حتمية فشل حكام هذا الزمان – ح2
الجزء الثاني : حتمية فشل حكام هذا الزمان في طمس نور الاسلام وثني العاملين عن إقامة الخلافة وتنصيب امام
أولا : إن هذه الأمة كالكير تنقي خبثها وينصع طيبها. فلا مكان فيها للمرتدين والمنافقين والعملاء الخائنين، الذين غدروا بالأمة وتآمروا عليها، واختاروا أن يسيروا وراء السّامري الانكليزي والأمريكي، وعبدوا العجل الغربي، فهؤلاء كلهم ليسوا منا ونحن لسنا منهم، حتى وإن كانوا من نسل آباءنا وأجدادنا وأسماؤهم تشبه أسمائنا. هذا أولا. ثانيا إن نسبة هؤلاء الخبثاء في الأمة نسبة ضئيلة جدا. حتى وإن كانوا في هذا الزمان هم الذين يتصرفون في شؤونها ويحكمونها بالحديد والنار. وأما النسبة التي ينصع طيبها في كل زمان، هي النسبة الأكبر والأضخم في الأمة. حتى وإن كانت هذه النسبة فاقدة اليوم للسلطان، إلا أن معدنها معدن طيب بشهادة الله وثناءه عليها، إذ قال جل من قائل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ) [آل عمران: 110]. وزاد على ذلك فقال : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ) [البقرة: 143]. فهذه التزكية وهذا التشريف دليلان على أن نسبة أهل الخير في أمة الإسلام تفوق نسبة الشواذ فيها. وعليه لا يمكن أن ننفي الخيرية على هذه الأمة لوجود هذه الشرذمة من الشواذ فيها. بل أمة الإسلام هي خير أمة، وتبقى كذلك إلى الأبد. فلا نقول عنها عكس ما قاله الله ، ولا نتهمها بالتهم نفسها التي اتهمت بها الأمم السابقة. ذلك بأن أمة محمد – عليه الصلاة والسلام – قد تميزت عمن سبقها من الأمم لتمسكها بالمعروف والأمر به، وعدم سكوتها عن المنكر ونهيها عنه، ومجانبتها الاختلاط به أو التورط فيه عن وعي. فهذه الأمة لم ينقطع منها قط الأمر بالمعروف، ولم تسكت البتة عن المنكر. ولذا حفظها الله من اللعنة الأبدية. وأوكل لها مهمة تأديب البشر والمحافظة على دينه في الأرض.
لأن في الماضي كانت السماء هي التي تتولى هذا الأمر. إذ كلما تغلب أصحاب الشر على أهل الخير، وظهر الفساد في الأرض، وانتشر الضلال بين الناس وعمت البلوى، إلا وأنزل الله عقوبته من السماء ليؤدب بها خلقه. فكان الطوفان، وكان الخسف، وكانت الريح العاتية، وغير ذلك. قال تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]. ثم بعد العقوبة والتأديب كان سبحانه وتعالى يرسل الرسل من جديد ليصحح حركة الحياة في الأرض، ويقوم اعوجاج البشر. وهكذا ترادف الرسل وراء بعضهم البعض ليؤدوا وظيفتهم في الأرض، ويعالجوا ما أفسدته يد البشر. قال تعالى : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ) [المؤمنون: 44]. ولكن بعد بعثة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – وخروج هذه الأمة إلى الوجود، تغيرت المعطيات وصارت البشرية في غير حاجة إلى تجديد الرسالة الربانية ببعثة رسول جديد. لأن الأمة المحمدية، هي الأمة الوحيدة التي أوكل الله إليها مسؤولية حراسة هذا الدين، ورعاية هذا المنهج الرباني في الأرض من بعد انقضاء زمن النبوة والرسل. وعليه فإن من سوء حظ هؤلاء الحكام المجرمين أنهم وجدوا بين ظهراني هذه الأمة التي لازالت متمسكة برسالة محمد – عليه السلام-. وها هي اليوم تموج من شدة الغضب على هذه الفئة الخبيثة التي تحكمها بأنظمة الكفر. وتعمل بكل جهد وجد لتقتلعهم من الحكم كما تقلع الدسر من الخشب.
ثانيا : إن النشاط الدءوب لحملة الدعوة، والتوسع المستمر لرقعة المجال الذي يعملون فيه، وانتشار الدعوة إلى الإسلام في ربوع الأرض، قد دوخ الحكام، فما عادوا يدرون ماذا يصنعون ؟ أيحاربون الظرف أم المظروف؟ أي يحاربون الرجال الذين يحملون هذه الدعوة، أم يحاربون الفكر الذي في جوف حملة الدعوة؟. فهم في حيرة من أمرهم، وفي دوامة لا مخرج لهم منها أبدا. فإن اختاروا الترهيب. واعتقدوا أن الفكر يحارب بالسلاح. وظنوا أن القضبان الحديدية، وأقبية السجون ستضع حدا لحيويته ونشاطه. وستقلل من انتشاره بين الأمة. فإن هذا هو الغباء والطيش والحمق بعينه.
لأن الفكر لا يقاوم بالحديد والنار، ولا يعتقل ولا يزج به في السجون. ذلك بأن الفكر ليس له جسم مادي، ولا يتشكل بأي شكل من أشكال المادة. حتى يحرق كما تحرق الأوراق. أو يكسر كما يكسر الزجاج. أو يفتت كما تفتت الحجارة. أو يبخر كما تبخر المياه. أو يذاب كما تذوب المعادن. أو يزهق كما تزهق الأرواح. فالفكر لا يصارعه إلا فكر أخر. والأفكار تناطح بعضها البعض، والنصر والتفوق في النهاية لا يكون إلا للفكر الأقوى والأصلح. فإن فهموا هذه المسألة واختاروا مقاومة الفكر بالفكر. فأنى لهؤلاء الطواغيت الذين رضعوا أفكار الباطل من ثدي الغرب الكافر من فكر يصارعون به الفكر الإسلامي.
وعليه فإن التنكيل بحملة الدعوة والتصدي لهم لا يقضي على أفكار الإسلام، ولا يستأصلها من صدور المؤمنين، ولا يحد من نشاطها وتأثيرها في هذه الأمة المتمسكة بإسلامها. فإن عذبوا حملة الدعوة، وقد عذبوهم. وإن سجنوهم، وقد سجنوهم. وإن قتلوهم، وقد قتلوهم. وإن طاردوهم في الأرض، وقد طاردوهم. فإنهم في النهاية لن يفلحوا أبدا في طمس نور الإسلام. ولن يستطيعوا أبدا خفت صوت الإيمان، ولا الحد من تصاعد هذه الموجة الإسلامية المباركة، لأن هذا الدين حفظه الله من التلف والضياع فقال جل من قائل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]. كما وعد بأن يكون له في النهاية التفوق والعلو والنصر. فقال : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [التوبة: 33 ]. أي سيكون النصر والتمكين في الأرض لهذا الفكر الذي في صدور المسلمين. أي للدين الإسلامي. وما دام هذا الدين العظيم من عند الله، والمسلمون هم خلق الله، فإنه سيكون لهذا الدين في كل زمان ومكان، وجيلا بعد جيل رجال مخلصون لربهم يحبون أن يموتوا في سبيل دينه، ويعملون لعزة هذا الدين، وعزة المسلمين من غير تخاذل ولا تردد ولا خوف. وها قد جرب الطغاة المجرمون جرأتنا عليهم، وصبرنا على أذاهم ، وثباتنا على مبدئنا، دون أن نتراجع أمام آلات قمعهم وإرهابهم. فماذا بقي في أيديهم من شيء حتى يتصدوا به لهذا الدين وللمؤمنين الذين يحملونه؟.
كتبه : خالد إبراهيم العمراوي.
في يوم الجمعة بتاريخ : 29 محرم 1431 هـ
الموافق : 15 جانفي 2010 م