خبر وتعليق- بدأ العدّ التنازلي للقوة العظمى
(( مع بدايةِ هذا القرن بدأ العدّ التنازليّ للقوةِ العظمى ))
وصل حدّ الغرور في عهد إدارة الرئيس بوش الأب أواخر القرن الماضي أن اعتبر أنّ القرن الواحد و العشرين سيكون قرناً أمريكياً بامتياز ، و استند هذا الوهم إلى عدة عوامل منها زوال الإتحاد السوفياتي و عدم وجود قوة دولية أو مبدأية تنازع الولايات المتحدة ، إلا أنّه و مع بداية هذا القرن و استمراراً لسياسة نهب ثروات الشعوب و للنهج الاستعماري الذي يعتمد على غطرسة القوة و الغرور القاتل من جهة و العداء للإسلام و المسلمين من جهة أخرى ، فقد شنّ بوش الابن مطلع هذا القرن حربين بفاصل زمني قصير ، متوهماً تحقيق نصر سريع و حاسم و ذلك باحتلاله لبلدين مسلمين هما أفغانستان و العراق ، و جاء احتلال أفغانستان البلد الضعيف بكلّ سهولة ، و لم يخطر على بال أركان إدارة بوش الابن أنّ شعب هذا البلد غنيٌّ و قويٌّ بعقيدته الجهادية ، و أنّه يستطيع و استطاع بالفعل أن ينهض كالمارد من تحت الرماد ، و أن يحوّل ضعفه قوة ، و أن يوجّه للجيش الأمريكي و حلف الأطلسي ضرباتٍ موجعة بمختلف الوسائل و الأساليب القتالية ، و أن يوقع به خسائر مادية و بشرية و عسكرية و معنوية ، بحيث جعله عاجزاً و حائراً عن كيفية الخروج من هذا المستنقع الذي أوقع نفسه به ، و لم يعد يحلم بتحقيق نصرٍ أو مجدٍ أو حتى انسحابٍ مشرّف .
و ليس العراق بعيداً عن أفغانستان ، ففي سجن أبو غريب سقطت الأقنعة الزائفة عن وجوه مدّعي الحضارة الغربية و عن القيم التي تدّعيها الولايات المتحدة ، و في حرب الفلوجة سقط الجبروت الأمريكي و الآلة العسكرية المدمّرة أمام فئةٍ قليلةٍ مقاتلةٍ مؤمنةٍ ، و هذا هو حال الاحتلال الأمريكي في بقية مناطق العراق ، و لولا دعم القوى الإقليمية المجاورة للعراق و الموالية لأمريكا لما استطاعت أمريكا البقاء في العراق طيلة هذه المدّة ، و لما استطاعت الحكومة العراقية التي تتمتع بدعم الولايات المتحدة من البقاء و الاستمرار ، و هي – أي أمريكا – و إن استطاعت أن توجد جيشاً و مؤسساتٍ و أحزاباً إلا أنّها خسرت و فقدت الكثير من هيبتها و سمعتها و جنودها و دمّرت هذا البلد المسلم و قتلت أبنائه و نهبت ثروته .
و يبدو أنّ أمريكا خرجت من حربها و تورطها في أفغانستان و العراق بدروس و عبر ، ألَا تتورط مرّة أخرى في أي منطقة من العالم و خاصة العالم الإسلامي ، فتجنبت احتلال الصومال و الدخول في مواجهة مع الحركات الإسلامية المجاهدة فيه ، و حاولت أن تعتمد على أثيوبيا لتقوم مقامها في تصديها للمجاهدين ، إلا أنّ الأخيرة لم تستطع الثبات فانسحبت و بقيت الحكومة الصومالية الموالية لأمريكا تدعمها بعض الجماعات الصومالية وجهاً لوجه أمام الحركات الصومالية المجاهدة.
