قانتات حافظات – حقوق الزوجة – ح12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربما لاحظتم أن الموضوع طال بعض الشيء، وقد أخذ حيزا كبيرا في سلسلتنا هذه، ذلك أننا تحدثنا عنه في عدة حلقات، ولكن هذه إطالة لازمة، كيف لا وها نحن نلاحظ الهجمة الشرسة ضد المرأة المسلمة والتي لا تهدف إلا لتعرية المرأة من كل شيء يحفظ كرامتها ويصون عزتها وها هي أفكار تحرير المرأة المسلمة من قيودها، ومساواتها بالرجل سواء بسواء، يحاول الغرب نشرها بكل ما أوتي من قوة ونفوذ، وبكل ما يملك من وسائل ترغيب وترهيب، باسم رعاية الحرية والديمقراطية، فسلط هجمته على المرأة المسلمة لهدم كيان الأسرة المسلمة من خلالها حتى يكون هجومه مجديا، فوجه سهامه نحو الزوجة بشكل خاص والمرأة بشكل عام، وأفسد العلاقة بينها وبين زوجها وشوه الأحكام التي جاء بها الشرع لتنظيم علاقتها بالرجل وبالتالي وصل إلى تفكيك الأسرة المسلمة وهدم الناحية الاجتماعية تحت شعار انهاض المرأة.
والمصيبة والطامة الكبرى وجود نساء ساذجات لم يدركن هذه المكيدة وظنن أن الغرب يتحدث لمصلحتهن، ذلك أن الواحدة منهن لم تدرك عظمة الدين الإسلامي والذي فيه نظام كامل ومتناسق لمعالجة علاقتها بالرجل، ولم تدرك أيضا ما جعله الشرع لها من حقوق وما جعله عليها من واجبات، فلم تدرك أصلا الغاية من وجودها، فتبرأت من هذا الدين، وخجلت أنها تنتمي إليه، لجهلها بعظمته، وبعدله، وبالمكانة التي جعلها الله لها من خلال تطبيق شرعه والسير على منهاجه، وما هذا الجهل إلا نتيجة تضليل الغرب لها من خلال أفكاره المنتشرة بتطبيق نظمه، في إعلامه وفي مناهجه وفي كافة أمور الحياة التي نعيشها بغياب ظل الله على الأرض ألا وهو خليفة المسلمين.
فكان لا بد من هذه الوقفات لنبين لهذه المرأة المضللة المخدوعة عظم حقوقها، والتي يكفي أنها من خالقها العالم بها أكثر من نفسها.
والتي يكفيها بتطبيقها لها أنها تعلن العبودية والاستسلام لأوامر الله، وتعلن أنها الأمة الطائعة العابدة القانتة الصالحة، ترجو رحمة الله وتخشى عذابه.
ومن حقوق الزوجة حقها في الرعاية وفي الكرامة والإكرام، وإن أجمل ما وصفت به المرأة من قبل رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم بأنها القارورة، حين قال عليه الصلاة والسلام: ” رفقا بالقوارير” تشبيه بجمالية نادرة يتطلب الحرص على صيانة هذه المخلوقة. فالقارورة إن كسرت لا إصلاح لها، لذا المحافظة عليها وصيانتها أمر واجب. ومع أن هذه العبارة قصيرة إلا أنها تحوي معان كثيرة فالرفق بالشيء يعني الرقة واللطف في التعامل.
قال الإمام علي بن أبي طالب يوصي أحدهم: ” إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك”
ومن مظاهر إكرامها أيضا أن جعلها الأم وربة البيت والعرض الذي يجب أن يصان، بل سمى الرجل الذي يقتل وهو يدافع عن عرضه شهيدا. والذي لا يغار على عرضه ديوثا، لا يدخل الجنة ولا يجد ريحها كما في الحديث: أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا عمر بن محمد عن عبد الله بن يسار عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى”
( والديوث )
وهو الذي لا غيرة له على أهله
ومن حقوق الزوجة في الرعاية والإكرام أيضا هو رعاية الرجل لأهله وهو القيام على كافة شؤونهم والإنفاق عليهم فمن مظاهر الخير أن ينفق الإنسان على أهل بيته مما أنعم الله عليه، ويسعى في رفاهيتهم وتحسين أحوالهم، ورحمته بهم ورعايته لهم، تديم رحمة الله به ورعايته له، وأكبر جريمة يقترفها الإنسان هي أن يهمل رعاية أسرته وأن يتسبب في أذيتهم، لأن من أكبر النعم على الإنسان الزوجة، وهي تشاركه معاناة الحياة وتعاونه في نيل الأماني وتشاطره الحلو والمر من اللحظات، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله.
