شرح مواد النظام الإجتماعي في الإسلام_ح3_شرح المادة 113
والتي نصها: (الأصل أن ينفصل الرجال عن النساء ولا يجتمعون إلا لحاجة يقرها الشرع، ويقر الإجماع من أجلها كالحج والبيع).
إن انفصال الرجال عن النساء في الحياة الإسلامية فرض، فقد جعل الشرع للمسلم حياة خاصة وحياة عامة، وأن الانفصال في الحياة الخاصة يكون انفصالا تاما إلا ما استثناه الشرع، وأما في الحياة العامة ، فإن الأصل هو الانفصال ، وإنه لا يجوز فيها الاجتماع بين الرجال والنساء، إلا فيما جاء بإباحته أو بإيجابه أو بندبه للمرأة، وكان القيام به يقتضي الاجتماع بالرجال سواء كان الاجتماع مع وجود الانفصال كما في المسجد، أو كان مع وجود الاختلاط كما في شعائر الحج والبيع ودخول الأسواق التي بها رجال.
إن الشرع قد وضع للحياة الخاصة أحكام، ومن هذه الأحكام، أن للمرأة أن تعيش في حياتها الخاصة مع النساء أو مع محارمها، لأنهم هم الذين يجوز لها أن تبدي زينتها أمامهم، أي الذي لا يستغني عن ظهوره من أعضائها في البيت، هو محل الزينة، وما عدا النساء ومحارمها، لا يجوز أن تعيش معهم، لأنه لا يجوز لها أن تبدي لهم محل زينتها من أعضائها، فالحياة الخاصة مقصورة على النساء والمحارم، ولا فرق في النساء بين المسلمات وغير المسلمات فكلهن نساء، يقول تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)، وقد الحق بالمحارم الأرقاء الذين يملكونهم، وكذلك الذين لا توجد عندهم شهوة النساء من الشيوخ الطاعنين بالسن أو البله أو الخصيان، وما عداهم من الرجال الأجانب ولو كانوا من الأقارب غير المحارم، فإنه لا يجوز لهم أن يكونوا في الحياة الخاصة مطلقا، لأنه لا يجوز للمرأة أن تبدي لهم محل زينتها من أعضائها.
وقد استثنى الشرع حالات يجتمع بها الرجال الأجانب بالنساء في الحياة الخاصة، كالطعام وصلة الأرحام، على أن تكون المرأة باللباس الشرعي ويكون معها محرم.
أما في الحياة العامة، فقد وضع لها الشارع عدة أحكام، وكلها تدل على أن الأصل أن ينفصل الرجال عن النساء ولكنه استثنى بعض الحالات التي لا تستغني عنها المرأة، ومن هذه الحالات ما هو فرض مثل الحج، ومنها ما هو مندوب كأن تجاهد الكفار، ومنها ما هو مباح كالبيع والشراء والأخذ والعطاء، وهذه الأفعال التي أجازها للمرأة أو أوجبها عليها، ينظر فيها، فإن كان القيام بها يقتضي الاجتماع بالرجل، جاز حينئذ الاجتماع في حدود أحكام الشرع، وفي حدود العمل الذي أجازه لها، وذلك كالبيع والشراء والإجارة والتعليم والتطبيب والتمريض والزراعة والصناعة وما شابه ذلك، لأن دليل إباحتها يشمل إباحة الاجتماع لأجلها، وأما إن كان القيام بها لا يقتضي الاجتماع بالرجل كالمشي في الطريق في الذهاب إلى المسجد أو إلى السوق أو إلى زيارة الأهل، أو للنزهة وما شابه ذلك، فإنه لا يجوز اجتماع المرأة بالرجل في مثل هذه الأحوال.
ومن الأحكام التي وضعها الشرع للنساء في الحياة العامة، اللباس، فقد أمر النساء أن يرتدين اللباس الكامل المحتشم الذي يستر كل ما هو موضع زينة إلا ما ظهر منها، وأن يدنين عليهن ثيابهن فيسترن بها، قال تعالى: ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن) وقال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) .
ومن الأحكام العامة أنه أمر كلا من الرجل والمرأة بغض البصر، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن).
ومن الأحكام التي وضعها الشارع للنساء، أن جعل صفوف النساء في الصلاة خلف صفوف الرجال وفي الصلاة في المسجد، أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن جدته مُلَيْكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه ثم قال: ( قوموا فَلَأصل لكم…… إلى أن قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من وراءنا)، وعند الخروج من المسجد أمر بخروج النساء أولا ثم الرجال، حتى يفصل الرجال عن النساء، وعن هند بنت الحارث، أن أمَ سلمةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرتها ( أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثَبَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال) .
فهذه الأحكام والحالات تدل في مجموعها على سير الحياة الإسلامية، وأنها حياة ينفصل فيها الرجال عن النساء، وأن هذا الفصل فيها جاء عاما، ولا يستثني من ذلك إلا ما جاء الشارع بجواز الاجتماع فيه سواء في الحياة الخاصة أو في الحياة العامة.
أبو الصادق