نصائح للآباء
سنسلط الضوء اليوم على ركن هام في قلعة الأسرة المسلمة ذلك الحصن الذي تم بميثاق غليظ جعله الله بين الزوجين ، وهذا الركن هو الخوف ذاك الشعور الذي تضطرب له النفس وتحزن فأحيانا ينجح بشل حركتها وأحيانا ينجيها وأحيانا يهلكها وتتفاوت ردات فعلنا بين حرص أو جبن أو فزع . فأنى لنا التعامل مع هذا الركن ؟وهل هو عامل بناء ام عامل هدم.
وبالرغم من اننا تناولنا موضوع الخوف المرة السابقة إلا اننا ارتأينا تناوله مرة ثانية لما له من أثر عميق وأهمية بالغة في بناء النفس القوية . فان نجحنا كآباء في التعامل معه والسيطرة عليه كنا أقرب لبناء شخصيات ذات نفسية أقوى ايمانا بل ونجحنا بترك اثر اكبر وقعا في نفوس أبنائنا.
فأولى لمسات هذا الطرح تقتضي منا لزوم الاعتراف بهذا الشعور والتصميم على تغير مفاهيمه في داخلنا وتحويلها الى مشاعر بناء.
فأنى لنا عدم الأعتراف به وهو أمر فطري فينا بل ابتدأ مشوار الخير كله بالدعوة الى الله بخوف المصطفى صلى الله عليه وسلم في غار حراء عندما تلقى كلمات ربه الأولى من الوحي الأمين .فهنا الخوف خوف من شيء خارج للعادة مخل بقوانين الواقع المعهودة لدينا
وكم نسمع عن تعرض أشخاص في شتى بقاع الأرض لمواقف من هذا القبيل ولكننا سنحاول البقاء ضمن موقف الرسول فقط في محاولة لفهم دلالاته .فأولى هذه الدلالات أنها تصب في بشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم فها هو خير البرية يفزع كما نفزع قال تعالى : ” قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ( فصلت6)
والثانية تصب في اشتراكه مع الأنبياء الذين سبقوه فقد وردت اكثر من آية بهذا الصدد تقر ان مشاعر الخوف قد انتابتهم ايضا.
اما الدلالة الثالثة فهي تكمن في لجوء رسول الله لبيته حيث كشف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية دور وعي الأسرة وحسن احتضانها لمثل هذه المواقف حيث نجحت امنا خديجة رضي الله عنها بكشف الحزن والخوف عن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمات تهدأ من روعه وترفع من معنوياته صلى الله عليه وسلم
والرابعة ، هي اقتران هول الموقف كله بأولى كلمات الوحي وهي{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1 فلعلها كلمات توحي ان بذكر الله تطمئن النفوس وهذا ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله فإن على المسلمين تعليم انفسهم وتحفيظ أولادهم بعض آيات وسور الذكر الحكيم لتحصين النفس من كل شر وهي الفاتحة و الإخلاص والمعوذتان وآية الكرسي وأواخر سورة البقرة بل والحض على الإكثار من ذكر الله .
و لربما للحظة تلازمت كلمات الوحي مع لحظات الروع لما نعاني اليوم من استهتار لهجران امة محمد لقراءة كتاب الله وتطبيق احكامه حتى اودت بنا الحال لجهل في وقائع واحداث سنة حبيبه صلى الله عليه وسلم.
أما النوع الثاني من الخوف فهو خوف الحرص ذاك الذي بدر عن خير امة محمد لأمة محمد من الصديق رضي الله عنه حينما خاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما في الغار خاف عليه رضي الله عنه من ان يصل اليه الضرر ولم يكن رسول الله معصوما من أذى الناس بعد فقد نزلت أية ” وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ” (المائدة 67) في المدينة، فكان خوفه من تضييع الدين بشخص رسول الله، الوحي الذي يوحى والمعلم والنذير لكافة البشر .وكان خوفه الأخر رضي الله عنه ,تأخير جني ثمار النصرة بترسيخ اول دولة في الأسلام في المدينة المنورة ( ومن باب انصاف صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر هذه المعلومات حيث نستطرد الطرح قائلين لا ينبغي ان يتطابق خوف ابي بكر وهو بصحبة رسول الله في غار ثور وموقف قوم موسى حيث تخبر الآيات ” فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ” (الشعراء 61-62)
فقد ورد عند القرطبي في شرح الآيات أنه لما لحق فرعون بجمعِه (جمعِ موسى) وقرب منهم ورأت بنو إسرائيل العدد القوي والبحر أمامهم ساءت ظنونهم وقالوا على جهة التوبيخ والجفاء إنا لمدركون فرد عليهم قولهم وزجرهم وذكرهم وعد الله سبحانه له بالهداية والظفر .
أما أبو بكر فقد بقي مهتديا موحدا عالما جازما قائما بالأمر ولم يتطرق إليه الاختلال.
وعليه، فإنه يجب علينا أن نحرص كآباء على زرع قيم الحرص على دين الله في نفوس أبنائنا بل وأعظم من ذلك انه لو اضطررنا الفرار بدين الله من وجه الأعداء نفعل حرصا على عدم تضييع الدين وقد استدل من الآية : ” إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ” ( التوبة 40)على ذلك.
