إضاءات على تاريخ الدولة الإسلامية- الدولة الأموية ج1
إن من يتصدى لكتابة إضاءة، أو إضاءات على الخلافة الأموية لن يغيب عن باله أن يبين كيف تأسست هذه الدولة.
لقد تأسست هذه الخلافة، بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان عام الجماعة عام 41هـ الموافق 663م بعد صراع دامٍ ومؤسف بين المسلمين، ليس هنا مجال تفصيله.
لقد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية، استجابة لمساعي أهل الخير، ورغبة منه في جمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، وحقن الدماء، ولقد ضرب رضي الله عنه بعمله هذا مثالاً رائعا على الإيثار ونكران الذات.
إذن لقد أصبح معاوية خليفة، فأخذ يضمد الجراح، ويسترضي معارضيه من أعيان الأمة، فقد دان له الجميع بالطاعة، هذا وقد حصرت الخلافة بعد معاوية في بني أمية، في سابقة لم يعهدها المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين، وقد تعاقب على حكم هذه الدولة ثلاثة عشر خليفة، مدة تزيد عن تسعين عاماً ولقد أظهر الأمويون مقدرة كبيرة على حسن إدارة الدولة وتسيير الجيوش لفتح بلاد جديدة ومن بين الثلاثة عشر خليفة كان ثمانية خلفاء رجال دولة من الطراز الأول وقد عرف هؤلاء الخلفاء من يولون من الرجال الذين كانوا يعتبرون بحق أيضا رجال دولة من الطراز الأول فخليفة كمعاوية ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز وهشام ومروان بن محمد لم يعجزهم أن يختاروا رجال دولة عظاما، كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد والحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وموسى بن نصير وعقبة بن نافع وطارق بن زياد ورجاء بن حيوة، ومسلمة بن عبد الملك، ونصر بن سيار والمهلب بن أبي صفرة وغيرهم وغيرهم، ولقد قام جميع من ذكرت بما يمليه عليه عمله سواء أكان خليفة، أم والياً أم أميرا للجند، أم قاضياً، ولقد ترك كل منهم بصمات وبصمات على تاريخ الدولة الأموية والمسلمين جميعاً، بل والعالم كله ولن أستطيع في هذه الإضاءة إيفاء بني أمية حقهم في كل شيء ولهذا فإنني سأبين كم كان دورهم عظيماً في استقرار الدولة، وعلو شأنها، وفي تحقيق فرض الجهاد، وغير ذلك من الأعمال التي تحققت على أكتاف رجالاتهم العظام، وبخاصة أن الفترة التي حكمتها الدولة الأموية تعتبر فترة قصيرة نسبياً بالمقارنة مع انجازاتها العظيمة في ميداني الفتح وصهر الشعوب التي حكمتها في بوتقة الإسلام.
لقد أمضى خلفاؤها العظام الذين اشتهروا بعلو الهمة، والدأب العظيم بعزيمة لا تعرف الكلل، أمضوا عهودهم في الفتح، والقضاء على الثورات الداخلية، فهذا معاوية مثلاً والذي أمضى قبل توليه الخلافة عشرين عاماً والياً على الشام، عرف كيف يوجه الجيوش لفتح بعض مناطق الشرق، وفي تسيير الجيوش صيفاً وشتاءً، لحرب الروم الذين سولت لهم أنفسهم خلال انشغال المسلمين عنهم بالصراع الداخلي، بالاعتداء على الثغور وبمهاجمة بعض سواحل الشام فينهض معاوية بكل همة ونشاط يتصدى للأعداء، فيرسل الجيوش ويرسل الأسطول للسيطرة على بعض الجزر وليجعل الأسطول الإسلامي مهيمناً على مياه وسواحل البحر المتوسط بل ويرسل الجيوش لفتح القسطنطينية وبها عدد لا بأس به من الصحابة وعلى رأسهم أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الزبير وغيرهما، ولكن الله لم يشأ أن تفتح القسطنطينية في ذلك العهد وقد ادخر هذا الفضل وهذا المجد للسلطان محمد الفاتح وللجيش العثماني سنة 857هـ الموافق 1453م.
وخليفة كمروان بن الحكم، يتولى الخلافة وقد هاجت الفتن وماجت، ولم يتبق لدى الأمويين إلا الأجزاء الجنوبية من الشام فينهض مروان ويوحد بهذه القوة الصغيرة أجزاء واسعة من الدولة إذ ضم سائر الشام ثم مصر ثم يترك المهمة لولده عبد الملك الذي وحد العراق وبلاد فارس وخراسان ثم الجزيرة العربية وتصبح الدولة موحدة هادئة ويترك الأمر لولده الوليد بن عبد الملك وقد تولى دولة آمنة بيت مالها يفيض بالمال والخير وقد عرف الوليد كيف يستغل كل ما كان لديه لتحقيق فتح بلاد شاسعة شرقاً وغرباً فقد تحقق في عهده فتح مناطق شاسعة في خراسان وبلاد ما وراء النهر كالتركستان وبلاد السند كما وصل الجيش الإسلامي لحدود الصين ولم يعد الجيش الإسلامي إلى قواعده إلا بعد أن فرض الجزية والخضوع على الصين كما تم إكمال فتح بلاد المغرب الأقصى والأندلس. وخليفة كسليمان عرف كيف يختار خليفة بعده ألا وهو عمر بن عبد العزيز في وقت كانت تحتاج فيه الدولة إلى فترة من الهدوء والأمن لاستيعاب البلاد المفتوحة وتسكن خواطر أهلها ويحكم هذا الخليفة سنتين وبضعة أشهر حكماًً أعتبر ولا يزال مثالاً وقدوة في العدل إذ لم يترك فرصة لثائر أو ناقم أو مهزوم للتمرد أو للعبث أو للثأر من الهزيمة فسكنت الشيعة والخوارج حتى إن ملوك الكفر أعجبوا بعدله فاعتنق بعضهم الإسلام ودخلت رعاياهم في الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة.
أيها السادة: لم يكن إصرار عدد من الخلفاء على الفتح ورفعة شأن هذا الدين بأقل من إصرار عدد من الولاة والقادة فهذا الحجاج بن يوسف بعد أن خيم الأمن على الدولة وقد كان والياً على العراق يرسل الجيش تلو الجيش لفتح بلاد الأفغان والترك والسند وهذا محمد بن القاسم الذي لم يتجاوز السبعة عشر ربيعاً يحقق رغبة الحجاج بفتح بلاد السند وما فعله قتيبة بن مسلم الباهلي في جهاده في بلاد التركستان الغربية والشرقية وفرض الخضوع والجزية على ملوك الصين لم يكن بأقل مما فعله ابن القاسم وهذا عمرو بن العاص وموسى بن نصير وغيرهما ممن تولوا ولاية مصر ثم المغرب لم يقصروا في توجيه الجيوش لفتح بقية بلاد المغرب ثم الأندلس.
أيها السادة: إن تاريخكم عظيم وإن الأعمال العظام التي تحققت لم تتحقق بمحض الصدفة ولا بضربة حظ وإنما بتخطيط عظيم وإقدام منقطع النظير فهذا عقبة بن نافع فقد جاهد وجاهد في بلاد المغرب يصل المحيط الأطلسي ثم يدخله بجواده قاطعاً بضعة أمتار قائلاً: والله يا رب لو أعلم أن بلاداً خلف هذا البحر لخضته جهاداًَ في سبيلك وهذا شيخ المجاهدين موسى بن نصير يرسم خطة لفتح أوروبا كلها بادئاً بها من جهة المغرب ليتمكن بعد ذلك للوصول للقسطنطينية لفتحها بعد أن امتنعت هذه المدينة عن الفتح مرات ومرات وهذا طارق بن زياد ذلك الفتى البربري يوجهه موسى لفتح الأندلس فيعبر المضيق بكل همة ونشاط ويصمم هو وجنوده على الاستشهاد أو النصر فيحرق السفن لقطع تفكيره وتفكير جنده عن العودة للبر المغربي ويخطب خطبة لا تزال تتردد في أفواه من خلفه: (أيها المسلمون البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس أمامكم والله إلا الجد والصبر واعلموا أنكم في هذه الجزيرة (يعني جزيرة الأندلس) أضيع من الأيتام على مآدب اللئام وليس لكم إلا ما تستخلصونه سواعدكم وسيوفكم) يرقبه جنوده الذين لم يكونوا أقل منه صبراً أو جلداً ويمضي بهم لفتح غرب الأندلس بعد موقعة وادي لكة ثم يعبر شيخ المجاهدين المضيق ويفتح الأندلس من الشرق والوسط ليلتقي القائدان في طليطلة ليكتمل فتح أغلب الأندلس في زمن قياسي لقد فعلها طارق وجنوده فكأنه بايعوا أنفسهم على الموت ففازوا بفتح الأندلس وقد فعلها قبلهم عقبة بن نافع عندما قطع البربر عليه خط الرجعة إلى القيروان فخطب في جنوده قائلا: من يبايعني على الموت فبايعه سبعمائة على الموت ليتولوا مجابهة جيش البربر وليمكنوا سائر الجيش الإسلامي من النجاة بسلوكه طريق آخر إلى القيروان فيحقق الله غرض عقبة وأصحابه فيستشهدون عن آخرهم ويسلم سائر الجيش الإسلامي من الفناء بوصوله سالماً إلى القيروان هذه فعال أجدادكم جهاد وتضحية، صبر ومصابرة، حزم وعزم فيحققون أعمالاً هائلة في زمن قياسي.
أيها السادة: لقد تركت الدولة الأموية كما قلنا بصمات وبصمات على التاريخ البشري فلقد أنقدت شعوبا بأكملها من عبادة العباد إلى عباد رب العباد فالشعب الهندي والشعب التركي والشعب البربري والشعب الأفغاني وغيرهم والذين أصبحوا فيما بعد جنوداً أوفياء من جنود الإسلام وفي سابقة لم تتكرر في التاريخ البشري أصبحت هذه الشعوب الأعجمية حاملة رايات الإسلام فالسلاجقة الأتراك، والأتراك العثمانيون، والشعب الكردي كل هؤلاء حملوا راية الإسلام وبقوا ينافحون عن أرض الإسلام بل وتمت على أيديهم أعمال جليلة لا يزال بكتب عنها بكل فخر واعتزاز ولا ننسى الشعب البربري على رغم حداثة اعتناقه الإسلام يحمل راية الإسلام بقيادة طارق بن زياد لفتح الأندلس.
إن هذا كله لم يتحقق إلا عند المسلمين ولهذا فمهمتنا أيها السادة مهمة جليلة وشريفة، وهل من عمل أشرف من إنقاذ الناس من الظلمات إلى النور؟ فيا شباب الإسلام لقد ظهر في هذا العصر الفساد في البحر والبر وعلا الباطل وانتفش فمن يذل الباطل إلا أنتم؟ ومن يستأصل الشر من الأرض إلا أنتم؟ ومن ينقذ البشرية إلا أنتم؟ هذا قدركم والله إن هذا لشرف عظيم فأعيدوا أيها الشباب للإسلام عزه وأعيدوا للبشرية بسمتها إنها تناديكم أن يا شباب الإسلام نحن نعول على الله ثم عليكم أن تعلوا راية الحق وتنقذونا من الظلمات إلى النور، ألستم أحفاد الصحابة والتابعين، ألستم أحفاد موسى بن نصير وعقبة وطارق وقتيبة وصلاح الدين ومحمد الفاتح من أولى بكم لنشر الخير؟ من يتصدى لهذه الصعاب إلا أنتم فكونوا عند حسن ظن البشرية بكم.
فاللهم أمددنا بمدد من عندك واجمع شملنا في دولة الخلافة الراشدة لننقذ بها البلاد والعباد من الظلمات إلى النور وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.