شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام- شرح المادة (156) ح32
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نص المادة 156:
(تضمن الدولة نفقة من لا مال عنده، ولا عمل له، ولا يوجد من تجب عليه نفقته وتتولى إيواء العجزة وذوي العاهات.)
تبين هذه المادة أيها الإخوة أن الدولة هي الخليفة، والخليفة هو الدولة، فهو راع ومسؤول عن الرعية، قال صلى الله عليه وسلم: ((الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته))، فإذا قصر الخليفة في شأن من شؤون الرعية فعليها أن تحاسبه، يقول تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، فالرعية لابد أن يكون فيهم الفقير والمسكين وابن السبيل، أي من لا مال عنده، فالضامن لكل هؤلاء وغيرهم هو خليفة المسلمين، فضمانته لهم بأن يتقصى أحوالهم، ويعرف أخبارهم، ويعطيهم من بيت المال ما يستحقون، وعلى المسلمين من أفراد الرعية أن يحاسبوا الحاكم للتغيير عليه إن قصر في ذلك، ويكونون آثمين إذا رضوا بأعمال الحاكم التي تنكر عليه وتابعوه عليها، هذا بالنسبة لمن لا مال عنده.
أما بالنسبة لمن لا عمل له فعلى الدولة أن توجد له عمل، ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلا من الأنصار جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: (لك في بيتك شيء) قال بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء، قال: (ائتني بهما)، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال: (من يشتري هذين؟)، فقال: رجل أنا آخذهما بدرهم، (قال من يزيد على درهم)، مرتين أو ثلاثا، قال رجل آخذهما بدرهمين: فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: (اشتر بأحدهما طعاما فانبذه الى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به)، ففعل، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشد فيه عودا بيده وقال: (اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما)، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد اصاب عشرة دراهم، فقال اشتر ببعضها طعاما وببعضها ثوبا) ثم قال: (هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع أو دم موجع).
إن مباشرة الرسول صلى الله عليه وسلم كرئيس للدولة لهذه العملية، يعني أن إيجاد عمل للعاطل عن العمل واجب على الخليفة، فهذا العاجز حكما عن كسب عيشه بيده لعدم توفر العمل له، أو لعدم توفر المال الذي به يتمكن من ايجاد عمل له، فعلى الخليفة أن يوفر له المال الكافي الذي يمكنه من العمل.
أما العجزة فعلاً، أي الذين لا يقدرون على العمل، فعلى الدولة أن تتولى شؤونهم، وتوفر لهم المسكن والملبس والمطعم، وتوفر لهم بعض الحاجات الكمالية، وتوفر لهم من يرعى شؤونهم من موظفين مختصين بأصحاب العاهات والمرضى، وتوفر لهم ما يساعدهم على قضاء حوائجهم، مثل المستشفيات المتخصصة والأجهزة الطبية، ومن يتولى الرعاية الصحية لهم، مثل الأطباء المتخصصين والممرضين، وأن تعمل على تعليمهم بعض الحرف التي تناسبهم، فقد ثبت أن كثيرا ممن عندهم العاهات، أبدعوا في مجالات كثيرة، فالدولة هي المسؤولة عن هؤلاء لأنهم من الضياع الذين ذكروا في الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه .
والضياع هم الفقراء وكل عاجز وكل ذي عاهة.
وكذلك ما جاء في الحديث الشريف((من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلاً فإلينا)) والكل هو الضعيف، وهو يشمل الفقير، ويشمل العاجز، ويشمل ذوي العاهات. فقوله((ومن ترك كلا فإلينا)) أي على الدولة واجب رعايتهم.
والى حلقه قادمة ومادة اخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام، نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق