حُكَّام باكستان – تَراوحٌ بين المؤامرة والخيانة
منذ أن غزا الإستعمار بلاد المسلمين وهدم دولتهم التي سادت العالم وحكمته وأدارت الموقف السياسي الدولي بتفرد لأكثر من ألف عام، منذ ذلك الحين ضاعت إرادة الأمة السياسية، وأصبحت تُدار وتُحكم وتُساس من قبل أنظمة صنعها الإستعمار لتكون الحامي والراعي لمصالحه في بلادنا، ولتحول دون عودة السلطان للأمة والسيادة والرفعة لها، ولقد أتقنت هذه الأنظمة اللعبة، وقامت بدورها على أكمل وجه لدرجة أبهرت الإستعمار نفسه، وتيقن أنه لولا هؤلاء الحكام المجرمين لما استطاع أن يقضي على إرادة الأمة ولما استطاع أن يقهرها ويغزوها في عقر دارها، ويسرق وينهب مقدراتها وثرواتها.
وإن كل عاقل ومتتبع للأحداث السياسية يُدرك حتماً أن بلاد المسلمين من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، إنما تخضع فعلياً للإستعمار السياسي، وأن أياً منها غير متفرد بموقفه السياسي وغير مستقل به، وأن كل الحروب والقتل والذبح والجوع والتشريد وهتك الأعراض وسرقة الثروات والفقر الجهل والأمراض والغزو الثقافي والفكري والسياسي، كل ذلك مشاريع خطط لها وأدارها الغرب المستعمر من أوروبا إلى أمريكا، وقامت بتنفيذها الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين المتمثلة بشخص الحكام وزبانيتهم ومخابراتهم.
وإن كل يوم يمضي على هذه الأمة وهي فاقدة لسلطانها ودولتها يزداد فيه الغرب وحشيةً وظلماً وعدواناً، وتزداد هذه الأنظمة بطشاً وقهراً وجوراً، وتزداد ولاءً لأسيادها حتى أنهم عبدوهم من دون الله.
وأصبحت مكالمة هاتفية من البيت الأبيض لحاكمٍ جبانٍ من حكام المسلمين تشعل حربا؛ً القاتل فيها ضباط وجنود المسلمين والمقتول فيها هم عامة المسلمين من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، حرب لا تُراقُ فيها إلا دماء المسلمين ولاتُزهقُ فيها إلا أرواحهم.
كيف لا والباكستان وأحداثها أعظم مثلاً على ذلك ، فمنذ عقود طويلة والنظام السياسي في الباكستان لا ينفك يخدم أمريكا ويسهر راعياً حامياً لمصالحها في المنطقة، ولا يعصيها ما أمرته ويفعل ما يؤمر بكل خنوع وخضوع.
فمن لا ينسى يذكر تماماً كيف عمدت أمريكا لإيجاد توازن عسكري في منطقة شرق آسيا ووسط آسيا و شبه الجزيرة الهندية عن طريق تسليح باكستان بالسلاح النووي لتكون رأس حربتها المتقدم للذود عنها وعن مصالحها في مواجهة الصين والهند، ومن باب سياسة العصا والجزرة جعلهتا بمثابة العصا لترسيم حدود سياستها في المنطقة.
ومن لا ينسى يذكر تماماً كيف حاربت أمريكا الإتحاد السوفيتي بدماء المسلمين لما جعلت الباكستان تدير عمليات الدعم اللوجستي للمجاهدين في أفغانستان، وما أن انتهت الحرب مع الإتحاد السوفيتي وبدأت من جديد مع ما يسمونه «الإرهاب» أخذ حكام باكستان يقاتلون جنباً إلى جنب مع الأمريكان ضد إخوانهم الذين كانوا بالأمس أحبابهم الذين يقفون معهم ويدعمونهم لمواجهة الروس.
ومن لا ينسى يذكر تماماً كيف أمرت أمريكا عميلها برويز مشرف بتصفية قضية كشمير؛ البلد المسلم الذي ضحى مئات الألوف من أهله بدمائهم ليتحرروا من الإحتلال الهندوسي لبلادهم، فقام بقطع الإمدادات عن المجاهدين في كشمير، ووصفهم بالإرهاب،لا بل حاربهم وقاتلهم بعد أن كان يأويهم ويدعمهم في حربهم مع الهند، وكل ذلك طاعة وخضوع لسيد البيت الأبيض.
وأما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، أخذ ولاء حكام باكستان لأمريكا يتعاظم أكثر فأكثر، حتى أصبحوا حليف أمريكا الأول ضد أعدائها، وأخذوا يهلكون الحرث والنسل ويقتلون الناس ويشردونهم، ويديرون العمليات العسكرية والتفجيرات في صفوف المسلمين لإرضاء أمريكا بحجة أنهم يحاربون الإرهاب، مع أن من يُقتلون ويُذبحون هم أهلهم وإخوانهم وأبناء ملتهم الذين حرم الله عليهم دماءهم وأموالهم، ولكن رضا أمريكا في نظرهم أعظم من رضا الله.
وإن من أبرز ما قام به حكام باكستان في خدمة أمريكا في حربها على المسلمين ما يلي:
1ـ تقديم كل أشكال الدعم اللوجستي للجيش الأمريكي وحلف الناتو في حربهم مع المسلمين في أفغانستان، ومن بينها وضع المطارات والموانئ والقواعد العسكرية الباكستانية تحت تصرف هذه الجيوش الغازية المحتلة، بالإضافة إلى الدعم المعلوماتي والإستخباراتي، مع العلم أن الباكستان تملك الكم الكبير من المعلومات عن المجاهدين في أفغانستان تبعاً لطبيعة العلاقات الأخوية الداعمة مادياً وسياسياً للمجاهدين في أفغانستان بين الطرفين إبان فترة الحرب على الإتحاد السوفيتي.
2- السماح لمكاتب التحقيقات الأمريكية بفتح فروع لها في البلاد، فقد ذكر أنه تم فتح أكثر من أربعين فرعاً لهذه المؤسسات في الأراضي الباكستانية للعمل بشكل مباشر وقوي. ومن المعلوم لدى الجميع طبيعة نشاطات هذه المؤسسات ودورها الخبيث في خلق حالة الفوضى، فعملهم الروتيني هو خلخلة استقرار الدول ونشر الخوف والرعب بين الناس واستقطاب العملاء، وها هو العالم «المتحضر» اليوم يشهد بشاعة جرائم هذه المؤسسات الإستخباراتية.
3- السماح ببناء قواعد عسكرية وسفارات ضخمة لإدارة دفة السياسة في البلاد. وفي هذا الصدد تحدثت مؤخراً السفيرة الأمريكية في باكستان «آن باترسون» عن التقارير العديدة التي كشفت النقاب عن نية أمريكا بناء قواعد عسكرية لها داخل باكستان، ومن ضمن هذه التقارير تقرير يتحدث عن شراء 18 هكتاراً من الأراضي بسعر بليون روبية لبناء سفارة ضخمة تتسع لطاقم كبير يتعدى في تعداده الرقم المسموح به لأية سفارة وهو 350 موظفا.
ومن ضمن هذا الطاقم مئات من الجنود الأمريكان المسلحين، وقد أكدت السفيرة أن هذه السفارة ستكون ضخمة جداً وسيستغرق إتمام بنائها سبع سنوات، ومن المعلوم من السياسة بالضرورة بأن السفارات الأمريكية في جميع نواحي العالم تُستخدم كمراكز للتجسس ولإدارة عمليات سرية، فهي تدير شبكة مكونة من منظمات تعمل على خلق المآسي للناس، تمتد من أمريكا الجنوبية حتى إندونيسيا، والدبلوماسييون العاملون في تلك السفارات متطفلون على الأمور الداخلية للبلدان التي تستضيفهم، وهو ما يعتبرونه جزءً من مهامهم الوظيفية.
وقد جاء أيضا في تلك التقارير تقرير يتحدث عن بناء قاعدة عسكرية لشركة بلاك ووتر سيئة الذكر في مدينة بيشاور، وهذه الشركة أشهر من نار على علم، فالكل يعلم مدى بشاعة الجرائم التي اقترفتها في حق أهل العراق من قتل وذبح واغتصاب.
4- محاربة المفاهيم والقيم الإسلامية ومحاربة حملة الدعوة للإسلام.
ففيما يخص محاربة المفاهيم الإسلامية وكما هي عادة الإستعمار فقد قامت أمريكا بوضع الخطط والمباشرة الفعلية بترويج المفاهيم الغربية خاصة بين الأجيال الناشئة، ومن أبرز ما قامت به في هذا الشأن هو تغيير المناهج الدراسية في الباكستان ووضع مناهج جديدة تعمل على ترويج القيم والمفاهيم الغربية للأجيال الناشئة والقادمة، وهذا ما باركه بوش في أحد لقاءاته الصحفية مع برويز مشرف في آذار عام 2006م حيث قال: «أنا شاكر لجهودكم في نشر الحرية في بلادكم، وقد أطلعنا الرئيس مشرف على خطته التعليمية التي تتجلى ببعد النظر والنبوءة». وجاء على لسان «سان مكورمك» الناطق الرسمي بإسم الخارجية الأمريكية إبان ولاية بوش: «إننا أشغلنا الحكومة الباكستانية في هذا الأمر وخصوصا في الكتب الدراسية فغير مقبول ما جاء فيها».
وفي تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في الثامن من تشرين الثاني 2005م تحت عنوان «حرية الأديان العالمي» ذكرت فيه الوزارة أن أمريكا تقدم المساعدات لوزارة التعليم الباكستانية من أجل تغيير مناهجها في المدارس، وهي تتابع ذلك عن كثب من خلال مراقبين في السفارة الأمريكية في الباكستان، وعن طريق ما تسمى بالمساعدات الأمريكية فقد أنفقت أمريكا 66 مليون دولار عام 2005م من أجل تغيير المناهج الباكستانية.
وأما فيما يخص محاربة الدعاة والحركات الإسلامية فقد قامت الحكومة بأعمال قتل واعتقال وتحقيق وتعذيب لأعضاء في جماعات إسلامية مختلفة، فبالإضافة إلى قتال المجاهدين وشن الحرب عليهم قامت بأبشع الجرائم في حق مسلمين من جماعات إسلامية أخرى، كالمجزرة التي قامت بها القوات الباكستانية في حق الطلاب من بنات وأطفال وشباب ومدرسين في المسجد الأحمر،والتي راح ضحيتها العدد الكبير من هؤلاء الأبرياء، لا لشيئ إلا لأنهم طالبوا بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك حربها على الجماعات المطالبة بتطبيق الإسلام كالجماعة المحمدية، وأيضاً عمليات الخطف والإعتقال والتحقيق في حق أعضاء من حزب التحرير، والذي يسعى إلى إسقاط النظام العميل في الباكستان وإقامة دولة الخلافة لاستئناف الحياة الإسلامية.
5- الحملات الدعائية والإعلامية التي يتولاها النظام الحاكم لإثارة حالة الرعب والخوف والفوضى بين الناس، وذلك لتبرير العمليات التي يشنها الجيش الأمريكي والباكستاني، كالتي يخوضها الأخير على مناطق القبائل وسوات ووزيرستان. فمثلاً بدأ نظام زرداري منذ أوائل شهر تشرين الأول 2009م بالتصريح عن ضرورة قيام الجيش الباكستاني بشن هجمات عسكرية في وزيرستان، وقد جاءت هذه التصريحات بعد شهور من حصار الحكومة للمسلمين في وزيرستان، حيث قطعت الحكومة عنهم الطعام والمواد الأساسية بعد أن تلقى زرداري الأوامر بذلك من أمريكا خلال زياراته العديدة لها، وقد تزامنت هذه التصريحات مع سلسلة من التفجيرات والعمليات الهجومية البشعة التي خَلََّفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، وصنعت جوا من الخوف والشعور بعدم الأمان في جميع نواحي البلاد، إذ أن هذه التفجيرات إستهدفت الأماكن المزدحمة كالهجوم الذي حصل في بيشاور في التاسع من تشرين الأول، وبعده الهجوم على مقر الجيش في روالبندي في العاشر من تشرين الأول، وبعده الهجوم على قافلة تابعة للجيش في الثاني عشر من تشرين الأول 2009م، وفي أعقاب هذه الهجمات أخذ أزلام النظام «وكما فعلوا قبل شن العمليات العسكرية من قِبل الجيش الباكستاني على المسلمين في وادي سوات» بإثارة حالة الرعب والفوضى بين الناس، وذلك من خلال حرب إعلامية هدفها إقناع الناس بأن الإرهاب والتطرف بضاعة محلية من صنع باكستاني، وأن حرب أمريكا على الإرهاب حرب مشروعة، وهي ليست حربها وحدها بل حرب أهل الباكستان أيضا !!!.
وإن المتتبع لهذه التفجيرات والهجمات التي وقعت على مر السنين الماضية ولازالت تقع -ورغم أن حقيقتها قد تخفى على الكثيرين- ليُدرك أن هذه التفجيرات والهجمات النوعية والمؤقتة تبعاً لظروف سياسية محددة إنما مِن ورائها أمريكا، فهي إستراتيجية الساسة الأمريكان منذ أن بدأت أمريكا حربها على المسلمين في بلادهم، فالأسلوب في الباكستان هو نفسه في العراق وأفغانستان، والهدف هو نفس الهدف وهو إثارة النعرات الطائفية والقومية والقبلية، لكسب أناس للقتال مع القوات الأمريكية ضد الطرف الآخر، وتشويه صورة من يقاتل أمريكا باتهامه بالقيام بهذه الأعمال فيتسنى بذلك إقناع الناس بشرعية الحرب على مَن تُقاتله أمريكا مما يؤدي للتمهيد لاحتلال البلاد والبقاء بها بشكل يقنع أهل البلاد المحتلة بضرورة بقاء القوات المحتلة.
6- تسخير الجيش الباكستاني المسلم للحرب والقتال ضد إخوانه المسلمين، وجنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية وقوات الناتو. فمنذ بدايات الحرب على أفغانستان وبعد أحداث سبتمير، بدأت أمريكا بالسعي في توريط الجيش الباكستاني بالقتال معها ضد المسلمين في أفغانستان، وذلك لتخفيف الضغط عنها في مواجهة المجاهدين، فجيش أمريكا لا يستطيع أن يخوض حرباً بنفسه ولوحده مهما تعاظمت قوته، فما فعلته أمريكا عندما شرت ذمة بعض الجماعات الأفغانية «تحالف الشمال» قبل إجتياحها لأفغانستان للقتال لصفها ضد حركة طالبان، وما فعلته لتحييد الجيش العراقي وشرائها لذمة ضباط فيه قبل دخولها بغداد، وذلك ما أكده (تومي فرانكس) قائد الحملة العسكرية على العراق لوكالات الأنباء ونُشِر في كثيرٍ من الجرائد في العالم يوم 25/5/2003م، حيث ذكرَ أن عدداً من كبار ضباط الجيش العراقي الذين كانوا يتولون الدفاع عن عدد من المدن الرئيسة في العراق قد تقاضوا رشاوى من الولايات المتحدة لمنع قواتهم من قتال القوات الأمريكية الخاصة أثناء الحرب، ومن ثم إعادة صياغة الجيش العراقي وضمِّه للجيش الأمريكي للقتال ضد جماعات المقاومة في العراق، وما فعلته أيضاً في تسخير حلف الناتو للقتال معها، كل ذلك خير دليل على عدم قدرة الجيش الأمريكي خوض حرب لوحده.
وشيئاً فشيئاً بدأ الجيش الباكستاني بالقتال الفعلي ضد الجماعات الإسلامية التي تقاوم الغزو الأمريكي، وما أن بدأت أمريكا بحربها على المسلمين داخل الأراضي الباكستانية، أخذ حكام باكستان بزج الجيش الباكستاني المسلم للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش الأمريكي ضد إخوانه المسلمين، حتى وصلت جرأة هؤلاء الحكام بجعل الجيش المسلم يقوم وبالنيابة الكاملة عن الجيش الأمريكي في قتل وذبح إخوانه المسلمين في منطقة القبائل ووادي سوات ووزيرستان.
فأمسى القتال في باكستان -أحد أعظم قلاع المسلمين- وبسبب خيانة هؤلاء المجرمين، أن يكون القاتل والمقتول فيه هم المسلمون، وأخذت أمريكا فُسحةً من الوقت لتستريح من عناء الحرب التي أرهقتها وجيشها في أفغانستان، كيف لا تفعل وقد وجدت من يقاتل عنها، بل ويضحي بأخيه وأبيه وبنيه إرضاءً لها ؟!! .
أيها المسلمون: إن هذا الحال من الذل والهوان والذي ترزح تحته أمتنا اليوم، ما كان ليكون لولا فقدان الأمة لسلطانها ودولتها وإرادتها السياسية، وما كان ليكون لولا هؤلاء الحكام المجرمين الذين باعوا آخرتهم ودنياهم بدنيا أمريكا. اللّهم عجل لنا بالخلاص منهم وابعث فينا إماماً مخلصاً رحيماً بأمته، يقودنا لطاعتك وإقامة حكمك، وتحرير بلاد المسلمين من سطوة المجرمين المستعمرين المحتلين.
مراد المقدسي