأخذ من تجارهم، و قد كان العشر هو المقدار الذي يأخذه أهل الحرب من تجار المسلمين إذا مروا ببلادهم ايام عمر والخلفاء من بعده.
أما الأموال الناتجة عن الملكية العامة، فهي تخضع لرأي الخليفة واجتهاده في إنفاقها وتوزيعها لتصل الى جميع المسلمين، فإن الخليفة قد جعل نائبا عن المسلمين في رعاية مصالحهم، فما كان من الأموال العامة، يمكن أن يتمتع به جميع المسلمين، فإنهم يتركون ان يأخذوا منه ما يشاؤون، كماء النهر و كماء البئر التي يستقون منها، والصيد في البحر وما شاكل ذلك، وأما إن كان بعضهم يمنع البعض الآخر من الإستفادة منها، لعجز فيه، أوقلة إمكانيات، كمعدن الحديد إن وجد في مكان يمكن استخراجه بإمكانيات، توجد عند البعض ولا توجد عند غيرهم، ففي مثل هذه الحال، يتولى الخليفة رعاية هذا المنجم واستخراج خاماته، ليجعل نفعه عاما لجميع المسلمين، و كذلك جميع المعادن العد.
فهذه الأموال توضع في بيت المال، وتعتبر من وارداته، لأن الخليفة هو الذي يتولاها ، ولكنها ليست مما يصرف برأي الخليفة واجتهاده، فهي لعامة المسلمين، ورأي الخليفة واجتهاده إنما هو بالتوزيع بالتساوى وعدم التساوي، والأنفاق، لا بمن تنفق عليه فهي ليست من ملكية الدولة .
وأما الأموال التي لا وارث لها، فإنها توضع في بيت المال، فإن ظهر لها وارث أعطيت له، وإلا كانت لبيت المال، لأن بيت المال وارث من لا وارث له، ولأن المسلمين كانوا يأتون بميراث من لا وارث له للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يسأل هل له من نسيب أو رحم؟ ثم يأمر بإعطائه لمن يراه مناسبا، مما يدل على أنه من واردات بيت المال.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الإقتصادي في الإسلام،نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أبو الصادق