شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح28)- شرح المادة (152)
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نص المادة 152:
( نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات هي :
أ- الأصناف الثمانية اللذين يستحقون أموال الزكاة يصرف لهم من باب الزكاة، فإذا لم يوجد مال في باب الزكاة، لا يصرف لهم شيء.
ب- الفقراء والمساكين وابن السبيل والجهاد والغارمين إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة مال، صرف لهم من واردات بيت المال الدائمة، وإذا لم يوجد، لا يصرف للغارمين شيء، وأما الفقراء والمساكين وابن السبيل والجهاد، فتحصل ضرائب لسد نفقاتهم، ويقترض لأجل ذلك في حالة خوف الفساد.
ج- المصالح والمرافق الأساسية كالطرقات والمساجد والمستشفيات، والمدارس، يصرف عليها من بيت المال، فإذا لم يفِ ما في بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات.
هـ- المصالح والمرافق الكمالية، يصرف عليها من بيت المال، وإذا لم يوجد ما يكفي لها في بيت المال لا يصرف لها ولا تؤجل.
و- الحوادث الطارئة كالزلازل والطوفان، يصرف عليها من بيت المال، وإذا لم يوجد، يقترض لأجلها المال في الحال، ثم يسدد من الضرائب التي تجمع.
هذا نص المادة إما في ما يتعلق بشرحها:
فالفقرة (أ) من هذه المادة: تحديد لمصارف الزكاة الثمانية أصناف التي حصرتهم الآية الكريمة ، وقصرتها عليهم، وخصتها بهم وهي قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) فلا يجوز أن يعطي منها غير هذه الأصناف الثمانية، لأن الآية صُدِّرت ب (إنما) التي تفيد الحصر والقصر وجاءت بعدها لام الملك. فدل ذلك على حصر استحقاق الصدقة وملكيتها في هذه الأصناف الثمانية.
وأما الفقرة (ب ): فالإنفاق على الفقراء والمساكين والجهاد وابن السبيل، واجب على بيت المال في حال وجوده، وعلى المسلمين في حال عدم وجوده، لأنها مما أوجبه الله تعالى على بيت المال وعلى المسلمين، لذلك فإنه يفرض على المسلمين ضرائب إن لم يكن في بيت المال مال، وذلك واجب شرعه الله سبحانه.
وإما بالنسبة للغارمين أي المدينين، فإنه مما أوجبه على بيت المال، ولم يوجبه على المسلمين، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا أولي بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا فعلي، ومن ترك مالا فلورثته ) وعليه هنا بوصفه رئيس الدولة، فهو مما أوجبه الله على بيت المال، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ) فمن هذا الحديث، والذي قبله يتبين أن الدين على بيت المال، فإن كان في بيت المال مال وجب صرفه، وإن لم يوجد مال لا تفرض لأجله ضرائب، لأنه لا يوجد ما يدل على أنه فرض على المسلمين، ولأن حديث جابر رضي الله عنه: ( فلما فتح الله على رسوله قال: أنا أولى بكل مؤمن) الحديث، وفي لفظ (فلما فتح عليه الفتوح ) فإنه دليل على أنه إنما يدفع من بيت المال إذا وجد.
وأما الفقرة (ج): فإن دليلها أن التعليم فرض على الدولة، وعليها أن توظف له موظفين، ولا يتأتى توظيفهم بغير أجرة، لذلك لا بد أن تصرف إليهم رواتب، من حديث ( للغازي أجره وللجاعل أجره)، وكذلك القضاء، فهو واجب أيضا وعلى الدولة أن توظف قضاة ليفضوا الخصومات بين الناس، والله أمر المسلمين بإقامتهم، فقد أوجب عليهم دفع أجرة من يقوم بالقضاء من باب دلالة الالتزام، أي إيجاب أقامة القاضي يلزم منها إيجاب دفع أجرته، ومن باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا لا يوجد في بيت المال مال، فرض على المسلمين الضرائب.
وكذلك أرزاق الجند، فإن الله تعالى قد فرض الجهاد، وفرض على بيت المال أرزاق من يشتغلون بالجهاد والشؤون الحربية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (للغازي أجره)، والغازي: هو من يكون غازيا بأجرته، فتكون أجرة من يقوم بهذا الواجب من الأجراء أي من الموظفين على بيت المال فإن لم يوجد في بيت المال مال، صار واجب دفع أجرتهم على المسلمين، فتفرض له ضرائب.
وأما الفقرة ( د): فدليلها قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار) وإزالة الضرر واجبة على الخليفة، وواجبة على المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه)، فلأن عدم توفير المصالح والمرافق الضرورية يصيب الأمة بضرر، وإزالة الضرر واجبة على الخليفة وعلى المسلمين، لذا يجب دفع المال الذي يلزم، من بيت المال فإن لم يوجد في بيت المال مال فرضت الضرائب على المسلمين لإزالته.
وأما الفقرة (هـ): فإن دليلها دليل رعاية الشؤون، وهو ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته) فسد النفقات الواجبة على سبيل الإرفاق والمصلحة دون بدل، هو من رعاية الشؤون .
وبما أن عدم سدها يسبب ضررا للأمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار) فهذان الحديثان هما دليل وجوب المصلحة والإرفاق على الخليفة، ولذلك يجب عليه القيام بها مطلقا، سواء أكانت من الضروريات أم من الكماليات، ولا يجب على المسلمين إلا ما يحقق الضرر، فالمصالح الكمالية لا تجب على المسلمين، لأنه لا يصيب الأمة ضرر من عدم القيام به، أما بيت المال فيجب عليه القيام بكل ما ينفع المسلمين، وبكل ما يوجد من عدم القيام به ضرر على المسلمين..
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق