قضايا مصيرية في حياة الأمة الإسلامية-ح1- القضية الأولى- إقامة الخلافة فرض على المسلمين
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشاكِرينْ, وَالعَاقبَة ُ للمُـتقينْ, وَلا عُدوانَ إلا َّ عَلى الظـَّالِمينْ, وَالصَّلاة ُ وَالسَّلامُ عَلى المَبعُوثِ رَحْمَة ً لِلعَالمِينْ, وَعَلى آلهِ وَصَحْبـِهِ الطـَّيبينَ الطـَّاهِـرينْ, وَمَن ِاهـْـتـَدَى بـِهَديـِهِ, واستنَّ بسُنـَّـتِهِ, وَسَارَ عَلى دَرْبـِهِ, وَدَعَا بـِدَعْوَتـِهِ إلى يَوم ِ الدِّينْ , واجعَلنـَا مَعَهُم, وَاحشُرنـَا في زُمرَتـِهمْ, بـِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمينْ. أمَّا بَعدُ:
يَقـُولُ اللهُ تعَالى في مُحكـَم ِ كِتـَابـِهِ وَهُوَ أصْدَقُ القـَائلينْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (102)}آل عمران
إخوة َ الإيمان ِ والإسلام ِ:
تـَتـَعَاقـَبُ عَلى الأمَم ِمَعَ تـَعَاقـُبِ الأزمَان ِ, قـَضَايَا مَصِيريَّة ٌ بَالِغـَة ُ الأهَمِيَّة ِ, تـَكـُونُ حِينا ً سِياسِيَّة ً, وَحِينا ً اقتِصَادِيَّة ً, وَحِينا ً اجتِمَاعِيَّة ً, وَحِينا ً غـَيرَ ذلِكَ. وَلكنْ إخْوَة َ الإسلامْ: مَاذا نَعنِي نـَحنُ المُسلِمينَ بالقـَضَايَا المَصِيريَّةِ؟
القـَضَايَا المَصِيريَّة ُ: هِيَ تِلكَ القـَضَايَا المُهمَّة ُ في حَياةِ الإسلام ِ وَالمُسلِمِينْ, وَالتي يَتـَعَلـَّـقُ بـِهَا مَصِيرُ أمَّةِ الإسلام ِ بأجْمَعِهَا, وَيَتـَّخِذُ المُسلمُونَ إزَّاءَهَا إجْرَاءَ الحَيَاة ِ, أو ِ المَوتْ. وَلتوضِيح ِ ذلكَ نـَعرضُ لكـُم مثالين ِ اثنين ِ نذكـُرُ فيهمَا مَوقفين ِ: المَوقفُ الأولُ لرسُول ِاللهِ صلى الله عليه وسلم وَالمَوقفُ الثاني لخليفتِهِ أبي بكر ٍالصديق ِ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ.
حِينَ مَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُبلـِّغُ رسَالة َ الإسلام, وَيُظهـِرُ دينَ اللهِ, لا يَرُدُّهُ عنهُ شيءٌ, إلى أنْ جَاءَ وَفدُ قـُريش ٍ إلى عَمِّهِ أبى طالبْ؛ ليكـُفَّ ابنَ أخيهِ عَن ِ الدَّعوَةِ إلى الإسلامْ , فماذا كانَ مَوقفُ نَبيِّـنا إزَّاءَ هذهِ القضيةِ المَصيريَّةِ؟
لقدِ اتـَّخـَذ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إزَّاءَها إجرَاءَ الحياةِ أو ِالمَوتِ, فاستعدَّ أنْ يَدفعَ حَياتـَهُ ثمَـنا ً لنشر ِ دَعوَةِ الإسلام, وإظهارهِِ على سِائر ِ الأديِان!
اسمَعُوا قـَولـَهُ وَهُوَ يُخاطِبُ عَمَّهُ:» يَا عَمُّ, وَاللهِ لو وَضَعُوا الشمسَ في يَمِـيني, وَالقمرَ في يَسَاري, عَلى أنْ أتركَ هَذا الأمرَ حتى يُظهرَهُ اللهُ, أو أهلكَ فيهِ مَا ترَكتـُهُ!«.
وَهَذا مَوقفٌ آخرُ مِنَ المَوَاقفِ الحَاسمَةِ التي وَقفـَهَا أسلافـُـنا تجَاهَ وَاحدَةٍ مِـنَ القضَايَا المَصيريَّةِ, وَهُوَ مَوقِفُ خـَـليفةِ المُسلمِينَ الأول ِ أبي بَكر ٍالصِّديق ِ رَضيَ اللهُ تعَالى عنهُ وَأرضَاهُ, فـَعندَمَا امتنـَعَ المُرتدُّونَ بَعدَ وَفاةِ رَسُول ِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَفع ِ الزكاةِ, غـَضِبَ أبُو بكر ٍ الصِّديقُ أشدَّ الغَضَبِ, وَأصَرَّ عَلى مُـقاتلةِ وَمُحارَبَةِ المُرتدِّينَ حَرْبا ً لا هَوَادَة َ فيهَا, حَتى يَدفعُوا زَكاة َ أموَالِهم لبيتِ مَال ِ المُسلمِينَ, وَقالَ عِبَارَاتـَهُ المَشهُورَة ُ, وَالتي إنْ دَلــَّتْ عَلى شَيءٍ فهي إنـَّما تـَدلُّ عَلى عَزمِهِ وَإصْرَارهِ عَلى تنفيذِ ذلكَ, فمَاذا قالَ الصِّديقُ أبو بَكر؟
قالَ: ((أيـَنقـُصُ الدِّينُ وَأنـَا حَيٌّ؟)) وَهَذا يَعني أنَّ أبَا بَكر ٍ الصِّديقَ استعَدََّ أنْ يَدفعَ حَياتـَهُ ثمنا ً لإتمام ِهَذا الدَّين ِ!!
وَقالَ أيضا ً: (( وَالله ِ لـَو مَنـَعُوني عِقالا ً كانـُوا يُؤدُونـَهُ لِرَسُول ِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لقاتـَـلتـُهُم عَليهِ )).
وَقالَ: (( وَالله ِ لـَو لـَمْ أجدْ إلا الذرَّ لقاتـَلتـُهُم بـِهِ)) وَالذرُّ هُوَ النـَّملُ الأحمرُ الصَّغيرُ.
إخوة َ الإيمان ِ وَالإسلام:
نـُذكـِّرُ أنفـُسَنـَا وَنـُذكـِّرُكـُم بالقضِيَّةِ المَصيريَّـةِ الأولى مِنْ قضَايَا أمَّـتِنـَا المَصيريَّة, نــُذكـِّرُ أنفـُسَنـَا وَنُذكـِّرُكـُم بمَا افترضَهُ اللهُ عَلينـَا وَعَـليكـُم مِـنْ فرائِضَ غير ِالصَّوم ِ وَالصَّلاة ِ, وَالحَجِّ وَالزكاة.
نـُـذكـِّرُ أنفـُسَنـَا وَنُذكـِّرُكـُم بالفريضَةِ الغَائبَةِ, بفرْض ِ الفـُرُوض ِ, بَـلْ بتاج ِ هَذِهِِ الفـُرُوض ِ جَميعا ً, الذي إذا أقيـمَ أقيمَتْ سَائــرُ الفـُرُوض ِ على وَجْهـِهَا الكامِل ِ وَالصَّحيح ِ, وَإذا غابَ هَذا الفرضُ مِـنْ وَاقع ِ المُسلمينَ كمَا هُوَ حَاصِلٌ الآنَ, نقـَصَ أدَاءُ هَذِهِ الفـُرُوضْ.
ذلكَ الفرْضُ الذي افترضَهُ اللهُ عَلينـَا وَعَليكـُم, ذلكَ الفرضُ الذي لا يَجوزُ لنـَا, وَلا لـَكـُم, وَلا للمُسلمينَ جَميعا ً في أنحَاء ِ المَعمُورَة, أنْ يَبيتـُوا أكثرَ مِـنْ ثلاثةِ أيام ٍ دُونَ إيجادِهِ وَتحقيقِهِ في وَاقع ِ المُسلمينَ, وَإذا لمْ يتلبَّسُوا بالعََمَـل ِ لإيجادِهِ وتـَحقيقِهِ أثِمُوا جَمِيعَا ً.
ذلكَ الفرْضُ الذي يَجبُ عَلينـَا وَعَـليكـُم أنْ نتـَّخِذ إزَّاءَهُ إجرَاءَ الحَياةِ أو ِالمَوتِ, أي أنْ نـَكـُونَ مُستعدِّينَ لأنْ نَدفـَعَ حَياتـَنـَا ثـمَنا ً في سَبيل ِ إنجازهِ وَتحقيقِهِ, وَفي سَبيل ِ إقامَتِهِِ وَإيجَادِهِ, كمَا فعَـلَ أسْلافـُـنـَا وَأجدَادُنا الصّحَابَة رضْوَانُ اللهِ عَـليهم أجْمَعينَ , وَكمَا فعَـلَ رَسُولـُنا وَقائدُنا وَقـُدوَتـُنا مُحَمَّـدٌ صلى الله عليه وسلم.
ذلكَ الفرْضُ الذي وُعِدْنـَا بتـَحقيقِهِ, في كِتابِ رَبـِنـَا عَزَّ وَجَلَّ, وَفي سُنـَّةِ نـَـبيـِّنا صلى الله عليه وسلم.
ذلكَ الفرْضُ الذي نُؤمِنُ إيمَانا ً يَقينيـَّا ً وَجَازِما ً بـِوقوعِهِ وَحُصُولِهِ. ذلكَ الفرْضُ الذي آنَ أوَانُهُ, وَاقترَبَ بـِمَشيئةِ الله ِ مَوعِدُ تـَحَقـُّـقِهِ وَإقامَتِهِ.
ذلكَ الفرْضُ الذي جَعَـلَ أمريكا بعَظمَتِها وَجَبَرُوتِها وَعُـنجُهيَّـتِهَا تـُـقدِمُ إلى المِنطقةِ بـِخَيلِهَا وَرَجـِلِهَا للحَيلـُولةِ دُونَ قِيَامِهِ وَتحقيقِهِ. ولكنْ خَابَ فألـُـهَا, وَحَبـِط مَسعَاهَا،{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}يوسف21.
ذلكَ الفرْضُ الذي هُوَ رئاسَة ٌ عَامَّة ٌ للمُسلمبنَ جَميعا ً في الدنيا لإقامَةِ أحكام ِ الشرع ِ الإسلاميِّ, وَحَمل ِالدَّعوَةِ الإسلاميَّةِ إلى العَالم ِ, وَهُوَ الفرْضُ الذي تـُنفـَّذ ُ بهِ كـُـلَّ الفـُرُوض ِ, وَتـُـقامُ بهِ أحكامُ الدَّين ِ, وَتـُصبحُ بهِ كلمَة ُ الله ِهِيَ العُـليَا في بلادِ الإسلام ِ, وفي سَائر ِأنحَاء العَالمْ. ذلكَ الفرْضُ الذي تـُصَانُ بهِ أعْرَاضُ المُسلمينَ, وَتـُحفظ ُ بهِ دِمَاؤهُم, وَتـُحْمَى بهِ بَيضَة ُ الإسلامْ.
ذلكَ الفرْضُ الذي كـَـلـَّـفـَنـَا وَكـَـلـَّـفـَكـُمْ بهِ رَبُّ العَالمينْ.
تـُرَى هـَـل عَرَفتـُمُوه ؟
إنـَّهُ فرْضُ إقامَةِ الخِلافةِ الإسلاميةِ الذي نـَسعَى وإيـَّاكـُم لِتحقيقِهِ وَإيجَادِهِ, دَاعينَ المَولى تبَارَكَ وَتعَالى أنْ يَجْعـَلـَنَا وإيـَّاكـُم أهلا ً لنـَصرِهِ وَتأييدِهِ, وَأنْ يُكرمَنـَا بـِقيَام ِ دَولةِ الخِلافـَة, وأن يجْعلـْـنـَا مِنْ جُـنـُودِهَا الأوفـِياء المُخلِصينْ، إنـَّهُ سُبحَانـَهُ وَتعَالى وَليُّ ذلكَ وَالقادرُ عَليهِ.