كيف نبني وكيف نهدم – من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم- ج2
في الحلقةِ الماضيةِ منْ “كيفَ نبنِي وكيفَ نهدمُ” تحدثنَا عنِ اهتمامِ شبابِ الأمةِ بمسائلَ سطحيةٍ وانفصالِهم عنْ قضايا الأمةِ المصيريةِ. والحديثُ عامٌّ أيها الحضورُ الكرامُ وهوَ عنِ الرأي العام السائدِ في يومِنا هذَا فليسَ كلُّ شبابِ الأمةِ هكذَا. والقضايا التي نقصدُ هيَ التي تمسُّ نهضةَ هذهِ الأمةِ الإسلاميةِ، فلبناءِ أجيالٍ منَ الشبابِ الواعي نحتاجُ لدولةٍ تحكمُ بما أنزلَ الله تعالَى. فهيَ التي ترعَى شؤونَ الشبابِ بالإسلامِ، وتعالِجُ مشاكلَهُم الحياتيةِ بتطبيقِ الأحكامِ الشرعيةِ. فبناءُ الوعيِ عندَ الشبابِ بقضايَا الأمةِ يكونُ مستمداً منَ الإسلامِ نفسُه، فمنْ مناهجَ تعليميةٍ أساسُها العقيدةُ الإسلاميةُ لتثقيفِ شبابِ الأمةِ بثقافةِ الإسلامِ منذُ نعومةِ أظفارِهم، وتعليمِهم تاريخَ أجدادِهم العريق، إلى بناءِ شخصيةٍ مؤمنةٍ قويةٍ واعيةٍ لِمَا أرادَ الله تعالَى منهَا، إلى نظامٍ عامٍ يطبقُ هذهِ الأحكامَ الشرعيةَ الشاملةَ لكلِّ مناحِي الحياةِ. فهدفُ المؤمنِ في حياتِه أنْ يعملَ عَلى نوالِ رضوانِ الله تعالَى وسعادتِه الحقيقيةِ يومَ يفوزُ بالجنةِ ويتزحزحُ عنِ النارِ.
وبناءُ هذَا الوعيِ ايضا يكونُ منْ خلالِ إعلامٍ ينقلُ للأمةِ هذهِ القضايا المصيريةِ بالحجمِ الذِي تستحقُّه وعَلى أساسِ مفاهيمِ العقيدةِ الإسلاميةِ الصحيحةِ. فإحتلالُ أراضِي المسلمينَ خبرٌ عاجلٌ يستنهضُ الأمةَ ويوحدُها ضدَّ العدوانِ، فيترجمُ ذلكَ إلى مطالبةِ الشبابِ بتحريكِ الجيوشِ لطردِ المحتلِّ الغاشمِ. وخبرُ الحاكمِ الخائنِ للإسلامِ خبرٌ لا يمرُّ منْ شبابِ الأمةِ التِي فرضَ الله تعالَى عليهَا محاسبةَ الحاكمِ، فالشبابُ هم قادةُ الأمةِ منَ العلماءِ المجتهدينَ وهُم جيوشُ المجاهدينَ وهُمُ الخلفاءُ الفاتحينَ. هذِه هيَ هُويَّتُهم وليسَ فكرة أنهم عديمِي الفائدةِ الذِينَ لا هدفَ لَهُم في هذهِ الحياةِ غيرَ تحصيلِ الأموالِ وصرفِهَا ببذخٍ عَلى ملذَّاتِ هذهِ الدنيا. واليومَ لا نجدُ هذهِ الدولةَ الإسلاميةَ في أيٍّ منْ بلادِ المسلمينَ فقدْ فَقَدَ الشبابُ الأبَ الرَّحيمَ والرَّاعي الحنونَ – خليفةَ المسلمينَ – الذِي يأخذُ بيدِهم إلى الجنة. فالمبدأُ الإسلاميُّ لا بدَّ له منْ دولةٍ تطبِّقُه. وغيابَ دولةِ الإسلامِ والتهاءِ شبابِ أمةِ محمدٍ بالدنيا بِسببِ إعلامٍ مضللٍ يعملُ عَلى تركيزِ غزوٍ ثقافِيٍّ غربِيٍّ كافرٍ، مكَّنَتْ له أنظمةً عميلةَ في بلادِ المسلمينَ، قدْ نتجَ عنهُ انحدارُ هذهِ الأمةِ الرائدةِ بينَ الأممِ وتسبَّبَ في انحطاطٍ فكريٍّ مزمنٍ ببُعدِهِم عنِ الدِّين. فمَا العملُ؟ وكيفَ نُنقذُ شبابَ المسلمينَ منْ براثنِ هذَا الواقعِ القبيحِ بكلِّ معنَى هذِه الكلمةِ؟
ومهمَا حقَّقَ ونال هَذا الشبابُ منْ ملذَّاتِ الدُّنيَا وأهدافٍ دنيويةٍ ومهمَا كانَتْ هذهِ الإهتماماتُ السطحيةُ والوقتُ المهدورُ الذِي يُضيِّعُهُ الشبابُ فيهَا، فإنَّ الواضحَ أنَّ الشبابَ غيرَ مطمئِنٍّ وأنَّ هناكَ كآبةً يشعرُ بِهَا وفراغاً فكرياً وعاطفياً كبيراً، فتصرفاتُه ومشاعرُه متناقضةٌ وحائرةٌ – شبابٌ غيرُ مرتاحٍ – فهو يلهثُ وراءَ هذهِ الدُّنيا وملذاتِها لكنه يعلمُ جيداً أنَّ هذَا الشعورَ بالسعادةِ شعوراً مؤقتاً وأنًّ الموتَ هوَ الحقيقةُ الوحيدةُ في حياتِه ويضايقُه بُعدُه عنِ اللهِ تعالَى وانتهاكِ حُرُماتِه، و أكيد لا يعجبُه الانفلاتُ والفاحشةُ في مجتمعاتِ المسلمينَ، وهو يَغيرُ علَى عِرضِ المسلماتِ فهُنَّ الزوجاتُ والأخواتُ والبناتُ، شبابُنا شباب مُحبَطٌ فالأنظمةُ الوقحةُ تُجبرُه عَلى الحرامِ ولا تدَعْ لهُ مخرجاً، فالغلاءُ الفاحشُ يكسرُ ظهرَهُ وإنْ أرادَ الزَّواجَ لا يثقُ بالكاسياتِ العارياتِ، والمجتمعُ جامدٌ فاقدٌ للرحمةِ يسهل ويتوقعُ مِنَ الشَّابِّ الفاحشةَ ويُحاربُ التَّقوَى والوَرَعَ بِحُجَّةِ التشددِ، وأيضاً مفاهيمُ الحريةِ والحوارِ والرأيِ والرأيِ الآخرِ مفاهيمٌ تتهاوَى ولا وُجودَ لَها في أرضِ الواقعِ. فالشابُّ لا فاعليةَ لهُ حقيقة في انتخابِ الحاكمِ ولا إختيار القوانينِ المطبقةِ عليهِ. فهوَ قدْ تَعِبَ وملَّ وباتَ يتماشَى معَ الواقعِ الفاسدِ المنهزمِ بدونِ تفكيرٍ، بينمَا هوَ يعلمُ أنَّ الله تعالَى قدْ كرَّمَهُ بالعقلِ، وأنَّ القرآنَ يحتوِي عَلى نظامٍ كاملٍ لحياتِه يضمنُ لهُ الطُّمأنينةَ والسعادَة في الدَّارينِ. فالحقيقةُ أنَّه لا يوجدُ منْ يهتمُّ بهِ هوَ كمسلمٍ! فالعملُ إذاً لتحقيقِ هذَا الاهتمامِ لهُ ولكلِّ المسلمينَ هوَ المطلوبُ، ولا سبيلَ إلى ذلكَ إلا بتطبيقِ شرعِ اللهِ فِي نظامِ حكمٍ عادلٍ. نظامُ حكمٍ مصدرُه القرآنُ والسنةُ. فهوَ السبيلُ لحمايةِ بيضةِ الأمةِ الإسلاميةِ منْ كبارٍ وصغارٍ وشبابٍ ونساءٍ و رجالٍ في كل الأعمار. بلْ نحتاج هذا النظام لحمايةِ البشريةِ جمعاء. فيجبُ عَلى الشبابِ أنْ يُفيقُوا منْ غَفلَتِهم وأنْ يُواجهُوا واقعَهُم التَّعِس وأنْ يتذكَّرُوا أنَّهم مُلاقُوا الله تعالَى لا محالة. والشبابُ هوَ مِحورُ موضوعِنا هذَا لأنَّ الإنسانَ يكونُ لهُ طاقاتٌ متفجرةٌ في عُمرِ الشبابِ فيجبُ عَلى كلِّ إنسانٍ رجلاً أو إمرأةً اغتنامُ شبابِه قبلَ هرمِه كمَا جاءَ في الحدِيثِ الشريفِ، وهُمْ مِمَّنْ يُظلُّهمُ الله تعالى في ظلِه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، الشابُّ الذِي نشأَ في عبادةِ ربِّه. والناظرُ لسيرةِ الصحابةِ رضوانُ اللهِ عليهِم جميعاً لوجَدَ أنَّهم كانوا صغاراً عندمَا حملُوا الأمانةَ معَ الرسولِ, صلَّى الله عليهِ وسلَّم، فأعمارهم كانت بينَ الثامنةِ والعاشرةِ وبين العشرين والثلاثين. فنصرة الإسلام تكون بالشباب، من النساء والرجال الذين يعملون كيد واحدة مع المخلصين من أبناء الأمة. فالحلُّ في البحثِ الدؤُوبِ عنِ المخلصينَ الذِينَ يعملونَ لتنقيةِ الإسلامِ ويُطبقونَ الأحكامَ الشرعيةَ ويهتمُّونَ بقضايَا الأمَّةِ المصيريةِ ويبينونَ الحكمَ الشَّرعيَّ لِحلِّ هذهِ القضايَا عَلَى أساسِ العقيدةِ الإسلاميةِ، فالشبابُ يَجبُ أنْ يبحثَ عنْ حَمَلَةِ الحقِّ، العامِلينَ لإقامةِ نظامِ الحكمِ في الإسلامِ – الخلافةُ الراشدةُ، فبهَا فقطْ تُستأنفُ الحياةُ الإسلاميةُ، فهذهِ قضيةٌ أساسيةٌ مصيريةٌ إنْ حُلَّتْ تُحلُّ بِها كُلُّ المشاكلِ الأُخرَى ، فالعقيدةُ الإسلاميةُ وتطبيقُ الأحكامِ الشرعيةِ منْ أوامرٍ ونواهِي في كلِّ أنظمةِ المجتمعِ هِيَ القضيةُ المصيريةُ الأولى ، فالخلافةُ تاجُ الفروضِ بِها يحصلُ تنظيمُ العلاقاتِ وفصلُ الخصوماتِ ورعايةُ المصالِحِ عَلى أساسِ الإسلامِ. فتَحفظُ بذلك العقيدةَ والدِّينَ والعقولَ والأموالَ والأعراضَ والأنفسَ. وتَحملُ ايضا الإسلامَ إلَى العالَمِ وتنشرُه بالجهادِ. ويتحقَّقُ الاهتمامُ بأمرِ المسلمينَ. فإلى العمل مع شباب وشابات حزب التحرير ندعوكم. فتابعوا معنا.
وصلي اللهم على سيدنا محمد وأستغفر الله لي ولكم ولشباب أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ونسأله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.