كيف نبني وكيف نهدم – مَنْ لا يَهْتَمُّ بأمرِ المُسلمين فليس منهم
إن الاهتمام بقضايا الأمةِ الإسلاميةِ فرضهُ الله تعالَى علَى أمتنا الخيرة . ولكن اليوم الشبابُ المسلمُ يهتمُّ بقضايا هامشيةٍ ويتركونَ القضايا المصيريةَ، فمثلاً تجدُهم يهتمُّونَ بالمظاهرِ والمادياتِ فيقيسونَ نجاحَهُم في الحياةِ بحجمِ الراتبِ وفَخامةِ الملبسِ والمنزلِ والسيارةِ والشهاداتِ الجامعيةِ. ومعَ كلِّ هذا التفاخرِ تجدُ المستوَى الفكريَّ والثقافِيَّ متدنٍ ، فإن سألتهم عن نوع السيارة حفظوها وعرفوها وإذا سألتهم عن نجوم اليوم الإفتراضيين طبعا – كنجوم الرياضة أو الغناء عرفوهم حق المعرفة ، ولكن إن سألتهم عن تأريخ الإسلام وتأريخ العِزة والمجد عن سيرة الصحابة رضوان الله عليهم ، وعن الخلفاء الذين حكموا الأمة بالإسلام لمئات السنين ، و عن العلماء وعن القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الأحكام الشرعية، لا يفقهون عما تتحدث وتصيبهم الحيرة ! فالواضح أنه يعيشُ شبابُ الأمةِ في فراغٍ فكريٍّ يجعلُهم يُعيثونَ في الأرضِ فساداً وليسَ لَهُم رأيٌ فيما يدورُ منْ حولِهم بل لا يهتمون به .
ونسمعُ كثيراً ممن يهمهم أمر شباب الأمة اليوم ، أنَّ الشبابَ لديهِم الكثيرُ منْ وقتِ الفراغِ الذي يحتاجونَ لتوظيفهِ في أعمالٍ مفيدَة ، فتوجَّهَ الكثير منهم لتشجيعِ الرياضاتِ المختلفةِ وأولوها اهتماماً أكثرُ منَ اهتمامِهم بقضيةِ احتلالِ فِلَسطينَ واحتلالِ أفغانستانَ والعراقِ ، فربَّما هذا الاحتلالُ بالنسبةِ لَهم ليسَ قضيتُهم مباشرَةً ولكنَّ فِرَقَ كرةِ القدمِ هيَ قضيتُهم الأولى ! فلمَاذَا تُؤثرُ لعبةٌ في شبابِنَا أكثرَ منْ قتلِ إخوانِهم منَ المسلمينَ ؟ الصحيحُ أنهُ قدْ طغتْ هذهِ النظرةُ الأنانيةُ ، نظرةُ الاهتمامِ بالمصلحةِ ، علَى المجتمعِ فصارَ مقياسُ الأعمالِ عندَ الشباب هو المصلحةُ، وتحكم هذا المفهومُ فِي أفكارِ ومشاعرِ المجتمعِ ، وقدْ خلقَ ذلك عندَ الشبابِ مفهومَ إلقاءِ اللَّومِ والمسؤوليةِ عَلى الآخرينَ ، وذلكَ لتفادِي القيامَ بالعملِ المطلوبِ منهُم وتهميش أهمية انخراطَهم معَ الأمةِ الإسلاميةِ في تحمُّلِ أمانةِ كون الأمة خير أمة أخرجت للناس وشهيدة عليهم أمام الله تعالى . وقدْ آثرُ الشباب البحثَ عنِ الراحةِ والغِنَى والحياةِ الرغدةِ . وربما أول سببُ في ذلكَ هوَ أنَّ الأنظمةَ الحاكمةَ فِي بلادِ المسلمينَ هي أنظمةٌ علمانيةُ تحكمُ المسلمينَ بدساتيرَ وقوانينَ غربيةٍ كافرةٍ ، فتأثرتْ كلُّ أنظمةِ المجتمعِ بنظامِ الحكمِ العلمانِيِّ وانفصلَتِ المجتمعاتُ والدولُ عنِ الإسلامِ فصارَتْ وُجهةُ نظرِ الشبابِ الغالبةِ وجهةَ نظرٍ علمانيةٍ بعيدة عنِ الحياةِ الإسلاميةِ. وأُبعدُ الشبابِ المسلمِ عنْ دينهِ ، وإستمرت حياةُ الناسِ في انفصالٍ وانعزالٍ عنِ الإسلامِ والأحكامِ الشرعيةِ وتطبيقها على أرض الواقع .