وأيضاً قوله تعالى : ” قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ” ( النساء آية 97)
أما ثالث أنواع الخوف فهو الجبن نستعيذ بالله منه ،فهذا النوع لا يصدر إلا من غاب عن بصيرته كيل العمل من حيث القيمة المرجوة من الأقدام على العمل أو من عدم الأقدام عليه .
فان إساءةَ الموازنةُ بين الأقدام من عدمها تجعل الإنسان أكثر عرضة للأخطاء التي منها البسيطة الأثر والأخرى العظيمة الأثر .
ولأن أبنائنا هم أهم أعمالنا التي نؤتمن من الله عليها من حسن رعاية وتبليغ لشرعة الله وهدي حبيبه كان لابد من ضبط مشاعرنا تجاه فلذات أكبادنا فلا يضيعونا ولا نضيعهم فينطبق علينا قول الله “ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ” .ولضبط هذه المشاعر أحببنا التوقف مع هذا الحديث ” قال : ” الولد ثمرة القلب ، وإنه محزنه مجبنه مجهله مبخله) رواه الطبراني في الكبير وهو في صحيح الجامع
أما محزنة فان كل ما يصيبهم من الم أو مكروه فانه يحزننا وقد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لفراق ولده إبراهيم .
فالخوف هنا من أن لا نضبط أنفسنا فلا نصبر أو لا نحمد الله عند الحزن عليهم فنخسر أجرا عظيما.
ومجبنة ،فالخوف من أن يلجمنا وجودهم من الصدع بكلمة الحق أو السكوت عن منكر أو الخنوع عن طلب العزة والعمل مع العاملين في سبيل الله خوفا من أن يلحق بنا الضرر أو يلحق بهم بسببنا .
أما مجهلة أن يصبحوا عائقا يعيق طلب العلم لكتاب الله وسنة حبيبه بل وتحري الأحكام الشرعية وفهمها ،خوف أن لا نورثها لهم لأنها أغلى ميراث يعرفهم كيفية عبادة الله التي تقربنا إليه ،وتوضح أوامره ونواهيه التي تحمينا في الدنيا والآخرة وتحميهم .
أما مبخلة فالخوف كل الخوف أن يمنعنا وجودهم من البذل لله فان أحجمنا عن البذل نكون قد فرطنا في زرع قيم البذل والعطاء في أنفسهم فلعله يأتي يوم يعطلون فيه ركن الزكاة .
ومن كل ما سبق نحكم أن الخوف ليس عيبا ولكن العيب أن نتذرع به كالمجاهر بالمعصية
وما وجدت أن أنهي، قبل سرد هذه الموعظة على لسان الإمام ابن حنبل حين قدم إليه رجلٌ يسأل الموعظة لنفسه .
فقال عظني يا إمام ،فقال له:
إن كان الله قد تكفل بالرزق فخوفك على الرزق لماذا .
وان كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا .
وان كان الخلف على اللهِ فالبخل لماذا.
وان كانت الجنة حقا فالراحة لماذا .
وان كانت النار حقا فالمعصية لماذا .
وان كانت الدنيا فانية فالطمأنينة لماذا .
وان كان الحساب حقا فالجمع لماذا.
وان كان كل شيء بقضاء الله وقدره فالخوف لماذا .
أما نصيحة اليوم لكم يا أبناءنا فهي تذكيركم بقول الله عز وجل:
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر28
تدلنا هذه الآية أن الذي يخشى الله بحق هو العالم, العالم الذي تعرّفَ إلى الله فعلم أن الله سبحانه هو الخالق والرازق والمحيي والمميت, وأنه هو جل وعلا يبعث من في القبور ويوقف الناس للحساب, في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولذلك فإن المسلم عندما يتفكر في الكون ومخلوقاته يوقن أن الله هو الذي أوجد من عدم, وأن الأمور صائرة إليه, وأننا موقوفون بين يديه, فلا يفلح إلا من خافه واتقاه, وخشي لقاء اليوم العظيم. فإن تذلل لله في الدنيا فاز وأفلح وعز ودخل جنات النعيم.
ولا يكون لأحد هذا الفوزُ إلا إن تعلم وتفقه في دين الله ليسلك درب أهل العلم الذين يخشَون ربهم, ويستجيبوا بذلك لقول الحق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1 وبهذا يجد نفسه تنساق لأمر الله عندما يهم بأي عمل, فيبدأ بذكر الله ولا يطلب إلا عملا يقربه من الله عز وجل, فيرتقي عن الحياة البهيمية إلى حياة يتعرف فيها إلى ربه وإلى وجوب خشية الله, فيضمن بذلك أسبابَ الحذر من غضب العزيز الجبار, قال سبحانه: “وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ }آل عمران28
أبنائي الأعزاء: لا تنسَوا أن الله قد أعد عذابا أليما ونارا وقودها الناس والحجارة لمن يخالف منهجه ويسلك طريق الشيطان, وهذا يدعو لأن تفزع النفسُ وترتعد إذا ما همت بالمعصية, فاغتنموا أوقاتكم فيما يرضي الله قبل أن تعود الروح إلى بارئها, ويحشر أحدنا في قبر لا أنيسَ ولا جليسَ, وحينها لا ندمَ ولا رجوع .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين