وقفات مع النفس-الحلقة الثانية- من أنت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
حياكم الله مستمعينا في استوديو البث المباشَر لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير ونلتقي بكم في حلقة جديدة من سلسلة حلقات ” وقفات مع النفس “، والتي بها نقدم لأنفسنا كشف حساب ومنه نرى هل نسير على الطريق الصحيح أم لا .
ووقفتنا اليوم مع أختي المسلمة وأبدأ تلك الوقفة فأقول لها : من أنتِ !!؟
لا تتسرَّعي في الإجابة فأنا لا أريد اسمك ، بل أريد نفسك،،، أنا لا أريد هويتك ، بل أريد هدايتك .
أريدك خاطبةً مقبلةً على الحسنات مفارقةً مدبرةً عن السيئات .
أخيتي ..
إن أردنا أن نعرف الإجابة على من أنت ؟ ، فثمة محطة يجب أن تقفي فيها وقفةً باختيارك وقناعتك . لنجلس بها جلسة مصارحة ،،جلسة رفيقها معك عقلك ، وقلبك، ولسانك ، وجوارحك .
فما أريده هو جلسة صادقة مع نفسك لتقدمي لها كشف الحساب الذي تريده وسأضع بين يديك صوراً مختلفة لمسلمتين لتجدي نفسك في إحداهما ،وتختاري من تكونين منهما ،،
أولها صورة فتاة قلبها يحب الله فأصبح مليئاً بالإخلاص لخالقها ومولاها ، تراقب الله في كل صغيرة وكبيرة لا يهمها إلا رضا الله ، ولا تنظر لمدح الناس وذمهم ، فما يهمها هو الله تعالى لأنها علمت أنَّ الإخلاص هو أسرع طريق الجنان، فجعلت حياتها ومماتها لله رب العالمين فصلاتها يملؤها الإيمان والخشية والخشوع وكل عباداتها وسلوكها ومفاهيمها تنبع من العقيدة السمحة .
والأخرى : على العكس من ذلك لا إخلاص ولا خشية بل رياء وتسميع ، المهم أن يرضى الناس حتى لو سخط الله. وإن صلت فيكون بتكاسل وتفريط بلا راحة ولا اطمئنان ، وقد تقطع الصلة بينها وبين خالقها فلا تقوم بالعبادات فحُرمت الراحةُ والاطمئنان ، وإن عملت فإنها لا تزن تلك الأعمال بميزان الشرع بل تزنه بميزان العادات والتقاليد والمصلحة ومدى ما تستفيده من تلك الأعمال .
وغداً توفى النفوس ما كسبت . فمن أنت فيهما أخيتي ؟
وصورة المسلمة المؤمنة النقية التي صانت بيتها ونفسها ، وإن خرجت فجوهرة مصونة مكنونة ، جلبابُها وخمارها يحوطانها ويكسبانها وقاراً واحتراماً وبهاءً وحياء ، جلبابٌ ملتزم بالمواصفات الشرعية خالٍ من التبرج والزينة الملفتة من ألوان وزركشة براقة لامعة تابع للموضة ومتطلباتها .
