مناورة ممجوجة وسابقة
بالأمس القريب وقف محمود عباس رئيس ما يسمى بمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس سلطة أوسلو الذي ابتلي به وبأمثاله شعب فلسطين وقف ليعلن أنه لا يود ترشيح نفسه لرئاسة سلطة أوسلو في فلسطين، وذلك لأسباب عدها أهمها تعنت حكام دولة يهود في فلسطين المغتصبة والتي يعمل عباس وزمرته على تثبيت هذه الدولة المغتصبة بشتى الوسائل والأساليب الأمنية والسياسية.
إن المتبع للأحداث التي وقعت خلال الشهور الماضية يرى أن أهم حدث وقع هو مجيء الليكود بزعامة نتنياهو إلى الحكم في إسرائيل. نتنياهو هذا من الوضوح في مواقفه لخدمة شعبه اليهودي في فلسطين ما يجب أن يحسده عليه كل الزعماء العرب وخصوصا ً الزعماء الذين تحيط دولهم بفلسطين. إن مواقف نتيناهو عرت محمود عباس وزمرته الباغية، ولم تبق لهم حتى ورقة التوت ستر عوراتهم وسوءاتهم.
بمجيء نتنياهو وفريقه الحاكم وجد عباس نفسه مكشوفا ً دون غطاء يهودي أو دولي، فوقف الاستيطان – هذه المظلة التي كان يتقي بها عباس ضربات الداخل والخارج ويتسربل بها ليخفي به سحنة الخيانة والولاء لإسرائيل ودول الكفر في أوروبا وأمريكا- لم ولن يتحقق منها شيء.
لقد استبشر عباس خيرا ً بمجيء أوباما إلى حكم أمريكا وظن مخطئا ً أن أوباما سينصفه وما درى أن حكام أمريكا الحقيقيين الذين لا يظهرون للعامة هم من يحدد السياسة الأمريكية.
صحيح أن أوباما تكلم عن الاستيطان وضرورة وقفه حتى يعطي عباس المبرر للدخول في المفاوضات مع اليهود، ولكن نتنياهو رفض ذلك وأصر على أنت تبدأ المفاوضات بدون شروط مسبقة، ونتيجة لذلك صارت أمريكا على لسان وزيرة خارجيتها تقول إن وقف الاستيطان يجب ألا يكون شرطا ً لبدء المفاوضات، واجتمعت بوزراء ما يسمى بالدول العربية في المغرب وأبلغتهم بذلك طالبة منهم أكثر من ذلك – طالبة منهم بدء التطبيع من اليهود حتى يشجعوهم على الدخول في المفاوضات. نعم طلبت منهم التطبيع وما أظن إلا إنهم فاعلون إما صراحة أو على استحياء.
كما أن الوضع الداخلي في فلسطين من انقسام حاد في المواقف بين الضفة الغربية وانقسام للناس هناك ومعظهم يشيرون بأصابع الاتهام إلى عباس وزمرته وأنهم سبب هذا الانقسام والتشرذم والخلاف في المواقف، وأن ما يلاقيه أهل غزة من حصار وتجويع إنما سببه عباس وزمرته. هذا الوضع جعل عباس يفكر كثيرا ً في موقفه وخصوصا ً بعدما ألزم نفسه بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أوائل العام القادم، ولا ندري كيف ستكون هذه الانتخابات المستحيلة بوجود الانقسام في المواقف وعلى الأرض، فهو لا يستطيع أن يجري الانتخابات في غزة، ولا يمكن أن يكون في الضفة الغربية فقط، وهنا وجد نفسه في زاوية لا مخرج له منها.
وكذلك فإن عباس راهن على مدير جهاز مخابرات مصر لإجراء الحوار والمصالحة مع الطرف الآخر في غزة المحاصرة، ولم يدر أن مصر غير جادة في إجراء المصالحة الفلسطينية لأسباب تخص وضعها الداخلي والحدودي.
أما القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون فهو موقفه المخزي من تقرير جلادستون والذي يدين حكام إسرائيل وجيشها بالقيام بأعمال إجرامية في غزة من تدمير للبيوت والمساجد والمدارس وقتل للأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال. هذا التقرير والذي أمر عباس مندوبه لدى لجنة حقوق الإنسان أن يطلب عدم مناقشة هذا التقرير إنقاذ إسرائيل من إدانة ما يسمى بـ ” المجتمع الدولي” على ما قامت به من فظائع في غزة، وهنا يتبين لكل ذي بصر وبصيرة أن عباس إنما هو خادم ذليل لدى حكام إسرائيل وأنه ينفذ ما يؤمر به أعداء الأمة ومغتصبو الوطن.
هذه هي الأوضاع التي وجد عباس فيها نفسه؛ مكشوفا ً من كل غطاء، تشير إليه أصابع الاتهام أينما حل ونزل مكان، لا بد من القيام بمناورة يسترجع بها بعض ما فقد من ماء الوجه أمام أهل فلسطين وحتى العالم، فأعلن أنه لا يودّ أن يرشح نفسه للرئاسة مرة أخرى وهو يعلم أن زمرته والمطبلين والمزمرين من حوله سيعملون ما بوسعهم لاسترجاع ما فقد من شعبية رخيصة، ولا أدلّ على ذلك من أنه أخذ يجوب بلدان الضفة الغربية مخاطبا ً الجماهير التي يتم حشدها لأخذ البيعة من الناس من جديد، مقتديا ً بالدجال الأكبر الذي سبقه إلى هذا الأسلوب الرخيص لكن هناك فارق واحد هو أن الزبانية جلبت الناس إلى القاهرة لتطالب عبد الناصر بالبقاء وعدم الاستقالة، وأما عباس فهو يذهب إلى الناس في بلدانهم مستدرّا ً عطفهم ويسمي هتافات رجال الأمن وما أكثرهم بيعة جديدة لعباس، وأخشى ما نخشاه أن يتخذ هذه الهتافات الكاذبة والتي يصدرها رجال دايتون ودحلان استفتاء على رسالته فيعلن المزمرون والمطبلون أن هذه البيعة تكفي عن الانتخابات، وينادى به رئيسا ً على فلسطين المنكوبة بأبناء لها خونة باعوا أنفسهم للشيطان لقاء دريهمات معدودات.
من هذا نرى أن عباس مصر على السير في درب الخيانة لإكمال ما بدأه في أوسلو وكذلك نرى أنه لم يتعظ مما حصل لعرفات حيث أن فلسطين قتلته على أيدي أقرب المقربين إليه.
وفي الختام أسأل الله – تعالى- أن يجنب المسلمين ومنهم أهل فلسطين الفتن وكيد الخونة وأن يوفق العاملين لإقامة دولة الخلافة لإعلانها ورفع راية الجهاد لتحرير فلسطين وكافة أراضي المسلمين من رجس الكفار إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وهو نعم المولى ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،