شرح مواد النظام الإجتماعي في الإسلام- ح12
شرح المادة 122 والتي نصها: ( كفالة الصغار واجب على المرأة وحق لها، سواء أكانت مسلمةً أم غير مسلمة، ما دام الصغير محتاجا إلى هذه الكفالة، فإن استغنى عنها ينظر، فإن كانت الحاضنة والولي مسلمين، خُيِر الصغير في الإقامة مع من يريد، فمن يختاره له أن ينضم اليه سواء أكان الرجل أم المرأة، ولا فرق في الصغير بين أن يكون ذكرا أو أنثى. أما إن كان أحدهما غير مسلم، فلا يخير بينهما بل يضم إلى المسلم منهما).
قضى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأم أحق بالولد، ما دام لا يَستغني عن الحضانة، وذلك في ما رُوي عن عبد الله بن عَمرو بن العاص: (أن إمرأة قالت يا رسول الله: إن إبني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وأن أباه طلقني وأراد أن ينزِعه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تَنكحي) فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا قد حكم لها بحضانته ما دامت غيرَ متزوجة، ولم يُخَير الطفل، مما يدل على أنه لا يستغني عن الحضانة، ورَوى ابنُ أبي شيبة عن عمرَ انه طَلَقَ أُمَ عاصم، ثم أتى عليها وفي حجرها عاصم فأراد أن يأخذه منها، فتجاذباه بينهما حتى بكى الغلام، فانطلقا إلى أبي بكر الصديق فقال: (مسحها وحجرها وريحها خير له منك حتى يشب الغلام فيختار لنفسه ).
فالصغير الذي لا يستغني عن الحضانة حضانتُه حق لأمه، وواجب عليها، ومثلها أُمها وجدتُها، وكل امرأة من النساء اللواتي لهن حق الحضانة، فإذا كبُر الصغير بأن كان في سن الفطام فما فوق، يخير بين أبويه، لِما رَوى أبو داوودَ عن عبد الحميد بنِ جعفرَ عن أبيه عن جده رافعِ بن سنان: (أنه أسلم وأبت امرأته ان تُسلم، فأتت النبيَ صلى الله عليه وسلم فقالت : إبنتي وهي فطيمٌ أو شبهُه، وقال رافع ابنتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقعد ناحية، وقال لها: اقعدي ناحية، وقال: ادعواها، فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها). وهذا الحديث قد صححه الحاكم وذكر الدارقطني أن البنتَ المخيرة اسمها عميرة. وقد روى أحمد والنسائي هذا الحديث رواية أخرى، فقد أخرج النسائي عن عبد الحميد بنِ جعفرٍ الأنصاري عن جده: (أن جده أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فجاء بابن صغير لم يَبلغ، قال: فأجلسَ النبي صلى الله عليه وسلم الأب هاهنا، والأم هاهنا، ثم خيره وقال:اللهم اهده، فذهب إلى أبيه). وقال ابن الجوزي في هاتين الروايتين روايةُ من روى انه كان غلام أصح. ورَوى أبو هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه). وروى أبو داوودُ عن ابي هريرة قال: (جائت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر ابي عتبة، وقد نفعني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به).
فهذه الادلة تدل على أن الولد بنتا كان ام صبيا، إذا بلغ سن الفطام فما فوقها، واستغنى عن الحضانة، يُخير بين امه وأبيه، سواء أكان عمره ثلاثَ سنوات أم أكثر، ما دام قد وصل حد الإستغناء عن الحضانة. وإذا لم يستغن عن الحضانة يُحكم به لأمه ولا يُخير. إلا أن المراة كالأم مثلا، إذا كانت كافرةً وطلبت حضانة ولدها، فإنه إن كان الولد في سن الحضانة، أي دون سن الفطام، فإنه يحكم لها به، كالمسلمة سواء بسواء لعموم الحديث، وأما إذا كان الولد فوق سن الحضانة، بأن كان في سن الفطام فما فوق، وكان يَستغني عن الحضانة فإنه لا يُخير، بل يُحكم به للمسلم من الزوجين، فإن كانت الزوجة هي المسلمة حُكم لها به، وإذا كان الزوج هو المسلم حكم له به لقوله سبحانه تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، والحضانة تجعل للحاضن سبيلا على المسلم، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه )، والحاضن يعلو على الغلام، ولأن إبقاء الولد تحت يد الكافر يلقنه الكفرَ فلا يجوز ، ولذلك يؤخذ منه، وأما حديث سنان بن رافع الذي مر ذكره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض بما اختار الغلام، فدعا له فاختار أباه المسلم .
وبهذه المادة نكون قد إنتهينا من شرح مواد النظام الإجتماعي في الإسلام، وإلى لقاء آخر وموضوع آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق