بين الحقيقة والسراب – الصُّحف
تتنوع وسائل الإعلام وتتطور يوماً بعد يوم ، فكان منها المقروء والمسموع والمرئي أيضاً ، فكانت الصحف مع بدايات الانتشار الإعلاميّ ، والتي ظلت على مر السنين إحدى أهم الوسائل للعبة الإعلامية، حتى وإن قل القراء على الورق فهناك قراءٌ لها عبر مواقعها على الإنترنت ، الذي قرب البعيد وساهم في تسريع إيصال المعلومة لأي مكان وفي أي وقتٍ كان ..
الصحيفة ذات الطابع التقليديّ في الشكل ، صارت بطابعٍ دعائيّ يرسم خطوطاً لبرمجة العقل ، نظرةٌ في صفحتها الأولى ترى مقتطفاتٍ من الأخبار الداخلية فيها ، ويتصدر وسط تلك الصفحة الرئيسية الخبر الأهم (حسب رأي القائمين على تلك الصحيفة)، وبهذه الطريقة يجعلون ما هو قليل كبير بهالةٍ لامعة حوله من خلال بهرجة الألوان وتكبير الخطوط والتزويد بالصور إن أمكن ..
ثم تبدأ تغوص في أعماق هذه الصفحات الطويلة العريضة ، فتقف على زاوية الأخبار الهامة فيضع المحررون ما يرونه مهماً فيها ، وإن كان ذلك الخبر لا يعني شياً للأمة ، المهم أنهم ضخموه ونفخوه بالوناً سرعان ما ينفجر في وجه القارئ الذي ينبهر بهذه الأخبار لا لشيء إلا لكونها تحت بند الأخبار الرئيسية أو الهامة ..
وتمر بصفحاتٍ أخرى كالزاوية الرياضية ، والتي تأخذ حيزاً ليس بالقليل من الصحيفة ، بين أخبار الأندية وأهداف اللاعبين ومن بيع منهم أو خرج من نادٍ لآخر ، وتكون مليئةً بصور اللاعبين ورموز الأندية بحيث تلفت القارئ بشكلٍ عجيب..
وصولاً إلى ما يسمى بالزاوية الأدبية فهناك قصصٌ قصيرة وبضعة أشعارٍ منها لهواة الكتابة ومنها ما يطالب بالوطنيات أو يتحدث عن خيالات..
أما الصفحة الأخيرة ففيها عرضٌ للأبراج وبعض الصحف تكتب رفعاً للعتب (كذب المنجمون ولو صدفوا) ، وكأنه يجوز المزاح في مثل هذه الأمور ، وتجد أيضاً أخبار الفنانين وجرائم شتى حول العالم بين سرقةٍ وقتلٍ ونهبٍ واغتصاب ، توردها كخبرٍ لتعبئة الفراغ فيها لا رأي ولا تعليق عليها ..
ولا ننسى الكاريكاتير الذي يعتبر رسما ضاحكاً هزلياً ، يعبر عن سوء واقع وقد ينظر له القارئ بارتياح بل ويضحك عليه أيضاً ، فتحولنا الصحف لضاحكين ساخرين فقط من الواقع السيء لا نفكر بتغييره ..
هذا رسمٌ عام للصجف وسأورد أمثلةً من عدة صحف تناولت الأخبار بطريقةٍ مستفزة ضاربةً بالإسلام عرض الحائط ، موجهةً للآراء حسب السياسات التي يتلاعب بها الحكام :
فمثلاً نشرت جريدة الغد خبراً في 15/11/2009 ، مفاده أن هناك لافتاتٍ ترهيبية تغزو عمان العاصمة ملصقةً على أعمدة الكهرباء والجدران ، ولا زالت أمانة عمان الكبرى تبحث عن الفاعلين ، ومن تلك العبارات :
“سيصلى عليك يوماً من الأيام”، “الحجاب قبل العذاب” ، حيث اعتبرها البعض عباراتٍ ترهيبية باسم الدين ..
هذه اللافتات أثارت حفيظة الحكومة الأردنية وسلطت صحفها لمحاربة هذه الظاهرة ، لكن لم لا تسأل جريدة الغد نفسها ، (لماذا لا تنغاظ الحكومة من انتشار الفواحش والمنكرات ، والقواعد العسكرية الغربية؟؟)
كل ذلك ليصوروا لنا أن دين الإسلام إرهابيّ ، وما يحصل من فجور هو تقدميّ ..
ولزيادة الطين بلة فهناك من الصحف والجرائد ما يكون فقط لصوت الحاكم أو تلميع الحكومة ، وإبرازها على أنها الأفضل وبيان أي شيء آخر أمامها ضئيلٌ متلاشي ..
قد تسألون كيف ذلك ؟؟ والإجابة هنا :
فمثلاً صحيفة البيان وهي صحيفةٌ إماراتية
*تعرض الصفحة الأولى في أعلاها وبشكلٍ بارز ، أخبار خليفة ومن حوله ، من هذه الأخبار :
*خليفة يصدر مرسوماً اتحادياً بإنشاء مجلس شؤون الحدود برئاسة محمد بن زايد
*محمد بن راشد يبحث وكاميرون مستقبل العلاقات
وكذلك صحيفة الاتحاد وهي إماراتيةٌ أيضاً
كان أبرز ما يظهر على الصفحة الأولى منها :
*خليفة يصدر مرسوماً بإنشاء مجلس شؤون الحدود
اما صحيفة القبس الكويتية ، فأول أخبارها وبالبنط العريض:
*الأمير يتسلم من رئيس النادي البحري فهد الفهد حصيلة رحلة الغوص الأخيرة بحضور العفاسي
وكذلك صحيفة البعث السورية ، حيث ورد في أحد أعدادها :
*بخيتان في مؤتمر شعبة الخدمات الثانية في فرع دمشق: الانتماء للبعث قيمة وليس امتيـازاً
وخبرٌ آخر :
*بحضور أعضاء القيادة القطرية.. الشعب الحزبية واصلت عقد مؤتمراتها
*مجلس الوزراء يقر مشروع قانون الاتصالات
*10 آلاف ليرة دعم المازوت.. توزع على دفعتين
وغيرها الكثير من الصحف التي تنشر أخبار حكوماتها على الصفحات الرئيسية في حين تلقي بالأهم في الصفحات الداخلية أو قد لا تذكرها أصلاً فهي ليست من مستوى حكومتهم ..
إذن.. صحف اليوم لا تصلح للقراءة بل هي أصلح لأن تلف على شكل بوق ينادى به، لتصبح تسميتها الفعلية (أبواق) ، فهي حقاً بوق الحاكم وصرخته المستبدة على أبناء أمته ..
واخيرا .. لكم مني أجمل الأماني باستئناف الحياة الإسلامية ، لنفك تلك الأبواق وتصبح الصحف للسم ترياق .. صحيحٌ أن الطريق شاق لكن نتائجه تجعل المرَّ حلو المذاق .. ولله أستودعكم الذي أنارت رسالته كل الآفاق ..