كيف نبني وكيف نهدم – الانهزام الفكري
أصبح الكثيرُ من المسلمينَ اليوم منهزمين فكرياً، ومعنى ذلك أنهم يقبلونَ بأن يكونَ دينُهم متهماً، فيتحرجون من إبراز أحكام الإسلام الشرعية ، فلا يتحدثون عن الجهادِ لأنه إرهابٌ وتعدي على الأخرين، ولا يصرون على رأي الله تعالى في النقاش لأن في ذلك تعدي على حرية رأي من يناقشون، و هم لا يجاهرون بأن الدين عند الله الإسلام ولا يقبلُ الله تعالى غيره، فيجاملون النصارى وغيرهم بقبول أفكارهم الضالة . وبالنسبة لهم مَن يقلُ بتلك الأية الكريمة ، يكون قد تعدى على حريةِ العقيدةِ وفق الشرعةِ الدوليةِ، وفي ذلك طبعاً منقصةٌ لهم ، لأنهم مواكبين للأحداث الجارية ، وما يهمهم رأي الناس فيهم وليس ما أمرهم الله تعالى به . فحتى لا يُقال عنهم إنهم متزمتون، يتركون تطبيق أحكام الشرع ، وذلك لأن المتزمت يعتبر متعصبٌ لرأيه، وهذا عيب عندهم . وهو فعليا إتهام أخر للإسلام ، وللمسلم الذي يلتزم بالأحكام . فالدعوة للالتزام بهذا الحكم الشرعي أو ذاك يعتبر اعتداءٌ غير مرغوب فيه وخطأ فادح في زمننا هذا.
إن الهجمةَ الفكريةَ على المسلمين في يومنا هذا هجمة قوية جداً. حيث تكالبت الضرباتُ على المسلمينَ بالغزوِ الفكري والثقافي من الغربِ الكافر مباشرة، ومن عملائهم في الأنظمة الحاكمة في بلادِ المسلمينَ، الذين يقمعون شعوبهم، ويكممون أفواههم ، فقد ازداد الهجوم وكثر حتى أصبح يفوق طاقة المسلمينَ بسبب ضَعفِهم الفكرى . وأقوى سلاح لهم في ذلك هو الإعلامُ الذي يهاجم الإسلام ويتهمه بالإرهاب لانه يفرض رأيا معينا . ويهاجم المسلمين وينعتهم بالرجعيين والمتخلفين . ويهاجم الأحكام الشرعية بانها لا تصلح لزمننا هذا . فصار بسبب ذلك ، المسلمون درجات. مسلمٌ علماني ، ومسلمٌ معتدلٌ، ومسلمٌ ملتزمٌ، ومسلمٌ متزمت ، ومسلمٌ متعصبٌ ، ومسلمٌ إرهابي، والمسلمات كذلك عندهم أنواعٌ، فمسلمةٌ متحجبة، ومسلمةٌ محتشمةٌ، ومسلمةٌ متعصبةٌ، ومسلمة على الموضة ، مع ان الأمر كله إما مسلم ملتزم بالحكم الشرعي أم غير ملتزم . وهنا يحضرنا سؤال لهؤلاء الناس، اليس ما يفعلون بالأحكام الشرعية وطمسها بسبب إنهزامهم المستمر، وقمع رأي الإسلام بحجة تعدد الاراء ، هو أيضا تعدي على حرية الرأي عند المسلمين ؟ أم هم يكيلون بمكيالين ؟
وقد دافع المسلمون عن الإسلامِ بناء على هذا الواقع فأخذوا دفاعَهم من ذات الواقعِ الفاسدِ ولم يرجعوا إلى الإسلام ومصادره التشريعية ليواجهوا هذه الهجمات. لذلك جاء علاجُ المسلمينَ وردُّهم للهجوم ردٌ ذليلٌ منهزم، فالنتيجة أن أصبح المسلمون دائماً في موقعِ دفاعِ مستميت عن دينهم وعن أسلوب حياتِهم ، فمثلاً يبررون اتهام الجهاد بالوحشية، بأنه حرب دفاعية فقط. متناسيين أن الإسلام إنتشر بالجهاد . ثم يبحثون عن أدلة على قولهم من القرآن الكريم ومن السنة الشريفة ، فيحرفون النصوص لتوافق ما يظنون هم ولا يأخذونها بمعناها الاصلي . ونحن نجد المنهزمون يعتذرون عن ما أنزل الله تعالى لهم . ومثل ذلك عندما يتهم الغرب حكم قوامة الرجل على المرأة بالإستبداد والتسلط، وجدنا من المسلمين من ترك الحكم لأنه يحرجه ظنا منه أنه إستبداد وتسلط ، فاصبح “عصري”، لا يلزم إبنته بالحجاب ولا يرضى بحكم التعدد ، ويتصرفَ ويعيشَ حياتَه مثل الغربيين، يقلدهم في كل شيء ، نافياً بذلك ” تهمة ” الإسلام عن نفسه – حقيقة – متهاونا في دينه. وذهب بعض المسلمين للتعصب الأعمى فعلاً . فجعلوا من المباحات فروضا، ومن القشور أساسيات. فمنعوا الحديث في السياسة حتى لا يدخلون في مواجهة فكرية مع الناس ، وإهتموا بأحكام فردية سمها “سلمية” إذا شئت ، مثل اللحية والبنطال ، بينما تركوا العمل لإقامة الدولة الإسلامية ، وهى تاج الفروض ، لأن العمل لها يتطلب المواجهة والصراع الفكري . فجاء ردهم ليس أكثر من رد فعل ،لا يرتكز على الفهم الصحيح والحجة والبرهان . والنتيجة تهاونوا ايضا في إتباع الإسلام النقي . ففي الحالتين إنهزم المسلمون فكرياً ، وضيعوا الإسلام الحقيقي ، فلا هم إتبعوه نقياً ولا حملوه للأخرين حملاً مبيناً.
لذلك يجب أن نبني شخصيةً إسلامية قوية لا تنهزم فكرياً ، وذلك لا يكون إلا بفهم العقيدة الإسلامية فهماً عقلياً لا يشوبه مشاعر الاندفاع، فالعقيدة العقلية عقيدة راسخة ، تجعل من فهمنا للإسلام فهم صحيح . فالإسلام مبدأ له عقيدة أساسية تكون قاعدته الفكرية التي هي بمثابة أساس البيت المتين .وحوائط ذلك البيت وأثاثاته بمثابة الأحكام الشرعية التي تعمر ذلك البيت ، بيت كبير ، يضم كل العالم ويوحده في الفكرة والطريقة للمبدأ الإسلامي . فنهدم بذلك فكرة أن الإسلام مجرد عبادات ومظهر فقط، بل هو ايضا موجود في أنظمة المجتمع، من نظام حكم و مناهج تعليم ونظام إجتماعي وإقتصادي . وكما يجب أن نبني نفسيةَ المسلم بالتركيز على أحكام شرعيةٍ مثل الجرأة في الحق والصدع به، وعدم التنازل عن الحكم الشرعي مهما كان ،ومهما كنا لا نفهم الحكمة منه ، فيجب علينا التكرار والتذكير بسرعة المبادرة إلى التطبيق . وأيضا نبني ثقة المسلم والمسلمة بأن طالما الحكم الشرعي من الله تعالى ، وهو اللطيف الخبير ، ففيه الخير الكثير. كما يجب تركيز مفاهيم العقيدة مثل مفهوم التوكل وبناؤه بناء قوياً والحث عليه، وهدم مفهوم إتباع الهوى والتنظير والتنجيم والإعتذار عن أحكام الله تعالي والدفاع عنها والتبرير لها ، وكأن الإسلام هو المتهم . فكل ما لم ينزل الله به من سلطان هو المتهم . ويجب بناء مفهوم الثبات والتضحية بكل غالي ونفيس في سبيل الله عز وجل ، فالنفسية هى جو الإيمان في ذلك البيت ومصدر طمأنينة العيش فيه. فالإنهزام الفكري نهدمه بالعقلية الملتزمة المتعصبة لله تعالى والنفسية السليمة التي تلتزم الحق بثقة تامة ، وتدرك عظمة الإسلام . ونهدمه بالتمحيص في واقع البشر العاجزين الناقصين الذين يختلفون فيما بينهم ويناقضون أنفسهم ولا يحكم بينهم غير حكم الله تعالى النافذ فيهم ، والموجه لهم . والحمدلله رب العالمين ، وصلي اللهم على سيدنا محمد أفضل صلاة وأتم تسليم. وإلى لقاء جديد قريب بإذن الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .