قصص وعبر- عام الرمادة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين
وبعد ..
نرحّبُّ بكم من استوديو البث المباشر ونلتقي وإياكم والحلقة الأخيرة من قصصِ الصحابةِ والتابعين، لنأخذَ مواقفَ ونعتبرَ منها.
ولقاؤُنا لهذا اليوم هو كيف كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام الرمادة
إن الفاروق رضي الله عنه فرق الله به بين الحق و الباطل ، كان إسلامه فتحاً وهجرته جهراً وخلافته عدلاً، جمع الفاروق بين الشدة و الرحمة وبين العدل و التسامح ، فتح الفتوح ونشر الإسلام وسيرته خالدة في ذاكرة كل مسلم.
لقد ابتلي عمر رضي الله عنه بابتلاءات كثيرة، وامتحن بامتحانات عسيرة، نجح فيها كلها، توجت باستشهاده رضي الله عنه، تصديقاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، ويُبتلى الرجل على قدر دينه”.
في عام الرمادة ( العام الذي أصيب فيه المسلمون بالقحط و الجوع ) بدأت هذه المجاعة من أواخر عام 17هـ إلى أول سنة 18هـ، واستمرت لمدة تسعة أشهر.
وقال الحافظ ابن كثير: “وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة، فلم يجد أحداً يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلاً يسأل، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون”… ولقوله صلى الله عليه وسلم كذلك: “إن الله إذا حب عبداً ابتلاه”.
كان رضي الله عنه لا يأكل إلا الخبز والزيت حتى اسود جلده ويقول: بئسَ الوالي إن شبعتُ والناسُ جياع.
وفي عام الرمادة كان يدعو الله ويقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين وارفع عنا البلاء… وقد طلب الغوث من عمرو بن العاص ومن والي الشام معاوية بن أبي سفيان ووالي العراق سعد بن أبي وقاص فجاءه المدد حتى ارتاح الناس وذهب عنهم الخطر.
كان عمر رضي الله عنه لا يكتفي أن عماله يوزعون الطعام على الناس، بل كان يحمل بنفسه الأطعمة ويوزعها على ذوي الحاجة، بل رفض عمر أن يأكل اللحم في عام الرمادة حتى إن بطنه كان يقرقر من تناول الزيت.
مستمعينا الكرام هكذا كان حال عمر في عام الرمادة، لا يأكل اللحم، واقتصر على أكل الخبز والزيت حتى اسود جسمه.
دين الإسلام يهتم بالإنسان ورعاية شؤونه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} فهذا واجب الرعوية الذي يميز الأمة الإسلامية بعظمة القيم التي تؤمن بها وتعمل بها، فكان منه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (… وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)،
وقد أوجب الإسلام علينا حفظ هذه الأحكام وقيمها، وجعل وجود السلطان واجباً لرعاية شؤون الأمة ليحفظ لها حقوقها الشرعية، ويسد حاجاتها الأساسية كلها، عَن سَلَمَة ابْن عُبَيْد الله بْن محصن عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه ، مُعَافى فِي بَدَنِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا)،
ومن أهم أسس الإسلام توفير الحاجات الأساسية من المأكل والملبس والمسكن لكل فرد من أفراد الرعية مسلمين وغير مسلمين مع توفيرالأمن والتطبيب والتعليم مجانا للجميع .
أما لو نظرنا إلى دول الضرار وحكامها التي ابتلي بها المسلمون اليوم، فإنها لا تعطي مسألة توفير الحاجات الأساسية قيمة، لأنها أصلاً لا تعطي الإنسان قيمة، فالسودان يجوع سكانه، والصومال يشهدون القحط والجوع، وآخرون يعيشون على المعونات الأجنبية التي أصبحوا لا يستغنون عنها معتبرين الأجنبي هو مطعمهم ومسقيهم… فلا حول ولا قوة إلا بالله…هذا الضياع والجوع كله و بلاد المسلمين كلها أرض خصبة واسعة، ومياه وفيرة، وعقول كبيرة، وسواعد عاملة، ولكنها تعجز عن توفير الغذاء في أوقات السلم فكيف توفرها في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية؟
إن الحل يكمن في تطبيق الإسلام، وإعادته إلى معترك الحياة، وتنصيب خليفة يسوسنا بشرع الله، يطبق حكم الأراضي، ويوظف الإنتاج الوفير خير توظيف لمصلحة الأمة، ويزيد من إنتاج الأمة زراعياً وحيوانياً وصناعياً، لتستغني عن غيرها، ويصيح غيرها محتاجاً لها.. اللهم آمين
ولعل في قصتنا هذه عبرة وهي التي جسدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال : واللـــه لو ان شاة عثرت بارض العراق لكنت مسؤولا عنها ولخشيت ان يحاسبني الله عليها يوم القيامة.
واللهَ أسألُ أن يحفظ علينا ديننا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، والكوارث، والزلازل، والمحن، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على إمام الهدى، وخاتم الأنبياء، وعلى آله وأصحابه الأوفياء .