شرح مواد النظام الإجتماعي في الإسلام- ح10
والتي نصها:( الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وعشرة الزوجين عشرة صحبة، وقَوَامة الزوج على الزوجة قوامة رعاية لا قوامة حكم ، وقد فُرضت عليها الطاعة،وفُرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها.))
تحتوي هذه المادة على خمسة أمور، أحدها: الحياة الزوجية حياة اطمئنان، وثانيها:عِشرةُ الزوجين عشرة صحبة، وثالثها: قَوامة الرجل على المرأة قوامة رعاية لا قوامة حكم، ورابعها: فُرضت عليها الطاعة، وخامسها: فُرضت عليه نفقتُها حسب المعروف لمثلها.
أما أدلة الأمر الأول، قوله تعالى: ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) وقال تعالى: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) والسكن هو الاطمئنان، أي ليطمئن الزوج الى زوجته، وتطمئن الزوجة لزوجها، ويَميل كل منهما للآخر ولا ينفر منه، فالأصل في الزواج الاطمئنان، والأصل في الحياة الزوجية الطمأنينة، ولضمان هذه الطمأنينة ولضمان استمرارها، بين الشرع ما للزوجة من حقوق على الزوج، وما للزوج من حقوق على الزوجة، قال تعالى:( ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف)، أي للنساء من الحقوق الزوجية على الرجال مثلُ ما للرجال عليهن، ولهذا قال ابن عباس: (إني لأتزين لمرآتي كما تتزين لي، وأحب أن أستنزف كل حقي الذي لي عليها، فتستوجبَ حقها الذي لها علي، لأن الله تعالى قال: (ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف) أي زينةٌ من غير مأثم.
أما أدلة الأمر الثاني: فقد أوصى الله بحسن العِشرة بين الزوجين ، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)، وقال:(فإمساك بمعروف) والعشرة، هي المخالطة والممازجة، فالله سبحانه وتعالى أمر بحسن صحبة النساء، فإنه أهدأُ للنفس، وأهنأ للعيش.
وقد وصى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال بالنساء، روى مسلم في صحيحة عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فُرُشَكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) وقال عليه الصلاة والسلام: (خياركم خياركم لنسائه) وكان عليه الصلاة والسلام جميل العشرة، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويضاحك نساءه، وكان إذا صلى العشاء، يدخل منزله ويسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام يَأنس بهم ويأنسون به، فهذه الأدلة كلها تدل على أن الحياة الزوجية حياة طمأنينة، وتدل على أن الزوج يقوم بما يجعل هذه الحياة الزوجية حياة هادئة سعيدة .
وأما بالنسبة للأمر الثالث، فقد جعل الله سبحانه وتعالى القوامة في البيت للرجل فقال: ( الرجال قوامون على النساء) فإن هذه القوامة، قوامة رعاية لا قوامة حكم وسلطان، فالقوامة لغة: هي الإنفاق على المرأة والقيام بما تحتاجه، فهذا المعنى اللغوي هو معنى الآية، إذ لم يرد معنى شرعي غيرُه، فلا بد أن تكون قوامة الرجل على المرأة قياما بشأنها، وأن تكون عشرته معها عشرةُ صحبة، وقد وصفها الله بذلك فقال: ( وصاحبته) يعني زوجته، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته صاحبا لزوجاته، وليس أميرا متسلطا عليهن. وَكُنَ يُراجعنه ويُناقشنه، رُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( والله أن كنا في الجاهلية ما نَعُدُ للنساء أمرا حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، فبينما أنا في أمر أئتمره، إذ قالت لي امرأتي، لو صنعت كذا وكذا، فقلت لها: ومالك أنت ولما ها هنا، وما تَكَلفُك في أمر أريده، فقالت لي عجبا لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تُراجَع أنت، وأن أبنتك لتُراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومَه غضبان، قال عمر، فآخُذٌ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخلَ على حفصة فقلت لها: يا بُنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومُه غضبان، فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله،يا بنية: (لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنُها وحبُ رسول الله إياها). وعن أنس قال: ( أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه طعاما في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( طعام بطعام وإناء بإناء ) وعن عائشة رضي الله عنها: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فصنعتُ له طعاما وصنعتْ حفصة له طعاما فسبقتني فقلت للجارية: انطلقي فأكفئي قصعتها، فأكفأتها فانكسرت وأنتشر الطعام فجمعه على النطع فأكلوه، ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال: (خذوا ظرفا مكان ظرفكم ). فهذه الأحاديث تدل على أن قوامته قوامةُ رعاية لا قوامة حكم .
أما الأمر الرابع فقد أوجب الله تعالى على المرأة الطاعة لزوجها، وحرم عليها النشوز، قال تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فأن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)، ووصى المرأة بطاعة زوجها، قال صلى الله عليه وسلم:( إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع)، متفق عليه، وعن طريق أبي هريرة، وقال عليه السلام لامرأة: (أذات زوج أنت؟) قالت نعم، قال: ( فإنه جنتُك ونارك) ، وأوجب على الزوج أن لا يكون غليظ القلب شديد الأوامر، وقد أمره تعالى بالمعاشرة بالمعروف، فلا يمنعها من عيادة والديها وزيارتهما، ولا أن يمنعها من الخروج إلى المساجد.
أما الأمر الخامس فقد أوجب الله تعالى على الزوج نفقتها قال سبحانه وتعالى:
( لينفق ذو سَعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ألا ان لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)، وروي أنه جاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
أبو الصادق