وتزدادُ الفجوةُ اتـِّساعاً بسببِ قمعِ الحكامِ وتكميمِ أفواههِم وكبتِ الشبابِ المسلمِ والضغطِ عليهم بتكاليفَ الحياة التي أثقلت كاهلَهم ، فيلهثُ وراءَ كسبِ الرزقِ وتحصيلِ العلمِ والدراسةِ ، ويُضطَّرُّ الكثيرونَ للهجرةَ وتركِ أهليهِم وأملاكِهم ليتخبَّطوا في بلادِ الغربِ الذِي يستغلُّهم ويستفيدُ منهُم . فكيفَ لهؤلاءِ الشبابِ أن يهتمُّوا بأمرِ المسلمينَ ؟ فما دامَ يعيشُ هذا المسلمُ في تعبٍ وكَبَدٍ في بلدِه وفي منطقتِه، فكيفَ يهتمُّ لغيرِه منَ المسلمينَ في بلادِه وفي بلادٍ أخرَى ؟ فماذا نتوقع من شباب أمة محمد ؟ ومنْ أيِّ زاويةٍ يجب أن ينظرُ المسلمُ لما يدورُ منْ حولِه؟
والأمةُ تمرُّ عليهَا أحداثٌ جسامٌ، وقضايا تتطلبُ اتِّخاذَ مواقفَ مصيريةٍ وجريئةٍ لتنتشلَها مما تعيشُه منْ ذُلٍّ ومهانةٍ تجلعها في ذيل الأممِ ، فمنذُ أنْ هُدِمَتْ دولةُ الخلافةِ سنة ألفٍ وتسعمئةٍ وأربعٍ وعشرين 1924م تشرذمَتِ الأمةُ الإسلاميةُ وتَمزَّقَ جسدُها الواحدُ وصارَتْ أمةً أُهدِرَتْ كرامتُها وهانَتْ علَى الناسِ وتدَاعَى عليهَا الغربُ الكافرُ بالاحتلالِ وتقتيلِ المسلمينَ ونهبِ ثرواتِهم وإنتهاك أعراضهم ، يساعدُهم في تمريرِ تلكَ السياساتِ عملاءُ منْ أبناءِ جلدتِنَا ، وهذهِ قضايا مصيريةٌ تحتاجُ لحلٍّ جذريٍّ واهتمامٍ بالغٍ منْ أبناءِ الأمةِ بتطبيقِ هذا الحلِّ ، فكيفَ نُحوِّلُ وجهةَ نظرِ أبناءِ الأمةِ لقضاياهُم منْ نظرةِ تهميشٍ إلى نظرةِ مسؤوليةٍ واهتمامٍ بالغٍ ؟ لفعلِ ذلكَ يجبُ أن نعلمَ أولاً منِ المتحكمُ في توجيهِ وجهةِ النظرِ هذهِ ؟ فهذا سؤالٌ في غاية الأهمية نحتاجُ لإثارتهِ عندَ الشبابِ المسلمِ لتحويلِهم إلى الإهتمام بالقضايا المصيريةِ وبإمور المسلمين تحقيقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم “. لا بدَّ لنا إذا أيها الحضور الكريم ، منْ وقفةٍ ناقدة للطريقة التي يعلم بها الشباب المسلم عن هذه القضايا المصيرية ، فلعلها تصلهم بصيغة مهمشة أيضا ، فأجهزة الإعلام اليوم مِنْ أقوَى المتحكمين في وجهةِ نظرِ الأمةِ تجاهَ قضاياهَا. وهناك وسائل إعلامية كثيرة منها المسموعة والمرئية والمقروءة والإنترنت التي تبثُّ بشكلٍ مكثفٍ سمومَها القاتلةَ الفتاكةَ لنشرِ العلمانيةِ وتوابعِها منَ الحرياتِ والديمقراطيةِ .
