شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام- شرح المادة (158) ح34
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نص المادة 158:
تيسر الدولة لأفراد الرعية إمكانية إشباع حاجاتهم الكمالية، وإيجاد التوازن في المجتمع، حسب توفر الأموال لديها على الوجه التالي:
أ- أن تعطي المال منقولا أو غير منقول من أموالها التي تملكها في بيت المال ومن الفيء وما شابه.
ب- أن تقطع من أراضيها العامرة وغير العامرة من لا يملكون أرضا كافية، أما من يملكون أرضا ولا يستغلونها فلا تعطيهم، وتعطي العاجزين عن الزراعة مالا لتوجد لديهم القدرة على الزراعة.
ج- تقوم بسداد ديون العاجزين عن السداد من مال الزكاة ومن الفيء وما شابه.
تبين هذه المادة أن للأفراد في الدولة الإسلامية حاجات أساسية، يجب عليها أن توفرها لكل فرد من أفراد الرعية، وهي المسكن، والملبس، والمأكل، وتفرض الضرائب من أجلها إن لم يكن في بيت المال مال، ولهم حاجات كمالية، على الدولة أن تعمل على تيسيرها لهم، وذلك بإيجاد الأعمال التي تمكنهم من توفير هذه الحاجات الكمالية، وعليها أيضا واجب إيجاد التوازن بين أفراد المجتمع، فتعطي من الأموال المتوفرة لديها في بيت المال، من هم في حاجة إليه من الفقراء والمساكين وابن السبيل وفي سبيل الله وغيرهم.
دليل الفقرة(أ): أن الله جعل أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم، يضعها حيث يشاء، والرسول صلى الله عليه وسلم خص بها المهاجرين دون الأنصار سوى رجلين هما: أبودجانة وسهل بن حنيف، وأموال بني النضير من الفيء، ومثل الفيء بقية الأموال التي هي من الموارد الدائمية لبيت المال كالخراج والجزية وخمس الركاز والزكاة، لأنها مما جُعل مصرفه موكولا لرأي الإمام واجتهاده، اللهم إلا ما جاء النص مبينا مصرفه كمصارف الزكاة، فلا يصح أن تصرف الا فيما ورد فيه النص، وهم الأصناف الثمانية التي ورد ذكرهم في القرآن الكريم، وهذا فقط في الموارد الثابتة.أما الأموال التي تجمع ضرائب من المسلمين، فلا يعطى منها لهم، لأن النص في الفيء، ويقاس عليه الأموال التي مثله، وهي الموارد الثابتة.
وهذا ينطبق على الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يحوزها بيت المال.
وأما الفقرة (ب): فإن دليلها فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بإقطاعه الأراضي، عن ابن عمر قال: (أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير حضر فرسه، فأجرى الفرس حتى قام، ثم رمى بسوطه فقال صلى الله عليه وسلم: أعطوه حيث بلغ السوط)، وعن عمر بن حريث قال: (إنطلق بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب فدعا لي بالبركة ومسح رأسي وخط لي دارا بالمدينة بقوس ثم قال ألا أزيدك)، وعن علقمة بن وائل بن الحضرمي يحدث عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا لا أعلمه إلا قال بحضرموت، وقد ذكر في حديث آخر، أن تميم الداري رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه، وهو مدينة الخليل، فأقطعه إياها صلى الله عليه وسلم، ودليلها أيضا ما فعله عمر بن الخطاب من إعطاء الفلاحين في العراق مالا من بيت المال لزراعة أراضيهم، وسكت عنه الصحابة فكان إجماعا.
وأما الفقرة (ج): فإن دليلها ما جعله الله في مال الزكاة بقوله: (والغارمين)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته)، وجعل الشرع مال الفيء ينفقه الإمام برأيه واجتهاده، ومنه سداد الدين.
والى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق