نصائح للآباء والأبناء- الصاحب والصديق
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم، والصلاةُ والسَّلامُ علَى أشرفِ الخلقِ والمُرسَلين محمد بنِ عبد الله وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وَمَن والاه,
هذه المرة سنتطرق لموضوع لطالما كدر صفو الآباء والأمهات الذين يخافون على رعيتهم .وهذا الموضوع هو من صاحب ولدي ؟!!؟؟؟ إن الله سبحانه وتعالى أمر بوقاية الأهل والأبناء من نار وقودها الناس والحجارة ,لذا كان لا بد من الاهتمام بصبغ الولد بصبغة الإسلام وتوفير كل السبل والحيل المتاحة من أجل غرس مبادئ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس أولادنا لترقى النفس وتنال شرف الرضا من الله سبحانه وتعالى .ولأننا نخصص حديثنا مع الآباء أولا كان لا بد من التنويه هذه المرة أن الأصل في التربية الإسلامية آن يعمل بها حسب قاعدتين : قاعدة التذكير وقاعدة التحذير .لذا كان لزاما لكل من يعتقد بالإسلام ديننا أن يوضح معالم الدين لأبنائه ويكون ذلك بالتذكير بالولاء لله عز وجل ولنبيه صلى الله عليه وسلم، وبالإرشاد إلى العمل الحلال، وأن ثمن هذا كله الفوز برضا الله والاستقرار بالجنان. فالأصل عبادة الله في كل الأعمال. فإن تمت المحافظة على هذه القاعدة عند التواصل أثناء تربية الأبناء كانت نتائج التربية أقوى لان ثمار نفوسنا تنشا في تربة خصبة تمتاز بالمحافظة على عبادة ربها وربط كل أعمالها بنيل رضاه عز و جل وهذه أولويات المسلم الفطن لنفسه ولأهله ولأمته .
أما القاعدة الثانية للتربية فهي قاعدة التحذير وبها تركز جميع الجهود لكشف كل مظاهر الباطل المحيطة بحياة المسلم بداية بشاشات العرض إلى البيئة المحيطة إلى مناهج التعليم إلى عربدة الكافر المحلي ومنها إلى كشف طغيان وعربدة الكافر الصليبي ومحاولاته سلخ كل ما هو إسلامي من حياتنا.
ويجب تفهيم الأبناء أن الصراع بين الحق والباطل صراع ابدي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .وأن الباطل عقيدة واحدة وما اختلفت صوره وحيله على مر الزمان إلا تماشيا مع متطلبات الواقع الذي يسكنه أتباعه .
وينبغي التوضيح للأبناء أن الدنيا هي دار الابتلاء ويجب الصبر فيها على التزام طريق المحجة البيضاء وأن خير ما يعينهم على الصبر على نوائب الدهر بعد التسلح بقاعدتي التربية المنبثقة عن العقيدة الإسلامية الصحبة الحميدة التي تأخذ بيد صاحبها إلى دار المستقر وهي الجنة إن شاء الله .
في الإسلام أصحاب ولدي كثر، أولهم الأم وثانيهم الأب وثالثهم الإخوة أي الأسرة فالأصل أن نزرع بذور الصحبة الصالحة من رفق ولين وحسن جوار ورحمة واحترام متبادل في داخل البيت وبين جميع أفراده منذ اللحظة الأولى، فبين الأب والأم ،صحبة الجنب، وبين الوالدين والأبناء صحبة الإحسان والبر وبين الأولاد بعضهم البعض صحبة الإيمان والبنيان، فالأصل أن يشد بعضهم بعضًا .
إن العلاقة بين الوالدين والأبناء، والإخوة فيما بينهم ،علاقة تسليم لقضاء الله . فلا الأبناء يختارون ذويهم، ولا الوالدين يختارون أبنائهم، ونستخرج هذه المعاني للصحبة، من الأدلة الشرعية التالية:
ففي سورة عبس آية 36 يقول عز وجل:{وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ } وأيضا في سورة الإسراء آية 23 يقول سبحانه {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } وكذا في سورة لقمان آية 14 {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء في آية 36 {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }.