أصبحَتْ هذهِ الوسائلُ الإعلاميةُ مصدراً يلجأُ إليهِ ويأخذُ منهُ أبناءُ الأمةِ أفكارَهم ويُكوِّنونَ أراءَهم مِمَّا يسمعونَ ويشاهدونَ عَلى شاشاتِ التلفازِ ، ولذلكَ أصبحَ الكثيرونَ منهُم يتبنُّونَ وجهةَ نظرِ الإعلامِ في قضايَا أمتِهم ، بغض النظر عن البحث وراء مصدر الإعلام نفسه. فيهتم الشباب بالسيارات لأن الإعلام يهتم بها ولا يهتمون بقتل مسلم وإراقة دمه لأن الإعلام لا يهتم بذلك. ومثالُ ذلكَ مباراةُ كرةِ القدمِ بينَ منتخبَيِّ الجزائرِ ومصرَ التي لعبها الفريقينِ في السودانِ . فمَاذَا كانتْ ردةُ فعلِ المسلمينَ لكلِّ هذهِ الخلافاتِ التِي حدثَتْ بينَ أبناء مصر وأهل الجزائر والذي وصل الى حد الإقتتال ، بحسب الإعلاميين ، فالمتتبعُ لأخبارِ هذهِ المباراةِ يشعرُ كأنَّما تزجُّ وسائلُ الإعلامِ زجاً بالخلاف في أخبارها وتضخمه ، لزرع الفتن وتأجيجها بين أبناء الأمة الإسلامية وتركز على مفهوم القوميةِ العربيةِ الفاسد وتوحي للناس أنها تربطُ بين هذه البلاد ، بينما الرابط بينها هو العقيدة الإسلامية . فالسرعةٍ التي تناقلَتْ بها القنواتُ الفضائيةُ المصرية الحدث كانت ملفتة والتغطية المتواصلة ضخَّمتِ الخبر وعملت على زرع الإنشقاقَ وزادَتْ منْ تلكَ الخلافاتِ بالتراشقِ والتحليلاتِ المفصلةِ وكثرةِ اللغَطِ ، وكلُّ ذلكَ تركَ المسلمينَ في الثلاثِ بلادٍ حائرينَ لما حدَثَ لا يفهمونَ لِماذَا جرَى مَا جرَى وجعلَهم يُتابعونَ وسائلَ الإعلامِ بتركيزٍ لمتابعةِ أخبارِ هذهِ الفتنةِ في قنواتٍ فضائيةٍ متخصصةٍ لنقلِ أخبارِ الرياضةِ وكأنَّها مسألةُ حياة أو موتٍ ! وفي أذهانِهم تدورُ تساؤلاتٌ كثيرةٌ تركت بدون أجوبة شافية .
دعُونَا نقارنُ ذلكَ الحدثَ بما يجرِي منْ أحداثٍ تجري في السودانِ نفسِه، فنجدُ أنَّ المسلمينَ في السودانِ تمر عليهم أوضاعٌ حرجة، فالنظامُ الحاكمُ يلبسُ ثوبَ الإسلامِ بينَما أعطَى ولايةً للكافرِ عَلى المسلمِ ، فاقتسمَ حُكمَ البلادِ معَ الكفارِ واستفرد الكافر بجنوبِ السودانِ، وهذَا الوضعُ هوَ وضعٌ يُحرِّمُه الإسلامُ عَلى المسلمينَ، وبينَما يُؤججُ الإعلامُ الفتنةَ بينَ أبناءِ الجنوبِ وأبناءِ الشمالِ أصبحَ الكثيرُ منَ المسلمينَ يرونَ في الجنوبيينَ أعداءً وينادونَ بانفصالِ الجنوبِ ، وهوحقيقةً تمزيقٌ لأراضِي المسلمينَ في السودانِ ، ولا يَخفَى عَلى أحدٍ أنَّ انفصالَ جنوبِ السودانِ عنْ شمالِهِ سينتجُ عنهُ ضعفُ البلادِ وسيجعْلِهَا فريسةً سهلةً للمطامعِ الأمريكيةِ والأوروبيةِ النصرانية في المنطقةِ ، بالإضافةِ إلى ان قبولِ هذَا الانفصالِ حرامٌ شرعاً، لأنَّ الأرضَ جميعُها أراضٍ ملكٌ للمسلمينَ . وللأسف تَبنَّى الكثير منَ المسلمينَ في السودانِ وجهةَ نظرِ الإعلامِ في هذه المسألةِ ويتمثل ذلك في صمت الرأي العام على هذا المنكر وعدم إستنكاره بصوت عال. بينما خرج الناس إلى الشوارع يوم مباراة الجزائر ومصر يهتفون كلا لمن يشجع من الفِرق ! فالواضح أن الإعلام قد تلاعب بشبابنا وعقولهم وبل وبمشاعرهم أيضا .