شرح مواد النظام الإقتصادي في الإسلام- شرح المادة (164) ح38
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نص المادة 164:
(توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجانا للجميع ، ولكنها لا تمنع استئجار الأطباء، ولا بيع الأدوية.)
أن الله قد فرض على الخليفة أن يقوم برعاية شؤون المسلمين، برعاية مصالحهم، والإرفاق بهم.
فالمصلحة ما تستعمله الأمة كلها، مثل التعليم وإصلاح الطرق وما شاكل ذلك.
والمرافق هي من الإرفاق، وهو ما يرتفق بها الناس لقضاء مصالحهم، مثل بناء المستشفيات والعيادات لنزول المرضى، وبناء المساجد للمصلين وغير ذلك.
والطب هو من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس، وهو من ضرورياتهم.
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتداوي، عن أسامة بن شريك قال: ((جاء أعرابي فقال: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله))، وفي لفظ)): قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، وأعطى الحجام أجره واستعط) يعني استعمل السعوط وهو دواء يوضع في الأنف.
وهذا يدل على إباحة التداوي، وبالتداوي جلب منفعة ودرء مضرة، فهو مصلحة، علاوة على أن العيادات والمستشفيات مرافق يرتفق بها المسلمون، في الاستشفاء والتداوي.
فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق، وواجب على الدولة أن تقوم بها، لأنها مما يجب عليها رعايته، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته)، وهذا من مسؤولية الرعاية، ولذلك وجب على الدولة توفيره للناس، ووجب عليها أن توفره مجانا، لأنه من النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والأرفاق دون بدل، ولذلك كان عليها أن توفر جميع الخدمات الصحية دون بدل، وهذا هو الدليل على أن الطب مما يجب أن توفره الدولة للناس بالمجان.
وأما جواز أن يستأجر الطبيب، وتدفع له أجرة، فلأن المداواة مباحة، قال عليه الصلاة والسلام: ( عباد الله تداوو).
ولأنها أي المداواة منفعة يمكن للمستأجر استيفاؤها، فينطبق عليها تعريف الإجارة ولم يرد نهي عنها، وفوق ذلك فقد روى أنس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم إحتجم، حجمه أبو طبية وأعطاه صاعين وكلم مواليه فخففوا عنه ) والمراد بمواليه سادته، لأنه كان مملوكا لجماعة، كما يدل على ذلك رواية مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (إحتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو كان سحتا لم يعطه )، وقد كانت الحجامة من الأدوية التي يتداوى بها في ذلك الوقت.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، (أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب، فلم يقروهم، فبينما هم كذلك، إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا إنكم لم تقرونا ، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا، فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوهم بالشاء، فقالوا لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال: ( وما أدراك أنها رقية، خذوها وأضربوا لي بسهم).
وقد كانت الرقية في ذلك الوقت، وهي- قراءة بعضا من القرآن وبعضا من الأدعية، كانت من الأدوية التي يتطبب بها، فدل أخذ الأجرة عليها، وعلى أخذ الأجرة على الحجامة، على جواز تأجير الطبيب، ومثل أجرة الطبيب بيع الأدوية، لأنها شيء مباح، يشمل عموم قوله تعالى: ( وأحل الله البيع)، ولم يرد نص بتحريمه.
أما الأدوية التي يدخل في صناعتها ما يضر الإنسان، فيحرم بيعها ويحرم استعمالها.
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الإقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق