قضايا مصيرية – الجهاد في سبيل الـله – ح7
الحمد لله الهادي إلى سبـيل الرشاد… والصلاة والسلام عـلى المبعـوث رحمة للعباد… وآله وصحبـه الطـيبـين الطـاهرين الأمجاد… ومن تـبـعه, وسار على دربـه, واهتـدى بـهديـه, واستـن بـسنــته, ودعا بـدعوته إلى يوم التــناد… واجعـلنا معهم, واحشرنـا في زمرتهـم يا رب العـباد. أما بعد:
قـال الله تـعالى في محكـم كتابـه وهو أصدق القائلين:
{انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}التوبة41.
إخوة الإيمان:
إنـه لـمن المؤسف والمؤلم حقــا لنـا نـحن المسلمين عموما , وحملة الدعوة على الوجه الأخص, أن تـبقـى الموضوعات المتـعلــقـة بـالقـضايا المصيرية, التي يعز بها الإسلام وأهلـه مقصورة على الدراسة النـظرية, والحديث عنها في كلمات أو خطب, في حين أنــنا في أمس الحاجة إلى أن نـراها واقعا مطبــقا تطبيقا عمليا في حياة المسلمين, فـوالله لـقـد سئمت نــفـوسـنا الذل والهوان, و والله لقـد تاقـت نــفوسـنا إلى جنـة الخــلد, التي أعدها الله للمجاهدين.
ولكي نـنزع عنـا لباس الذل, ونفـوز بـرضا ربـنا ما عـلينا إلا أن نترسم خـطا رسولنا القائد صلوات الله وسلامه عليه, ونصبـر ونـحتسب, ونـعمـل بـجد ونشاط في حمل الدعوة , إلى أن يأذن الله جـلــت قـدرتـه بنـصره وتأييده لهذه الكـتـلـة المؤمنة والواثقة بأن النـصر من عند الله , والتي لا تعرف اليأس ولا القـنوط , بل ستبقى تـعمل وتعمل بكل طاقاتها التي منـحها الله إياها, وستظل تطرق الأبواب الموصدة دون كــلل ولا مـلل , حتى تــفتـح لها بمشيئة الله تعالى. نـسأله سبحانـه أن يجعـل ذلك قـريبا , وعـلى أيدينـا نحن الدعاة, وعلى أيديكـم أنتـم معشر المسلمين. ولله در الشاعر الذي يـقـول:
أخـلق بذي الصبر أن يحظـى بـحاجته ومدمــن القـرع للأبــواب أن يــلجا
إخوة الإيمان: الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام ,أي هو أعلى شيء فيه, فـبه يعز الإسلام وأهلـه, ويذل الشـرك والكــفر والنفاق وأهلـه, وبه وتـصان دولـة الإسلام وتبقى عزيزة منيعة , وبه تـحفظ الحقوق, وتـرد لأصحابـها الشـرعـيـيـن، وبه يذب عن حرمات المسلمين ومقدساتهم وأعراضهـم, وأرضهـم وديارهم, وبه تـحمى بيضة الإسلام , وتـرتـفع راية القـرآن خفـاقة على رؤوس العالمين في أرجاء المعمورة كـلـها.
وقد ورد في فـضـل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله تعالى من الأخبار الإلهية الصادقة, والأحاديث النـبوية الصحيحة, ما يجعل الجهاد من أعظـم القـربات وأفضل العبادات.
ومن تلك الأخبار الإلهية والأحاديث النـبوية قول الله تعالى في أول سورة الصف:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}الصف4.
وقوله في آخرها:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}الصف
إنـها حقــا لتجارة رابحة مع الله تبارك وتعالى, فما عـلينـا إلا أن نـدفـع الثــمـن الذي منـحنا الله إيـاه, وهو أن نــقدم أرواحنا وأموالنـا في سبيل الله للحصـول عـلى الأربـاح الوفيرة وهي: النـجاة من العذاب الأليم … وغــفران الذنـوب … ودخـول الجنـات… والمساكن الطيــبة في جـنـات عـدن … ونـصر الله … والفتح القريب… وإظهار دين الله… وأشياء أخرى كـثيرة نحبها أخفاها الله عنـا… يا لــه من ربح عظيم , يمنـحـنـا إيــاه رب كـريم…!!
إن وقـوف الرجـل في صف الجـهاد يعدل قـيامه لله سبعين سنة , كما أن الاستشهاد في سبيل الله يكفـر الذنوب جميعا إلا الدين, وقد مر الرسول صلى الله عليه وسلم لـيلة الإسراء بقوم يزرعون في يوم , ويحصدون في اليوم التالي, وكــلـما حصدوا عاد الزرع كما كان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف حسناتـهم بسبعمائة ضعـف, وما انفقـوا من شيء فهو يخلـفـه.
إخوة الإيمان: ومن الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على فضل الجهاد في سبيل الله قوله صلى الله عليه وسلم: “مثل المجاهد في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يجاهد في سبيله ـ كمثل الصائم القائم”. وقوله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل قائلا : دلني على عمل يعدل الجهاد في سبيل الله, فقال: “لا أجد, ثم قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر, وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟
ومنها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: “ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد, يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة”.
ومنها الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيل الله, لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي, وإيمان بي, وتصديق برسلي, فهو علي ضامن أن أدخله الجنة, أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة, والذي نفس محمد بيده, ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم, لونه لون الدم, وريحه ريح المسك, والذي نفس محمد بيده, لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية أبدا, ولكن لا أجد سعة فأحملهم, ولا يجدون سعة فيحملوني, ويشق عليهم إن تخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده, لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل, ثم أغزو فأقتل, ثم أغزو فأقتل”.
ومنها الحديث الذي روي عن شداد بن الهاد رضي الله تعالى عنه أن رجلا من الأعراب جاء فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أهاجر معك؟ فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه, فكانت غزاة غنم النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيئـا, فقسم وقسم له, فقال: ما هذا؟ فقال: قسمته لك. قال: ما على هذا اتبعتك, ولكن اتبعتك على أن أرمى هنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ بسهم فأموت فأدخل الجنة. فقال: “إن تصدق الله يصدقك” فلبثوا قليلا , ثم نهضوا في قتال العدو, فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم محمولا قد أصابه سهم حيث أشار, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أهو هو؟” قالوا: نعم. قال: ” صدق الله فصدقه”. ثم كفن في جبة النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قدمه فصلى عليه, فكان مما ظهر من صلاته: “اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك, فقتل شهيدا, وأنا شهيد على ذلك!”.
ومنها الحديث الذي رواه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس, ثم قام في الناس فقال: “أيها الناس, لا تتمنوا لقاء العدو فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم, واسألوا الله العافية, فإذا لقيتموهم فاصبروا, واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف”. ثم قال: “اللهم منزل الكتاب, ومجري السحاب, وهازم الأحزاب, اهزمهم وانصرنا عليهم”.
إخوة الإيمان: إن من أعظم ذكريات هذه الأمة المباركة معركة تحرير بيت المقدس من الصـليبيين على يد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي في السـابع والعشرين من شهر رجب, في ليلة الإسراء والمعراج . ولقد تسابق الخطباء بعد تحرير الأقصى لكي يكون لهم شرف السبق في الخطابة والمـثول بين يدي صلاح الدين , فاختـاروا من بينـهـم ((محيي الدين بن زكي)) وكـان مما قالـه في بيـان فضـل الجهـاد:
(احذروا عباد الله بعد أن شرفكـم بهذا الفتح الجليل , والمنح الجزيل , وخـصـكـم بهذا النـصر المبين , وعـلـــق أيديكـم بـحبله المتين . احذروا أن تقترفـوا كثيرا من مـنـاهيه, وأن تأتـوا عظيما من معاصيه, فتكونـوا كالتي نـقضت غـزلـها من بعد قـوة أنكاثا , أو كالذي آتينـاه آياتـنا فانسـلخ منها, فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين, الجهاد الجهاد, فهـو أفضـل عباداتكـم, انصروا الله, واذكـروا الله يذكـركـم, واشكـروا الله يزدكـم, جـدوا في حسم الداء, اقطعوا شأفة الأعداء, طهـروا بقية الأرض التي أغضبت الله ورسولـه, واقطعوا فـروع الكــفر واجـتثــوا أصولـه).
إخوة الإيمان: هذا هو الجهاد الذي ما تركه قوم إلا ذلــوا, لقد حرص عـليه سـلفـنا الصالح, فنالـوا سعادة الدارين , وكانـوا سادة الدنيا, وفازوا بالدرجات العلا من الجنـة.
وختاما نسأل الله عز وجل أن يقـر أعينـنـا بـقيام دولة الخلافـة, التي تعد العدة, وترسل السرايا, وتبعث البعوث, وتجيش الجيوش, وتعلن الجهاد, لتحمي الثغور, وتحرر بلاد المسلمين من أيدي الغاصبين, وتنشر الإسلام في ربوع العالم. اللهم واجعلــنـا من جـنـودها الأوفـياء المخلصين. اللهم آمين آمين يا رب العالمين.
والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته.