شرح مواد النظام الإجتماعي في الإسلام -ح4- شرح المادة 114
والتي نصها: (تعطى المراة ما يعطى الرجل من الحقوق، ويفرض عليها ما يفرض عليه من الواجبات، الا ما خصها الإسلام به، او خص الرجل به بالدلالة الشرعية، فلها الحق في ان تزاول التجارة والزراعة والصناعة، وأن تتولى العقود والمعاملات، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي اموالها بنفسها وبغيرها، وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها ).
إن الحقوق والواجبات التي تضمنتها التكاليف الشرعية، إنما هي للانسان وعلى الانسان، لأن الشريعة آتية للإنسان، وليس للرجل بوصفه رجل، ولا للمرأة بوصفها امرأة، بل للإنسان من حيث هو إنسان، فإذا استعرضنا بعضا من الأدلة على ذلك من القرآن الكريم، نجد أن الانسان هو المقصود بالتكاليف ، ففي قوله سبحانه وتعالى (يا أيها الناس اعبدو ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) وقوله: (يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم)، وقوله: (يا أيها الذين امنو مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الارض)، وقوله: (يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين)، وقوله: (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، وقوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل)، وقوله: (خذ أموالهم صدقة).
إن المخاطب في كل هذه الايات وفي غيرها، هو الإنسان، وليس الرجل او المرأة، وهذا مأخوذ من عموم الخطاب، والعام يبقى على عمومه في كل حكمٍ منها، ما لم يرد في الشرع حكمٌ خاصٌ بالمرأه بنص خاص، أو خاص بالرجل بنص شرعي، وعندها فقط يكون التخصيص. والشريعة لابد وأن تبقى على عمومها للانسان بغض النظر عن كونه رجلاً او امرأه، يقول سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعاً)، والناس هم عموم الناس، ذكر أو انثى ، غير مقيد بجنس أو لون أو مكان أو دين.
لقد جاءت أحكام معينه خاصة بالمرأه ، وجاءت أحكام معينة خاصة بالرجل، فيجب أن يوقف تخصيص المرأة بالاحكام الخاصة بها، وتخصيص الرجل بالاحكام الخاصة به عند حد هذه الأحكام لا يتعداها، وعند حد النصوص التي جاءت بها، فالتخصيص للمرأة أو الرجل، بأحكام معينه جاء من أحكام خاصة بالمرأة دون الرجل، مثل أنها تفطر وتترك الصلاة في رمضان عند الحيض أو النفاس ، وتُقبل شهادة النساء وحدهن في الأمور التي تحدث في جماعة النساء فحسب، ولا يكون فيها الرجال، كجناية حصلت في حمام النساء ، ويكتفى بشهادة امرأة واحدة في الأمور التي لا يطلع عليها الا النساء، كشهادتها في البكارة والثيوبة والرَضاعة، وجعل نصيب المرأة في الميراث نصف نصيب الرجل في بعض الحالات، قال سبحانه وتعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثلُ حظ الأُنثيين)، وهذا في العُصبات، كالأولاد والإخوة، والإخوة الأشقاء، والأخوة لأب، لأن واقع الانثى في ذلك أن نفقتها واجبة على أخيها إن كانت فقيرة، ولو كانت قادرةً على العمل، وجعل نصيب الانثى في ذلك مثل نصيب الذكر في بعض الحالات ، قال سبحانه وتعالى: (وان كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةٌ وله أخٌ أو اختٌ فلكل واحد منهما السدس ، فان كانوا أكثرَ من ذلك فهم شركاء في الثلث).
وهنالك أحكام خاصة بالرجال دون النساء ، مثل الحكم أي السلطان ، فإنه لا يصلح أن يتولاه الا الرجال، فهذا خاص بالرجال لورود النص فيه، ويحصر بما ورد النص فيه أي بالحكم و السلطان ((ما أفلح قومٌ وَلوا أمرهم امرأة))، فالنهي عن تولية المرأة للحكم، يعني أن الحكم موكول للرجل’.
وجعل الاسلام الصداق أي المهر على الرجل للمرأه، وجعله حقاً لها عليه، مع أن الاستمتاع هو لهما معاً ، وليس للرجل وحده، قال سبحانه وتعالى: (وآتوا النساء صَدُقاتهن نِحله ، فان طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)، ومعنى نحلة، أي هو عطية اذ الصداق عطية ، وليس هو بدل البضع.
وجعل الله العمل لكسب المال فرضاً على الرجل، ولم يجعله فرضاً على المرأه بل مباحاً لها ، ان شاءت عملت وان شاءت لم تعمل، قال سبحانه وتعالى: (ليُنفق ذو سعة من سَعته)، ولفظة ذو لا تطلق الا على الذكر، وقال سبحانه وتعالى: (وعلى المولود له رزقُهُنَ وكسوَتُهُنَ بالمعروف)، فجعل النفقة على الذكر.
كما جعل أمر القوامة للرجال على النساء ، وجعل لهم القيادة والأمر والنهي، قال سبحانه وتعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فَضل الله بعضَهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحاتُ قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ان الله كان علياً كبيراً).
كما جعل إمامة الصلاة، والولاية في النكاح، وجعل الطلاق بيده، كما جعل له حق تأديب زوجته بالتذكير الجميل، وبالهجران في المضاجع وبالضرب غير المبرح.
هذا هو موضوع الحقوق والواجبات أي التكاليف الشرعية، التي قد شرعها الله سبحانه وتعالى للإنسان من حيث هو انسان، ولكل نوع من نوعي الإنسان، وذلك بعموم الادلة وعموم كل حكم من أحكام الشريعة، وبالأدلة التي اختصت بالرجال، والأدلة التي اختصت بالنساء، فيكون بذلك، لم يجعل الأعمال التي يغلب على تسييرها الرجال حكرا عليهم، فان للمرأة أن تشتغل في التجارة والزراعة والصناعة كما يشتغل الرجل، وتقوم بجميع التصرفات القولية من عقود ومعاملات، وتتملك ُ بأي سبب من أسباب الملكية، وتنمي أموالها بالطرق الشرعية، وتتولى التعليم، وتقوم بالجهاد، وتشتغل بالسياسة، وتنخرط بالأحزاب السياسية ، وتحاسب الحكام، وتباشر جميع شؤون الحياة كما يباشرها الرجل سواءٌ بسواء، وذلك بجميع ما فيها من تبعات، وما تحتاجه من أعمال ، ولا يراد أن يتميز الرجل عن المرأة أو المرأة عن الرجل في الإسلام كما يدعي أعداء الإسلام، إذ الإسلام قد كرمها في كل شأن من شؤون حياتها .
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاجتماعي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق