برنامج وقفات مع النفس- هل تحمل الدعوة أم تحملك الدعوة ح1
حياكم الله في إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير ونلتقي بكم في سلسلة جديدة بعنوان ” وقفات مع النفس ” وهي سلسلة حلقات نقف فيها مع أنفسنا كل في مجال عملِه ودورِه وحدودِ مسئولياته. نعلم منها أي طريق نختار حتى نعدل به المسار قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه التعديل أبدً،، حلقات نعملُ فيها كشفَ حسابٍ لنرى ما لنا وما علينا ،، ماذا فعلنا ووجب الامتناع عنه وماذا لم نفعل ووجب القيام به ،، وهل نقوم بالمطلوب منا كما يجب وكما أمر الله تعالى أم لا نراعي الله في ذلك ؟؟
كشف حساب ننظر إليه بتأمل وحزن وفرح .. حزن بما صرف من أوقات في غير طاعات ، وفرح بما أودع من حسنات لتبقى هي الباقيات الصالحات ، وصدق الله إذ يقول : { ِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى }} الليل:4} وكشف الحساب هذا يختلف بين شخص وآخر ..
خلقنا الله سبحانه وتعالى وجعلنا خلفاءه على الأرض وحَمَّلنا أمانة عجزت عن حملها الجبال ،،وجعل أمتنا حاملةَ رسالةٍ للعالمين وخيرَ أمة بين الأمم { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}. وأعطى لكل واحد منا حرية الاختيار أي طريق يسلك ،، طريقَ الخير والفلاح أم طريقَ الشر والضياع ،، ونمضي في تلك الحياة سائرين فيها،، منَّا العابدُ المُتَّبِعُ لأوامر الله ونواهيه ، ومنا الغافلُ السَّادرُ في غِيِّه وضلاله والعياذ بالله .
أخواتي وإخوتي الأفاضل :
سأبدأ هذه السلسلة اليوم بحامل الدعوة ،، لما لهذا الفرض من أهمية وضرورة ،،خاصة هذه الأيام والتي نعيش فيه جور الظلم والاستبداد والبعد عن شرع الله تعالى وتحكيمه بين الناس .
فحمل الدعوة أمانة وجب على المسلمين القيامُ بها حتى يعود الإسلام إلى سابق عزه وقوة وجوده،، وما أحوجنا اليوم إلى ذلك ،، يقول الله في كتابه العزيز :{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}.
ولكي نحملَ الدعوة، ونعرضَها على الناس وجب أن نكون أهلا لحملها ، ومن أراد أن يحمل دعوة الرسل والأنبياء وجب عليه أن يتصف بصفاتهم، ويتحلى بأخلاقهم، ويتأسى بسنَّتهم في ذلك .
والآن لنأتي إلى وقفتنا مع أنفسنا كحاملي دعوة ،، وليكشف كلُّ واحد منا حسابه مع نفسه ،وسيكون هذا الكشف على طريق تساؤلات تحتاج من كل واحد منا إجابات صادقة صريحة ليرى هل هو حامل دعوة ،، أم أن الدعوة هي التي تحمله !!
هل حمل الدعوة هي من أولى أولوياتنا ؟!! أو بمعنى آخر أين حمل الدعوة في سلم أولوياتنا وأعمالنا في هذه الحياة الدنيا الفانية ؟! هل جَعَلْنَا حبَّ الله ورسولِه وما يقتضيه هذا الحب من طاعة والتزام بدينه وإيثار للآخرة على الدنيا فوقَ كل شيء أم كنا ممن تنطبق عليهم الآية الكريمة : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }.
ماذا نقدم على الآخر ؟ أمورَ الدنيا والتزاماتِ العمل والأهل والأبناء والتي ابتدعناها أكثرها أم القيامَ بما يرفع درجاتِنا عند الله سبحانه !! ولنرى ..إذا تعارض وقت التزاماتنا مع وقت أمورنا الدنيوية ماذا نفضل أكثر القيام بالأمور الدنيوية الزائلة ،، أم تكون الدعوة هي الأساس والمحور الذي تدور حياتنا حوله !!
