لا يجوز للمسلم أن يكون له رأي بعد حكم الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم عليه وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
قال الله عز وجل:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} [الأحزاب: 36]. يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم (زينب بنت جحش) لزيد بن حارثة رضي الله عنه، فاستنكفت منه، وقالت أنا خير منه حسبا، وكانت امرأة فيها حدة، فأنزل الله تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [وقال: هذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأي ولا قول. انتهى كلامه.
أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن لا نتعدى حدود الله التي يجب أن نعيش بها، ونحن في خطر عظيم ومهلكة واقعة إن نحن أصبحنا نتخير في أمر قضى الله عز وجل به أو رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك كان من الإثم العظيم أن يتخير المسلمون في أمر حرام. وقد ثبت لدينا فيما سبق أن النظام الجمهوري نظام كفر ليس من الإسلام في شيء، من حيث العقيدة التي انبثق منها ومن حيث تفاصيل النظام، فليس ثمة علاقة بين النظام الجمهوري ونظام الحكم في الإسلام، فالعقيدة التي يقوم عليها النظام الجمهوري هي عقيدة فصل الدين عن الحياة _ والعياذ بالله _ وإذا أخذنا مثالا واحدا، فالمادة (60) التي تقول بالحصانة لرئيس الجمهورية ونائبه الأول، ونص المادة في دستور الانتقال 2005م يقول [يتمتع رئيس الجمهورية والنائب الأول بحصانة في مواجهة أي إجراءات قانونية ولا يجوز اتهامهما أو مقاضاتهما في أي محكمة أثناء فترة ولايتهما].أما في الإسلام، فالرسول المعصوم نفسه صلوات ربي وتسليماته عليه لم يجعل لنفسه حصانة ولا لأي أحد مهما كانت مكانته، فقد روي عندما سرقت المخزومية قال: “أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه عرض نفسه ليقتص منه احد الصحابة عندما آلمه النبي صلى الله عليه وسلم بغير قصد وهو يسوي الصفوف في الجهاد، ولكن لأن النظام الجمهوري ليس من الإسلام فإنه نظام لا يعرف حلالا أو حراما.
وعليه فإنه لا يجوز أن يتخير المسلم بين شخص وآخر طالما أنه سيحكم بنظام ليس من الإسلام بل بنظام كفر، بل إذا اختار مسلم أي شخص لهذا العمل فإنه يلقي به في النار. ومثله مثل من يحض الشباب على الزواج العرفي والعياذ بالله، فالواجب أن يتغير النظام ابتداء بنظام الخلافة، فيختار المسلمون من تتوفر فيه الشروط الشرعية للقيام بالحكم في ظل هذا النظام، ولكن لا يجوز أن يرشح مسلم بالنظام الجمهوري ويدعي أنه سيأتي بالإسلام بعد ذلك، وهذا كذب لأن النظام الجمهوري لا يأتي بأحكام الإسلام، بل يحافظ على فصل الدين عن الحياة، وقد شرط على كل شخص يترشح في ظل هذا النظام أن يوالي جمهورية السودان ودستور 2005م واتفاقية السلام الشامل، أي الاستمرار في ذلك الذي نعيش به الآن حتى ينفصل الجنوب، وبعد ذلك ستأتي أمريكا بمعصية جديدة لتبعدنا بها عن سبيل الله، فهذا هو المخطط.
أيها المسلمون: لا يقول قائل إن النظام الجمهوري إذا كان واقعا وسيستمر حتى لو لم أشارك في الانتخابات، لذلك فالأفضل أن أقدم الشخص الملتزم بالإسلام أو بناء على أنه أكثر صلاة من الآخر، فالأفضل أولى للحكم ولو كان نظام الحكم ليس من الإسلام، فهذا يعني أننا غلبنا الهوى على ما قضى الشرع، وهذا ما حرمته الآية الكريمة.
ثم إنه هل يجوز أن يقبل المسلم بالإسلام أجزاء وتفاريق؟ يقول سبحانه: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو فرد أعزل، لا عدة معه ولا معين إلا الله سبحانه، ولا سلاح عنده سوى إيمانه العميق بالإسلام الذي يدعو إليه، لم يقبل من قريش أي مساومة في الإسلام، فحين عرضوا عليه أن يعبدوا إلهه يوما ويعبد إلههم يوما- وهي قسمة قد ترى اليوم بمفهوم الربح والخسارة مكسبا كبيرا- لكن القرآن يعلمنا أن الحق أن يؤخذ كله: {قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين }، وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}[ البقرة: 208]، فلا يجوز أن نقبل إلا بالإسلام كاملا، ولا بد أن نسعى لتغيير النظام الجمهوري إلى نظام الخلافة، وهذه هي المشكلة، أما من يحكم فإن الأمة مليئة بالنساء اللاتي يلدن الرجال الذين تتوفر فيهم الشروط الشرعية لمنصب الخلافة.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على المصطفى وآله وصحبه الكرام النجبا ومن تبعهم باحسان إلى يوم اللقاء، وبعد،،،
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور فليختر العجز على الفجور”. إن هذا الحديث يدعونا أن لا نقع في الفجور وهو الفسق والميل عن الحق والكذب، أما العجز فهو الضعف وهو كناية عن اعتزال الباطل، هذا أمر رسولنا عليه السلام وأمر الله أن لا خيار لنا فيما أمر هو ورسوله إلا الالتزام به، والنظام الجمهوري هو عين الفجور الذي حرمه الإسلام. فإذا كان لا خيار لنا في الوقت الراهن غير هذا النظام كما يظن كثير من الناس، فإن أقل ما يجب عمله هو الابتعاد عن الباطل، وهو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالعجز.
أيها المسلمون: إن الواجب على المسلم أن يصدع بالحق وألا يخاف في الحق لومة لائم، بل يجب على كل مسلم علم أمرا من دينه أن يبلغه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بلغوا عني ولو آية”، وإلا وقع العذاب علينا جميعا لأننا نعيش في سفينة واحدة، فهذا رسولنا يقول عن حال الأمة، من الذي يقوم على حدود الله والذي يقع فيها، مثالا للذي يتعدى الحدود، والذي يحفظ حدود الشرع، فقال: ” مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم آذوهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا “. رواه البخارى فى الصحيح عن أبى نعيم، فيا عباد الله ليس المقصود شخصا من الأشخاص، بل إن الأمر دين فيجب علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر حتى نلقى الله عز وجل، ففي هذا الخير للأمة، وبه الخيرية لها، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.