وفي الحديث الشريف أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :يا رسول الله, من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أمك. قال:ثم من قال:أمك قال ثم من؟ قال أبوك.
ومن كل ما سبق ذكره، ينبغي للأب والأم، الانتباه لمراعاة أسس التعامل فيما بينهم فالأصل، أن تكون عشرة المعروف هي الأساس لكل التصرفات في كل المواقف بينهما، لأنها البادرة الأولى والمثل الأول الذي يلمسه الولد لحسن الصحبة، وطيب العشرة, لان الآباء هم القدوة المباشرة للأبناء سواء تقصد لذلك أو لم يتقصد .
وأما بذور الصحبة بين الأبناء في نطاق رابطة الأخوة فهي واجبة لصلة الرحم بينهم فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن الله عز وجل :(أنا الله وأنا الرحمن …خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي؛ فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته) . والصحبة واجبة للأخوة في الدين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم “.
هذا الذي ينبغي أن يكون في داخل الأسرة المسلمة حتى تسكن النفس وتهنأ من طيب عيش .إلا أن حدود تواجد الأصحاب لا تقف ها هنا بل تتوسع كلما كبرت دائرة المعارف للعبد المسلم .وهنا نلتفت لكم أبنائي ونقول إن نصيحة اليوم ستكون بمثابة توضيح للمعايير الإسلامية لاختيار الصاحب، لأنه بتحديد المعايير لاختيار الصاحب سنضمن لكم أبنائي سهولة الاختيار، وصلاح الاختيار. أما الالتزام بهذه المعايير فتاتي واجبة في حقكم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح في حديث له أسنده الطبري “…………..فقال صلى الله عليه وسلم :”كلا يا فلان إن كل صاحب يصحب آخر فانه مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهار .
ومن الجميل أن تسمع ما قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن :”للسفر مروءة وللحضر مروءة ؛فأما المروءة في السفر فبذل الزاد ،وقلة الخلاف على الأصحاب ،وكثرة المزاح في غير مساخط الله وأما المروءة في الحضر فالإدمان إلى المساجد ،وتلاوة القرآن وكثرة الإخوان في الله عز وجل ” .
فالنص الأول يكشف عن المسؤولية التي تقع على عاتق المسلم تجاه صاحبه والثانية تكشف عن آداب الصحبة .والآن نطرق باب المعايير لاختيار الصاحب في الإسلام.
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
وقال الله تعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }الزخرف67
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب إلا مؤمناً) . وقال: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل) .
هذه النصوص الشرعية واضحة الدلالة على أن الصاحب الذي يرضاه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، هو مَن أزكى علماً، وأشد اتباعاً للسنة، وأحسن خلقاً، وأكثر حرصاً على خدمة الدين والدعوة إلى الله .أي من همه إرضاء الله ومن أن تراه يذكرك بالله.
وبما أن القلوب تتآلف فتتقارب حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (المرء مع مَن أَحَب).
لذا ،من الحكمة للعبد المسلم أن يصاحب من يحبه الله ورسوله لأن الله عز وجل قال: (وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ) كما جاء في الحديث الصحيح القدسي.
كما أن لمجالسة الأصحاب الأخيار بركة تعم الحاضرين في مجالسهم حيث : (تقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله للملائكة: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) نعم هم والله كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل الجليس الصالح ،والجليس السوء كمثل حامل المسك ،ونافخ الكير،فحامل المسك إما أن يحذيك ،أو تشتري منه ،أو تجد منه ريحا طيبة ،ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ،أو تجد منه ريحا منتنة ” يا الله !!!!!!لا يحرم من الفضل من جالسهم وإن جاء لحاجة .
فهم بذكرهم الله، يناديهم المنادي من السماء: (قوموا مغفوراً لكم) فما أعظمها نعمة إذا كانوا سيقومون وقد غُفِر لهم!فهم والله خير من يؤتمن على وقت وعمر بصحبتهم الطيبة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البركة في ثلاث: الجماعة، والثريد، والسحور) .
وأما رفقة السوء فقد حذرنا الله تعالى من أهل السوء، ففي سورة الأنعام آية68 :يقول الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } .هؤلاء الذين يتبرأ بعضُهم من بعض، ويقول الواحد منهم يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً }الفرقان:28ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ في دعائه من صاحب السوء فيدعو (اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة) لأن الصاحب ملازم؛ فإذا كان صاحب سوء فكيف يسلم من شره؟ نعوذ بالله من صاحب السوء وقرين السوء الذي لا يمكن أن نأمنه على شيء؛ لا على عرض، ولا على مال، ولا على سر، لا يعيننا على خير، بل ويزين المعصية، ويحث على الخبث. ، وإذا أنعم عليه كفَر، وإذا أنعم علينا مَنَّ . قال ابن الجوزي رحمه الله: “فالعجب ممن يترخص في المخالطة وهو يعلم أن الطبع يسرق، وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل ليُستفاد منه، فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي، إلا إذا كانت للتذكير والتأديب”.
من لم تجانسه احذر تجالسه ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل
فأين نجدهم…….. ،أين يوجد الصاحب الصالح الذي ينتفع به؟
عن الحسن ابن علي رضي الله عنهما قال: [من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثمان خصال: آية مُحكمة، وأخاً مُستفاداً، وعلماً مُستطرَفاً، ورحمةً منتظَره، وكلمةً تدله على هدى، أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياءً، أو خشية].نعم هم أين يذكر الله ،في بيوته ، ودور علمه ، ومجالس ذكره ، وساحات فكره.إن سعينا للبحث فذاك مكانهم والكلمة الطيبة عطرهم وسيماهم في وجوههم
قال بعض السلف : عليكم بإخوان الصدق، فإنهم زينة في الرخاء، وعصمة في البلاء. وقد روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: [لولا ثلاثٌ ما أحببت البقاء ساعة: ظمأ الهواجر -الصيام في النهار الحار- والسجود في الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر].
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لولا القيام بالأسحار، وصحبة الأخيار؛ ما اخترت البقاء في هذه الدار.
وقال أيوب السختياني رحمه الله: [إذا بلغني موت أخٍ لي فكأنما سقط عضوٌ مني]. ومن أجمل ما وصفت به رفقة الصاحب الصالح
أخاك أخاك فإن من لا أخاً له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح
ولذلك أيعقل التفريط في صحبة الصالحين وتضييع الأخ الصالح الناصح. إن أعجز الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع مَن ظَفَر به منهم، فربما يلقاهم ثم يضيعهم؛ فهذا أعجز مِن الذي فرط في ملاقاتهم والتعرف عليهم أصلاً؛ لأنه عرف النعمة ثم كفرها.
ففي مرة خرج ابن مسعود على أصحابه فقال: [أنتم جلاء أحزاني].
أي أن الأصحاب مسرة للعين والقلب،تلقاهم النفس لتتزود منهم الراحة والقوة وبما أن خير الزاد التقوى فاجعلوا يا أبنائي أفضل أصحابكم اتقاهم .
وآخر حكمة نذكرها لكم أبنائي على لسان شيخ الإسلام رحمه الله حيث قال: “الناس كأسراب القَطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض. ولا تقل: إنه لا يضرني، فالصاحب ساحب، والتشبه حاصل.”لذا ينبغي تمام الحرص عند الاختيار.
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً فكلُّ قرين بالمقارَن يَقتدي
وإلى لقاءٍ آخرَ ونصائِحَ أُخرَى إلى الآباءِ والأبناءِ فالسَّلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.