و لقد عادت هذه السياسات الهوجاء و الاحتلالات العسكرية لأكثر من بلدٍ بالضرر البليغ على الولايات المتحدة ، و أثارت مشاعر العداء لأمريكا في كلّ أنحاء العالم ، و قد أدرك قادة الحزب الديمقراطي و بعض سياسي الحزب الجمهوري ضرورة الخروج من هذا المأزق و إخراج السفينة الأمريكية من هذه الأمواج العاتية قبل أن تغرق ، فجاؤوا بالرئيس اوباما كاول رئيسٍ أسود يحكم الولايات المتحدة و جاؤوا بفكرة التغيير و بعض الشعارات البراقة أملاً في الخلاص من هذه الأزمات و الخروج من مستنقعات الحروب و الاحتلالات العسكرية ، و محاولة تبييض وجه أمريكا بعد أن اسود وجهها ، متوهمين إن هم فعلوا ذلك عادت أمريكا إلى ما كانت عليه قبل إدارة بوش الابن و أنّهم سائرون في طريق الخلاص و النجاة ، إلا أنّ هذا الأمل الذي راود أذهان إدارة اوباما و أذهان البعض سرعان ما اصطدم بالواقع المؤلم ، فما زال وضع أمريكا في العراق و الصومال حرجاً ، و يزداد تورطها في المستنقع الأفغاني و تزداد خسائرها أكثر فأكثر ، و تقف حائرة و عاجزة عن كيفية الخروج من هذا المستنقع الذي أوقعت نفسها به و أوقعها في أزمة أخرى مع البلد المجاور لأفغانستان و نعني بذلك باكستان ، و بدا للمراقب و حتى من السنة الأولى من رئاسة اوباما كأنّ هذا الأخير يعيد انتاج ما صنعته و انتجته إدارة سلفه بوش الابن .
و جاءت الأزمة المالية و الاقتصادية التي حدثت أواخر عهد بوش الابن و مع بداية ولاية اوباما لتعصف بالولايات المتحدة مالياً و اقتصادياً و معنوياً و هي القوة الاقتصادية الغاشمة التي تتربع على عرش العالم الاقتصادي بلطجة ، و كانت هذه الأزمة المالية و الاقتصادية نتاجاً طبيعياً للمبدأ الرأسمالي الذي يقوم على النهم الاستعماري و الجشع و الربا و الاحتكار ، و لا تزال امريكا و دول العالم تعاني من أثر هذه الأزمة حتى الآن .
و لم يقتصر الأمر على هذه الصدمات و الأزمات المتلاحقة بل هنالك صدمة أخرى تلقتها الإدارة الأمريكية الجديدة من حكومة كيان يهود ، تجلّى ذلك في ضعف الولايات المتحدة و إدارة الرئيس اوباما في عدم قدرتها أو رغبتها بفرض سياستها و رؤيتها للحل على هذا الكيان الغاصب ، و هذا العجز أو الضعف هو نتاج سياسات الإدارات الأمريكية السابقة الخاطئة و المدافعة عن هذا الكيان المحتل و امداده بالمال و السلاح ، بحيث لم تستطع أيّ من الإدارات السابقة أو الحالية من فرض رؤيتها للحل و إقامة دولتين في فلسطين إحداهما يهودية و أخرى فلسطينية ، يقابل هذا العجز و الضعف الأمريكي صلفٌ ما بعده صلف من حكومة كيان يهود ضاربةً عرض الحائط كلّ الحلول و متجاهلة بل و مستهترة بكل الجهود و الهيئات و القوى المحلية و الإقليمية و الدولية .
إنّ هذه الأحداث المتسارعة و ما شكلته من أزماتٍ متلاحقة قد حدثت خلال فترةٍ زمنيةٍ وجيزةٍ خلال هذا العقد الأول من القرن الذي نعيش فيه ، و هي من صنع أيديهم و فساد مبدئهم و جشعهم و غرورهم ، و هي نتاجٌ طبيعي لسياسات الاستعباد و إشعال الحروب و الفتن و نهب خيرات الشعوب ، و مهما تراءى للناظر من ازدهارٍ و قوة و نصرٍ في بعض الأحيان و الحالات ، ما هو إلا وهمٌ و حالات مؤقتة سرعان ما تزول مع الزمن ، و لولا ما تتمتع به أمريكا من قوة اقتصادية ذاتية و هيمنة خارجية لكانت هذه الأزمات و عوامل الضعف أكثر فتكاً و تأثيراً في جسم الولايات المتحدة ، و عودة الإسلام إلى الساحة الدولية متمثلاً بدولة الخلافة إن شاء الله و المكلفين بحمله إلى العالم هداية و نوراً و عدلاً كفيلٌ بأن يضع حداً لهذا الظلم و الطغيان الأمريكي و شتّى أنواع الجبروت و الاستكبار .
و صدقَ الله العظيم حيث يقول في كتابه العزيز (( استكباراً في الأرضِ و مكرَ السيّءِ و لا يحيقُ المكرُ السيّءُ إلّا بأهلهِ فهل ينظرون إلّا سُنّتَ الأوّلينَ فلن تَجِدَ لسُنّتِ اللهِ تبديلاً و لَن تَجِدَ لسُنّتِ اللهِ تحويلاً )) سورة فاطر آية 43 .