شرح مواد النظام الإجتماعي في الإسلام- ح7
والتي نصها: (المرأة تعيش في حياة عامة وفي حياة خاصة، ففي الحياة العامة يجوز أن تعيش مع النساء والرجال المحارم والرجال الأجانب على أن لا يظهر منها الا وجهها وكفاها، وغير متبرجة ولا متبذلة، وأما في الحياة الخاصة فلا يجوز أن تعيش إلا مع النساء أو مع محارمها، ولا يجوز أن تعيش مع الرجال الأجانب، وفي كلتا الحياتين تتقيد بجميع أحكام الشرع )، .
أقتضت إرادة الله تعالى: أن يكون للأنسان حياة عامة وحياة خاصة، ففي الحياة العامة خارج بيته، يعيش الإنسان رجلا كان أو امرأة في المجتمع وبين الناس، يتعامل معهم بأسواقهم فيبيع ويشتري، ويقوم بالواجبات والمندوبات والمباحات، فيحج ويعتمر، ويصلي جماعة، ويتعلم في المدارس والجامعات، ويقوم بالتطبيب والتمريض والزراعة والصناعة وما شابه ذلك. ووضع له أحكاما شرعية تضبط سلوكه، وتجعله إنسانا فريدا من نوعه، في مجتمع يختلف عن كل المجتمعات.
وجعل له حياة خاصة في بيته، ووضع لها أحكاما شرعية تفيض رحمة وتقيها البؤس والشقاء.
ففي هذه المادة، أعطى الشارع للمرأة الحق أن تعيش الحياة العامة وأن تعيش الحياة الخاصة، لأنها لا تستغني عنهما إطلاقا، فالله سبحانه وتعالى: أباح لها أن تعيش في الحياة العامة مع الرجال المحارم ومع الأجانب، عندما أباح لها أن تقوم بأعمال التجارة والصناعة والزراعة، وأن تعمل في وظائف الدولة والقضاء والإنخراط في الأحزاب السياسية ومحاسبة الحاكم وفي التعليم والتطبيب والوكالة والكفالة وما شابه ذلك. ولكنه سبحانه وتعالى: وضع إلى جانب هذه الإباحات أحكاما شرعية ألزمها بها، فحدد لها اللباس الذي يجب أن تظهر فيه في الحياة العامة، فيجب أن يكون هذا اللباس ساترا لجميع بدنها ما عدا وجهها وكفاها، وذلك عند خروجها من بيتها في الطريق العام وفي الأسواق، فأوجب عليها أن تكون لها ملاءة أو ملحفة تلبسها فوق ثيابها وترخيها إلى أسفل حتى تغطي قدميها، فإن لم يكن لها ثوب، تستعير من جارتها أو صديقتها أو قريبتها ثوبها، فإن لم تستطع الاستعارة، فعليها أن لا تخرج، فإن خرجت تكون آثمة، لأنها تركت فرضا فرضه الله عليها. هذا من حيث اللباس الأسفل بالنسبة للنساء.
أما من حيث اللباس الأعلى، فلا بد أن يكون لها خمارا، أو ما يقوم مقامه من لباس يغطي جميع الرأس والرقبة وفتحة الثوب على الصدر، وأن يكون هذا هو لباسها في الطرق والأسواق، أي لباس الحياة العامة، وبغير هذا اللباس أو ما يشبهه لا يصح للمرأة أن تخرج من بيتها للأسواق مطلقا.
والدليل على ذلك قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، وقوله في لباس الأسفل ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهم)، وما روي عن أم عطية أنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق والحُيّض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال لِتُلبسها أختها من جلبابها)، أخرجه مسلم.
وبهذا الوصف الدقيق يتضح بأجلى بيان، ما هو لباس المرأة في الحياة العامة، وما يجب أن يكون عليه، وأنه لا يجوز أن يُرى منها إلا وجهها و كفاها. لقوله سبحانه تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها). قال أبن عباس يعني الوجه والكفان.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا حاضت المرأة لم يجز أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل )، وقوله صلى الله عليه وسلم: لأسماء بنتِ أبي بكر: ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ).
فهذه الأدلة صريحة بأن جميع المرأة عورة ما عدا وجهها وكفيها، وأنه يجب على المرأة أن تستر عورتها، أي جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين .
أما التبرج، وهو إظهار الزينة والمحاسن للأجانب، فقد جاءت الأدلة الناهية عنه، قال تعالى: ( ولا يضربن بأرجلهن لِيُعلَم ما يخفين من زينتهن)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية )، أي كالزانية .
أما حياة المرأة الخاصة فقد حددها الشرع، فمنعها أن تعيش إلا مع النساء أو محارمها أو مع الطفل، فقد منعها أن تظهر في هذه الحياة الخاصة في لباس التبذل ألا على النساء والمحارم والأطفال، قال تعالى: ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن، أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الأربة من الرجال، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء )،، فهذا دليل على أن للمرأة حياة خاصة، عندما فرض عليها العيش وهي في لباس التبذل في البيت وإظهار الزينة لمن جاءوا في الآية. أما الدليل الآخر على الحياة الخاصة للمرأة فهو الاستئذان، سواء أكان الداخل مَحْرَمَاً أو غير محرم، لقوله تعالى: ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها )،، فسبب نزول هذه الآية، أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد، فيأتي الأب فيدخل علي. وأنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت آية الإستئذان هذه.
فإذا قُرن سبب النزول هذا بمنطوق الآية ومفهومها فإنه يدل على أن المسألة في الحياة الخاصة وفي حالة تبذل المرأة في بيتها.
أبو الصادق