فنجد الإسلام مرة بعد مرة يؤكد على ضرورة رعاية المرأة وحفظ كرامتها ومعاملتها بلطف ومحبة ورفق، فيؤكد تعالى: “وعاشروهن بالمعروف ” ( النساء 19 )
وأيضا قوله تعالى : ” ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ” البقرة 228
قال ابن عباس : إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي , وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها علي ; وعنه أيضا : أي لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن. وقيل : إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن.
ومن حقوق المرأة أيضا حقها في الاستمرار مع الزوج أو عدمه، صحيح أن الله جعل الطلاق بيد الرجل، لأنه هو القوام على المرأة، والمسؤول عن البيت، ولكنه جعل للمرأة حق الفسخ للنكاح، حتى لا تشقى في زواجها، ولا يصبح البيت الذي هو محل هناء واستقرار موطن شقاء وقلق لها.
فللزوجة أن تطلق نفسها، وتوقع الفرقة بينها وبين الرجل في حالات معينة، نص عليها الشرع. وهي:-
1 – إذا جعل الزوج أمر طلاقها بيدها. فإن لها أن تطلق نفسها حسب ما ملكها إياه. فتقول طلقت نفسي من زوجي فلان، أو تخاطبه قائلة طلقت نفسي منك. ولا تقول طلقتك، أو أنت طالق، لأن الطلاق يقع على المرأة لا على الرجل، حتى لو صدر الطلاق منها. وإنما جاز أن يجعل الزوج أمر الطلاق بيد الزوجة لأن الرسول r خير نساءه ولإجماع الصحابة على ذلك.
2 – إذا علمت أن في الزوج علة تحول دون الدخول، وكانت سالمة من مثلها فقد روي أن ابن منذر تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها قال لا. قال أعلمها ثم خيرها.
3 – إذا ظهر للزوجة قبل الدخول أو بعده أن الزوج مصاب بمرض من الأمراض التي لا يمكنها الإقامة معه بلا ضرر يصيبها، كالجذام والبرص، وغيرها من الأمراض، أو طرأ عليه مثل هذه الأمراض، فإن لها أن تراجع القاضي وتطلب التفريق بينها وبين زوجها، ويجاب طلبها إذا ثبت وجود هذا المرض، وعدم إمكان البرء منه في مدة معينة. وخيارها دائم وليس بمؤقت، بناء على قاعدة الضرر واستئناسا بما ورد في الموطأ عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: “أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت، وإن شاءت فارقت”.
4 – إذا جن الزوج بعد عقد النكاح، فللزوجة أن تراجع القاضي وأن تطلب تفريقها منه. والقاضي يؤجل التفريق مدة سنة. فإذا لم تزل الجنة في هذه المدة، وأصرت الزوجة، يحكم القاضي بالتفريق وذلك لما ذكرناه في البند السابق.
5 – إذا سافر الزوج إلى مكان، بعد أو قرب، ثم غاب وانقطعت أخباره وتعذر عليها تحصيل النفقة، فإن لها أن تطلب التفريق منه بعد بذل الجهد في البحث والتحري. ذلك لقول الرسول r عن الزوجة تقول لزوجها “أطعمني وإلا فارقني” أخرجه الدارقطني وأحمد، فجعل عدم الإطعام علة للفراق.
6 – إذا امتنع الزوج عن الإنفاق على زوجته وهو موسر، وتعذر عليها الوصول إلى ماله للإنفاق بأي وجه من الوجوه فإن لها أن تطلب التطليق وعلى القاضي أن يطلق في الحال دون إمهال، لأن الرسول يقول: “امرأتك ممن تعول تقول أطعمني وإلا فارقني” أخرجه الدارقطني وأحمد، ولأن عمر رضي الله عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا، وقد عرف الصحابة ذلك ولم ينكروا عليه فكان إجماعا.
7 – إذا ظهر بين الزوجين نزاع وشقاق، فإن لها أن تطلب التفريق، وعلى القاضي أن يعين حكما من أهل الزوجة، وحكما من أهل الزوج. والمجلس العائلي هذا يصغي إلى شكاوى الطرفين، ويبذل جهده للإصلاح، وإن لم يتم التوفيق بينهما يفرق هذا المجلس بينهما على الوجه الذي يراه، مما يظهر له من التحقيق.
أما الحق الأخير الذي سنتناوله في هذه السلسلة من حقوق الزوجة، هو حقها بالميراث، حيث جعل الشرع للزوجة نصيبا في ميراث زوجها وذلك الحق موضح في قوله تعالى: ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ” النساء اية 12
لقد أعطى الإسلام المرأة منذ أربعة عشر قرنا، حق الإرث كالرجال، بعد أن كانت في الجاهلية هي نفسها تورث كالمتاع، حيث ترث الزوجة ربع تركة الزوج إن مات عنها بلا ولد، فإن كان له ولد (وولد تعني ذكرا أو أنثى واحدا أو متعددا)، منها أو من غيرها، فإن هذا يحجبها من الربع إلى الثمن .