كلمة- كيف نبني وكيف نهدم
مستمعِي إذاعةِ المكتبِ الإعلاميِّ لحزبِ التَّحريرِ – نحيِّيكُم بتحيَّةِ الإسلامِ ، فالسَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله تعَالَى وبركاتهُ ، موضوعُنا اليوم – يا كرام ، بعنوان ” كيفَ نبني وكيفَ نهدمُ ” حيث يركِّزُ عَلى أهمِّيةِ بناءِ الشَّخصيَّةِ الإسلاميَّةِ بناءً قوياً منْ ناحيةٍ نفسيَّةٍ وعقليَّةٍ ، بناءً لا يُهدَمُ ولا يهتزُّ منْ أقلِّ إغراءٍ فتكون الشَّخصيَّةُ شخصيَّةً مبدئيَّةً لا تتنازلُ ولا تتهاونُ ولا يغيِّرُها ظرفٌ ولا مكانٌ . فاهلا وسهلا بكم .
يتوقَّفُ سلوك الإنسان عَلى نَوعيَّةِ الأفكارِ التي يحملُهَا ، فالأفكارُ هيَ التي تتحكَّمُ في سلوكِ هذَا الفردِ . وتصرُّفاتهِ لا تكونُ إلا عَلى أساسِ فكرةٍ معيَّنةٍ ومفاهيمَ يحملُها ويكون مقتنعاً بها ، فتَّغييرُ سلوكهِ يعتمِدُ على تَغييرِ افكاره. لذلك يكون على الفرد تنقية أفكاره والإرتقاء بها حتى يبتعِد سلوكه عن الهَمَجِيةِ ، و أوَّلاً عَلينَا تحديدُ ما يستحقُّ أنْ نبنِيَهُ فهلْ لنبنِيَ شخصيَّةً إسلاميَّةً مميَّزةً نحتاجُ إلى أخلاقٍ حميدةٍ أو لقلبٍ رحيمٍ ، أم نحتاجُ لقيادةٍ حازمةٍ وانضباطٍ ووجهٍ قاسٍ ، لا يهمُّهُ أحدٌ منْ حولهِ ؟ أم نترك هذهِ الشَّخصيَّةَ كالرِّيشةِ يتقاذفُها الهواءُ ، لا نضع لها حدوحا فتصبح محتارةً متردِّدةً مقلِّدةً للآخرينَ ؟ فما هيَ معالِمُ الشَّخصيَّةِ الإسلاميَّةِ القويمةِ وأيُّ الأفكارِ نشجِّعُ ونبنِي لنقوِّيَها وأيُّ أفكارٍ نهدمُ فيها حتَّى لا تُوهنَها . فلا بدً مِنْ أساسٍ نبني عليهِ ونماذجٍ نأخذُ منْها العبر. وكلمةُ بناءٍ تعنِي التَّقدُّمَ والزِّيادةَ والتَّطوُّر ، فالتَّغييرُ إلى الأحسنِ يلازمُ معناهَا ، وفِي كِلتَا الحالتينِ نحتاجُ لبذلِ مجهودٍ أصعبُه عندَ البناءِ وأسهلُه عندَ الهدمِ . فلا بدَّ لنَا إذاً مِنْ مقياسٍ لنقيسَ عليهِ هذَا التَّغييرَ ولا بدَّ لنَا منْ موجه لنعلمَ كيفَ نبني وكيفَ نهدمُ وأنْ يكونَ عندَنا مادَّةٌ ومعلوماتٌ لعملية البناء والهدمِ . فللشَّخصيَّةِ الإسلاميَّةِ مقياسٌ مميَّزٌ تستندُ إليهِ ألا وهوَ العقيدةُ الإسلاميَّةُ العقليَّةُ ، اساسها إستخدام العقل والتفكير والتدبر في واقع هذهِ الحياةِ ، فيجبُ علينَا الاطِّلاعُ عَلى واقعِ هذَا الإنسانِ الذِي نريدُ بناءَ شخصيَّتِه الإسلاميَّةِ ، لذلكَ يجبُ الوقوفُ عَلى طبيعةِ هَذا الإنسانِ منْ ناحيةِ أنَّه إنسانٌ ، مخلوقٌ لخالقٍ عظِيم ، له أفكارٌ ومشاعرٌ ، ويعيشُ في مجتمعٍ وله علاقاتٌ كثيرةٌ معَ مَنْ حولَهُ بالإضافةِ إلى خضوعِ هذَا الفردِ وهذَا المجتمعِ لأفكارِ ومشاعرِكلِّ مَنْ يعيشُونَ فيهِ ، وهم أيضا يخضعُونَ إلى قوانينَ تُفرَضُ عليهِم مِنْ قِبَلِ النِّظامِ الحاكمِ .