أما الثانية : فيا حسرة المحرومين ….قصرت في لباسها الشرعي في الحياة العامة ، فإذا خرجت فتمايل مصطنع لا تاج ولا جوهرة بل أصبحت سلعة ظاهرة وبضاعة رخيصة تعرض نفسها لمن يشتري ،،، فخسرت جمالها وحياءها وعاشت بين همز الناس وغمزهم غير الإثم في فتنة غيرها ،ونرى الآن من تخدع نفسها قبل غيرها بظنها أن عليها فقط تغطية الشعر أو ظنت أن ما تلبسه من عباءات ضيقة ملونة وملفتة وغطاء للرأس مزركش بألوان فاقعة هو لباس شرعي ،، وفيه ربما فتنة أكبر ، وصدق رب العزة حبث قال :
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ(﴾10) }[البروج. فمن أنتِ فيهما ؟
صورة أخرى للمسلمة التي تحب في الله وتبغض في الله ، صويحباتها يكنّ هن أخواتها في الله ،، مجالسهن تحفها الملائكة بذكر الله وتدارس شريعته في كل مناحي الحياة بما يقوي العلاقة بينهن وبين الله وكذلك بين الناس ،، أساس علاقتهن المحبة في الله وليست المصالح والمنافع ، يأملن أن يكنَّ ممن يظلهن الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ، تعيش في هذه الدنيا بصفاء القلب لا إثم ولا حسد ، تعيش بين الناس من أهل وصديقات وقلبها يتسع لحبهم جميعاً ، تفرح لفرحهم ، وتحزن لحزنهم ، ولا تنظر إلى ما في أيديهم ، ولا تحب أن تزول النعم عن الآخرين ، فكل خير من مال أو تقدُّمٍ وصل إليهم فكأنما وصل إليها ، وكل شئ أصابهم فكأنه أصابها ، لا يدخل قلبها حقدٌ ولا بغضاء .. صلح قلبها فصلحت جوارحها ، فلا تسمع غيبة ولا نميمة ، وليس في قلبها إلا الخير والصفاء لكل المؤمنين ،. ﴿{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾(35)}[ فصلت .ولذلك فهي ترتفع في الدنيا والآخرة, لأن كلام ربها أجمل كلام . فهي تقرأ القرآن وتطبق أحكامه, فأصبح القرآن ربيع قلبها، فانعكس ذلك على شخصيتها وتصرفاتها ومفاهيمها .
وأخرى: غير مرتفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، همها متع الدنيا فقط ،، تراها تعيش في هذه الحياة على قول يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله ـ إن فرح الناس حزنت ، وأن حزنوا فرحت .. انشغلت بما في أيدي الناس فتوقد قلبها غيظاً وحسداً … لا تتحرى اختيار رفيقات الخير فتكون مجالسها معهن مليئة بالغيبة والنميمة والغمز واللمز و الحسد حيث ما يربطهن مصالح ومنافع وأهواء ،،وسرعان ما تفرط تلك الصحبة عن أي تقاطع في تلك المصالح ، وربما صديقة الأمس تصبح عدوة اليوم .
وبدل تذاكر القرآن والدين وأمور الحياة تراها مهووسة بالموضة والتبرج والأغاتي وآخر أخبار الفنانين وبرامج التلفاز الهادمة وغرف الدردشات المدمرة فاابتعدت عن القرآن والعمل بأحكامه،، فحياتها بلا بهجة ولا سعادة بل قلق وضيق ولو ظهر عكس ذلك {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[ طـه:124] فأيهما أنت أختي !
وعند التمعن في كشوف الحساب تجد بنتين …
إحداهما : تسير في هذه الدنيا وشعارها : البر والإحسان وخاصة لوالديها فالراحة لا تكون بدونهما ، بذلٌ وتفانٍ في خدمتهما ليلَ نهار و على الوجه الذي يُرضي الرحمنَ دون كلل أو ملل . لأنها علمت أن رضا الله مقرون برضا الوالدين ،، وهي تعمل لنيل رضاه سبحانه لتنال السعادة في الدارين .
وأخرى : عقوقٌ للوالدين ونكران وضياع للحق والعرفان ، غلظة وتأفُّف ، ورفع للصوت بأكثر من أُفٍّ ، وكأنها هي المنُعمة والمتفضلة ونسيت أن العقوق أثره مفزع في الدنيا قبل الآخرة ، وأن من أكثر ما يدخل النار العقوق ،،
فأي ابنة أنت فيهما ؟!