إن النفس قبل حملها للدعوة لن تكون كحالها بعدها،، بل سيطرأ انقلاب عليها، فإن لم يحصل ذلك فهناك خلل لا بدّ من البحث عنه وعن أسبابه ،، فانظري أختي وانظر أخي إلى نفسك ،،هل طرأ تغير في سلوكك إلى الأفضل نتيجة تغير مفاهيمك أم لا ؟ هل أصبحت شخصية مؤثرة في غيرك بمفاهيمك وسلوكك وأعمالك بحيث تقول هذه التصرفات أنك حامل دعوة دون أن تنطق بها !!أم أصبحت عبئاً على الدعوة بما تعكسه بأفعالك المناقضة لفكرك من صورة سلبية عن التكتل الذي أنت جزء منه !!هل تعكس صورة مشرقة لحامل الدعوة أو منفراً منها بأسلوبك القاسي وحِدَّتك في حمل هذه الدعوة !!
ولا تنسَ أن حامل الدعوة لا يماري في حمل دعوته ولا يداهن ولا ينافق ،، ولا يخاف في الله لومة لائم ويصدع بالحق دائماً وأينما كان، فهل أنت هكذا أم تكتفي بإنكار المنكر في قلبك ولا يخرج إلى لسانك أو يدك إن كان بالإمكان ذلك !!
هل تكتفي بأقل القليل من التكاليف والالتزامات وتقول لنفسك ها أنا قد عملت المطلوب مني وأسقطت الفرض عن كاهلي فعندي أعباءٌ وهموم وأشغالٌ أخرى كثيرة ،، أم تجتهدُ في العمل والتكاليف ولسان حالك يقول سأعمل فوق المطلوب مني وزيادة فمصلحة التكتل هي مصلحتي والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية هو في أعلى سلم أولوياتي واهتماماتي .
وهل تنتظر من يراقبك ويحاسبك فَتَجِدَّ أمامه وتجتهد ،، وإن غفل عنك او ابتعد نِمْتَ وراءه وتكاسلت ، وتحتاج إلى من يدفعك دفعاً لعمل ما عليك، أم تكون مراقباً لنفسك ، محاسباً لها عند أي تقصير أو تهاون واضعاً أمامك رقابة الله وسؤاله لك عن عملك وحملك لدعوته كما يجب بحيث تبادر إلى العمل والتسابق لنيل الأجر والثواب !!
وهمسة خاصة لأختي حاملة الدعوة ،،هل توفِّقين بين حمل الدعوة وبين كونك أماً وربةَ بيت وهذا أمر ميسور ولا يحتاج إلاَّ إلى التنظيم وترتيب الأولويات والمسؤوليات ، أم تتضارب عندك الأمور وتتداخل بحيث تنتشر الفوضى في حياتك !! هل تقومين بواجبك نحو بيتك وزوجك وأولادك وأهلك كما يجب ، أم تقصِّرين في تلك الواجبات بحجة أنك تحملين الدعوة وتجعلين غيرك يتهم الدعوة بأنها سبب ذلك التقصير!
أما أنت أخي حامل الدعوة فأسألك : هل أنت داعم ومساند ومتعاون مع زوجتك أو اختك او ابنتك حاملة الدعوة والذي هو فرض عليها كما هو فرض عليك أم أنك عائق أمامها ؟!! هل تُسهِّلُ لها الأمور أم تضعُ لها العراقيل وتمنعُها من الخروج لحمل الدعوة بحُجَّة أن بيتها وعائلتها أولى بوقتها وجهدها !!
مع أنه لو تفكرت قليلاً – أخي- لحمدت الله تعالى أن جعل في بيتك مثل تلك الأخوات المضيئات بالخير في جنبات البيت والمجتمع .
كشف الحساب هذا – إخوتي وأخواتي- وهذه التساؤلات أتركها بين أيديكم لتتمعنوا بها وتجيبوا عليها بصدق كما يتطلب من حملة الدعوة الحقيقيين والذين أنتم وبإذن الله منهم . حتى نكون فعلاً من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفعائه وممن يشربون من يده الكريمة على الحوض العظيم .
وإلى أن نلقاكم إن شاء الله تعالى في وقفة أخرى مع النفس وكشف حساب آخر أترككم في رعاية الله وحفظه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مسلمة