نظرة على واقعِ الإنسانِ وطبيعتِه :
للإنسانِ ثلاثُ غرائزَ وضعَها الله تعالَى فيهِ ، غريزة التَّديُّنِ وغريزةُ البقاءِ وغريزةُ النَّوعِ ، هذهِ الغرائزُ ينتجُ عنهَا مظاهرُ مختلفةً تكوِّنُ مشاعراً يشعرُ بها هذَا الإنسانُ ، مثلاً مشاعرُ الخوفِ والغيرةُ والتَّنافسُ منْ مظاهرِ غريزةِ البقاءِ ، بينمَا مشاعرُ الفرحِ لولادةِ مولودٍ أو مشاعرُ الحزنِ عَلى منْ توفي ، مظهرانِ منْ مظاهرِ غريزةِ النَّوع ِ، وأخيراً مشاعرُ النَّقصِ والعجزِ والحاجةِ إلى الأمنِ والاطمئنانِ في هذهِ الحياةِ هي مظاهرُ لغريزةِ التَّديُّنِ . فالمشاعرُ الفيَّاضةُ التي تجتاحُ هذَا الإنسانَ لا شكَّ أنَّها تدفعُهُ للتَّصرُّفِ حيالَ تلكَ المشاعرِ ، في مُحاولةٍ منَ الإنسانِ لإشباعِ هذهِ الغرائزِ التِي إنْ لم تُشبَعُ الإشباعَ الصَّحيحَ ،لم يشعرِ الإنسانُ بالسعادةِ ، وإذا تركَ الإنسانُ هذهِ المشاعرَ تتحكَّمُ بهِ صارتْ أفعالهُ ردودَ أفعالٍ ، كثيراً ما تُوقعُهُ في شرِّ أعمالهِ ، وللإنسانِ عقلٌ يفكِّرُ بهِ و يوجِّههُ فِي الطَّريقِ المستقيمِ ، ولا بدَّ أنْ يكونَ هذَا العقلُ هوَ المتحكِّمُ في هذهِ المشاعرِ وذلكَ مثلُ الفارسِ الذِي يوجِّهُ حصانَهُ بواسطةِ اللِّجامِ ، فمنْ غيرِ هذا الفارسِ يركضُ الحصانُ في اتِّجاهاتٍ عدَّةٍ مِنْ غيرِ هدىً ، وعندَما يُلجمُه الفَارسُ ، يوجِّههُ في طريقٍ واحدٍ ، الطَّريقَ الصَّحيحَ . فالتفًكيرُ قبلَ الإقدامِ على أىُّ عملٍ هوَ الأساسُ عِند هذهِ الشًخصًيةِ والبحثُ عن الحكمِ الشرعي فيهِ ، فمقياسُ أعمالِنَا هوَ الشَّرعُ فقطْ ولا شيء غيرُ الشَّرعِ ، فلا بدَّ للبناءِ والهدمِ عَلى أساسِ قاعدةٍ فكريَّةٍ قويَّةٍ مبدئيَّةٍ واضحةٍ لا لبسَ فيهَا هي الأساسُ لكلِّ فكرةٍ ومفهومٍ وسلوكٍ ، تقتنعُ بهِ هذهِ الشَّخصيَّةُ الإسلاميَّةُ وتتصرَّفُ عَلى أساسِهِ وتكُونُ مصدراً كافياً ووافياً لطريقةِ البناءِ والهدمِ وتوجِّهنَا التَّوجيهَ الصَّحيحَ . فكلها أحكامً شرعيةً تنبثقُ عنْ مفاهيمٍ تقنِعُ العقلَ وتوافقُ فطرةِ الإنسانِ فالنتيجةُ شخصية متميزة منضبطة وسلوكها سوي يرضى عنه الخالق جلّ وعلا . ولا بد للبناء من هدم والعكس صحيح ويبدأ من نعومة أظفار هذا المخلوق … الإنسان .
ومثل ذلك عند قيامُ الأطفالِ بالعباداتِ والتزامُهم بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ .
نسمعُ منَ الأمَّهاتِ كثيراً أنَّ الصِّيامَ صعبٌ للطِّفلِ وأنَّ القيامَ لصلاةِ الفجرِ وترك الطِّفلِ نومَه ، فيهِ مشقَّةٌ لهُ فيحنُّ قلبُ الأمِّ لهُ ولا توقظُهُ مخافةَ إزعاجِهِ . وأخرى تمنعُ ابنَها منَ الصِّيامِ أو تمنعُ ابنتَها منَ ارتداءِ الزِّيِّ الشَّرعيِّ معَ إلحاحِ تلكَ البنت أو ذاكَ الصَّبيُّ لتأديةِ هذهِ العبادةِ ، فيقفُ الوالدانِ أو الأمُّ في أكثرِ الأحيانِ وبدُونِ سببٍ مُمانعِينَ لتأديةِ الابنِ والابنةِ هذَا الفرضِ بِحُجَّةِ أنَّه لم يُكلَّفْ بهِ بعدُ وبِحُجَّةِ أنَّ صحتَه ضعيفةٌ وبِحُجَّةِ أنَّ هذهِ البنت ستمِلُّ منْ لبسِ الحجابِ عندمَا تكبرُ فتتركُه ، والحقيقةُ إنَّ ذلكَ الوالدَ يبني فِي طفلِه التَّكاسُلَ عنْ أداءِ العباداتِ ويهدمُ فيهِ شوقَه لعبادةِ الله تعالى ويهدمُ فيهِ مظهراً طبيعياً لغريزةِ التَّديُّنِ ، فلا بدَّ منْ تشجيعِ الأبناءِ والبناتِ عَلى العباداتِ وتعليمِهم طاعةَ الله تعالى بتطبيقِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ في سنٍّ صغيرةٍ فيبتعدُ الأولادُ عن الاختلاطِ بالبناتِ مثلا فينضبطُ تفكيرُهم وسلوكُهم بالشَّرعِ ، فنبني الالتزامَ ونهدمُ التَّهاونَ فتكونُ النَّتيجةُ شخصيَّةٌ إسلاميَّةٌ متميِّزةٌ تلتصقُ بأحكامِ الله تعالى التصاقاً ، ولعلهم يكونُون منْ هؤُلاءِ السَّبعةِ في حديثِ رسولِ الله _صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ_ أو لعلهم يكونُون كلّهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “سبعة يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين ” أخرجه البخاري ومسلم
ولنا عودةٌ قريباً بإذنِ الله وأتركُكُم في رعايةِ الله وحفظِه والسَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله تعالى وبركاتُه .