ونرى أيضاً زوجتين ، إحداهما المطيعةُ لزوجها في غير معصية الله ، الحافظةُ له في نفسها وسره وماله وبيته ، الصابرة الداعمة لزوجها ،، الزوجة التي تحسن التبعل والتبتل والتزين لزوجها ،، والأم الرؤوم الحنون والتي تربي أبناءها التربية الإسلامية الصحيحة ،، والتي ينطبق عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة، إذا أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ” وقوله أيضاً صلى الله عليه وسلم: “خير النساء التي إذا أعطيت شكرت، وإذا حرمت صبرت، تسرك إذا نظرت، وتطيعك إذا أمرت“.
أما الصورة الأخرى فتتعامل مع زوجها بندية وعنادٍ وتحدٍّ ،، تُصَدِّعُ رأسه بمفاهيم الغرب الزائفة من حرية ومساواة وحقوق وهي التي أعطاها الإسلام كل حقوقها ، فيصبح البيت ساحة معركة بدل أن يكون سكينة وأمان ،، أو الزوجة الشاكية الباكية المتذمرة والتي لا يعجبها شيء ولا تقنع بشيء، دائمة التسخط والمقارنة بين حالها وبين حال غيرها مما يضيع عليها التلذذ بنعم الدنيا ويحرمها من النعيم في الآخرة وتكون ممن ينطبق عليهن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُريتُ النار فإذا أكثرُ أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً قالت: لم أر منك خيراً قط“.
فأي طريق تختارين ؟؟
وفي كشف الحساب هذا تجد مسلمتين ،،
إحداهما : إذا نزلت بها المصائب والأحزان علمت أنها من الله ، وتيقنت أن مقدرها هو الله ، وقالت بقلبها : ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا . فتجدها عند كل همٍّ وحزن وسقم ومرض وفقد عزيز أو حبيب صابرةً محتسبة ، لسان حالها : الحمد لله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، فكسبت حب الله وكسبت الإيمان واليقين ﴿{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [﴾ البقرة:157، وعند الابتلاء تلجأ إلى الله تعالى تطلب عونه ورحمته وفرجه .
وأخرى : إذا نزلت بها المصائب والأحزان تسخطت وشكت ، وعلى ربها اعترضت ، ولم تعلم أنها مقدرة من رب العالمين لكي ترجع إلى صراط الله المستقيم .وإن لجأت فيكون إلى الدجالين وأصحاب الخرافات والعرافين.
فأيهما أنت أخيتي ؟!
وفي آخر الكشف هنا نرى مسلمتين ،، إحداهما عرفت أن حمل الدعوة فرض وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ،، فشمرت عن ساعد الجد والعمل وبذلت كل جهد وتركت زخارف الدنيا وملهياتِها في سبيل إعادة تحكيم شرع الله على الأرض بدون أن يجور ذلك على حق بيتها وزوجها وأولادها ،، ،أولادها صورة مشرقة لما تكون عليه التربية الإسلامية الصحيحة والذين بهم يعز الإسلام وتُقام الدولة ،، وصبرت على ما تواجهه في سبيل حمل الدعوة لتنال عز الدنيا وسعادة الآخرة .
وأخرى شدتها الدنيا والتزاماتها أوظنت أن الإسلام فقط هو صلاة وصيام وزكاة وأخلاق ، وليس نظام حياة كامل، فاستكانت لذلك رغم ما تراه حولها من ذل وخوف ومهانة ،، فلم تلتزم بفرْضية حمل الدعوة فهذا ليس عملها وليس لها شأن فيه بل ما يهمها هو أن تعيش لنفسها وبيتها وعائلتها ،،
وغداً توفى النفوس ما كسبت ويحصد الزارعون ما زرعوا، فأيهما تفضلين أن تكوني؟!
أرجو أخيتي أن نكون وضعنا قدمك على طريق المحاسبة الصادقة الواعية لتنالي رضا الله تعالى وعز الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى ،،
وإلى أن نلقاكم إن شاء الله تعالى في وقفة أخرى مع النفس وكشف حساب آخر نترككم في رعاية الله وحفظه , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مسلمة