مع الحديث الشريف – الرفق
عن عائشة قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله، فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله: «يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: «قد قلت: وعليكم».رواه مسلم وفي رواية: «يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق. ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف. وما لا يعطي على ما سواه». وفي رواية أخرى«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».
الرفق هو اللطف في القول واللين في المعاملة. فعلى من أمر بمعروف ونهى عن منكر أن يتلطف في قوله، ويلين فيه، ولا يفحش، بل يتخير الألفاظ المؤدبة التي تقع في النفوس موقعا حسنا، فإن الكلام الحسن مفتاح القلوب. فإن لم ينفع ذلك جاز له الانتقال إلى الشدة والترهيب والتخويف.
وقد ذكر النووي فصلا في كتاب (الأذكار)، في أنه يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وكل مؤدب، أن يقول لمن يخاطبه في ذلك: ويلك، ويا ضعيف الحال، ويا قليل النظر لنفسه، أو يا ظالم نفسه، وأورد في ذلك أحاديث، منها: حديث عدي بن حاتم الثابت في صحيح مسلم: أن رجلا خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فقد غوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله». وروى فيه حديث جابر بن عبد الله: أن عبدا لحاطب جاء يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبت، لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية». وذكر فيه قوله صلى الله عليه وسلم لصاحب البدنة: «ويلك اركبها». وقوله صلى الله عليه وسلم لذي الخويصرة: «ويلك فمن يعدل إن لم أعدل».
جاء في (العواصم والقواصم) لمحمد بن إبراهيم الوزير اليماني ” واعلم أن للزجر والتخويف بالألفاظ الغليظة شروطا أربعة: شرطين في الإباحة، وهما: أن لا يكون المزجور محقا في قوله أو فعله، وأن لا يكون الزاجر كاذبا في قوله، فلا يقول لمن ارتكب مكروها: يا عاصي، ولا لمن ارتكب ذنبا لا يعلم كبره: يا فاسق، ولا لصاحب الفسق -من المسلمين-: يا كافر، ونحو ذلك. وشرطين في الندب، وهما: أن يظن المتكلم أن الشدة أقرب إلى قبول الخصم للحق، أو إلى وضوح الدليل عليه، وأن يفعل ذلك بنية صحيحة، ولا يفعله لمجرد داعية الطبيعة”.
والرفق واجب مع الأبوين بخاصة؛ لأن الله تعالى يقول: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما). قال الإمام أحمد بن حنبل: “إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة ولا يغلظ له في الكلام وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. وقال في رواية يعقوب بن يوسف: إذا كان أبواه يبيعان الخمر لم يأكل من طعامهم وخرج عنهم. وقال في رواية إبراهيم بن هانئ: إذا كان له أبوان لهما كرم يعصران عنبه ويجعلانه خمرا يسقونه يأمرهم وينهاهم فإن لم يقبلوا خرج من عندهم ولا يأوي معهم. ذكره أبو بكر في زاد المسافر”.وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: يا رسول الله، هل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه».
فالابن يأمر أبويه بالمعروف وينهاهما عن المنكر برفق ولين، ولا يجوز له أن يعنفهما أو أن يستعمل القوة معهما.