بين الحقيقة والسراب- أطفالُ الفضائياتِ
حلقتنا لهذا اليوم سنتحدث فيها عن خطر الفضائيات على أبنائنا من الجيل الصاعد ، والذين أودى بهم إعلامنا ليكونوا جيلاً هابط ، فحريٌّ بنا أن نقول بدلاً من فضائيات الأطفال ، أطفال الفضائيات .
يرتاح الأهل كثيراً إن بقي أبناؤهم بالمنزل حتى لا يختلطوا بالبيئات الفاسدة من حولهم ، فالمجتمع اليوم بعيدٌ عن الإسلام كل البعد ، مما يجعل العديدين يتخوفون من خروج الأولاد للشارع ، خاصةً بعد شيوع الجريمة وما يسمى بعمليات الخطف والاغتصاب والقتل ، فبات الأهل يرغبون حبس أبنائهم في البيوت على أن لا تمسهم مثل هذه الأضرار .
لكن ، هل بقاء الأطفال في البيت هو سبيل حمايتهم ؟؟ خاصةً أن الأم عندما تكون في البيت تكون مشغولةٌ بين التنظيف والترتيب وتوفير الراحة لأبنائها ، فترتاح جداً إن جلسوا وتابعوا التلفاز بعيداً عن أخلاقيات الشارع الرديئة ، فهل يا ترى الملجأ في الفضائيات ، أم أنها منقذةٌ لهذا الجيل من ضياع الشوارع ؟؟
وبعد الاطلاع على عددٍ من التقارير التي أعدت حول متابعة الأطفال في بلادنا للتلفاز ، سأطرح لكم هنا إحصائياتٍ منها :
يقضي الأطفال في مشاهدة التلفاز في العالم العربي ودول الخليج ما يزيد عن 33 ساعة أسبوعياً في فصل الصيف و24 ساعة في فصل الشتاء ، كما أوضح اختصاصيون في الصحة النفسية والأعصاب والإعلام وعدد من الأكاديميين، أن الأطفال يقضون حوالي 7 ساعات يومياً أمام البرامج الكرتونية التي تخاطبهم ، ومن خلال دراساتٍ أجريت على الأطفال أكدت أن 74% من إجمالي المشاهد التي يراها الأطفال في البرامج الكرتونية تؤدي إلى سلوك إجرامي حيث أن 43% من هذه القصص مستقاة من الخيال.
إن مثل هذه الأرقام تحتم علينا أن نبحر في مخاطر الفضائيات على الأطفال وانعكاساتها السلبية عليهم ؛ فهم الأسرع تأثراً من الكبار ،فمَن مِنا لا يلحظ عيون الأطفال وهي متشبّثةٌ بالشاشة السحرية متجاوبةً ومتفحصةً الشخصيات والمناظر والحركات،مقلدين في اليوم التالي معظمها في أغلب الأحيان بل وقد يكون التقليد في اللحظة التي يتم فيها العرض، فكم مرةٍ لاحظنا أطفالاً تحمرُّ عيونهم المشدودة مع ما يرون، وكم مرةٍ لمحنا تحريك أطرافهم مع الحركات الموجودة على الشاشة ، وهذا كله لا يعني إلا مسح الأدمغة.
ومن هنا نصل إلى قدرة الفضائيات على تغيير نظرة الأطفال إلى الحياة وإلى العالم من حولهم، من خلال تكرارها لمشاهد معينة، تترسخ في عقولهم وتؤدي فيما بعد إلى تغيير مواقفهم تجاه الأشخاص والقضايا، فيتغير بالتالي حكمهم عليها وموقفهم منها .
كما يؤكد علماء النفس أنه كلما ازداد عدد الحواس التي يمكن استخدامها في تلقي فكرة معينة معينة أدّى ذلك إلى دعمها وتقويتها وتثبيتها في ذهن المتلقي، ومن هنا نرى أن الفضائيات تتمتع بعرض الصورة والصوت معاً،وهذا ما تفتقر إليه وسائل الإعلام الأخرى ، مما يجعل تعلق الأطفال بها بصورةٍ أكبر لسهولة الوصول إليها وقدرتها على ربط المتلقي بها بجميع حواسِّه .
وأكثر برامج الأطفال مشاهدةً هي الرسوم المتحركة ،التي تقدم للأطفال قيماً غريبة عن مبادئ الإسلام، وتعظم فيهم العنف وتقتل فيهم القدوة ولا تراعي الشخصية الإسلامية فتكسبه شخصيةً مهتزةً ممزقةً بين الخيال والواقع ،وإن مزاعمهم بأن الرسوم المتحركة تعطي الطفل فرصة الاستمتاع بطفولته، فإنها في غالبها تكون بعيدةً عن العقيدة الإسلامية ، حيث فكرة القوة الخارقة والقدرات المستحيلة لدى سوبرمان،أو ميكي ماوس القادم من السماء لخدمة المظلومين أو الأخطاء الواضحة مثل السجود لغير الله،مثلما حدث فى الفيلم الكرتونى «الأسد الملك» عندما قامت كل الحيوانات بالسجود لـ «سمبا» عند ولادته ، كما تعمل هذه الأفلام على تحريف القدوة،وذلك بإحلال الأبطال الأسطوريين محل القدوة السليمة، بدلاً من الصحابة الصالحين والقادة الفاتحين فتجد الأطفال يقلدون الرجل الخارق سوبر مان والرجل العنكبوت سبايدر مان ، ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التى لا وجود لها، فتضيع القدوة فى خضم القوة الخيالية المجردة من أي بعد إيماني .
لذا فعلينا في ظل هذاا التسارع الكبير من قبل الاستعمار ، في رسم أنواعٍ مختلفةٍ من خطط الدمار لأبناءنا وفلذات أكبادنا ، علينا بدايةً أن نركز العقيدة في نفوس أبنائنا ، ونربي فيهم الحس النقديّ الواعي لمثل هذه البرامج ، فلا يكون الطفل متفرجاً فحسب ، بل ويتنبه لما يوجد داخل هذه البرامج من أخطارٍ تحوم حوله ؛لتدمره وبالتالي تدمرُ كلَّ حجر بناءٍ لأمتنا.
نسأل المولى عز وجل ، أن يحفظ أبناءنا من كلِّ سوء وأن يعجل لنا بدولة الخلافة التي فيها منجى لهم من أذى الفكر الغربِيِّ المشين ، وأن تكون أيامهم عامرةً بإعلامٍ يشحذ فيهم روح القيادة والعمل ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..