أحداث اليمن -ج1
تكمن أهمية اليمن في كونه بلداً غنياً بالثروات، كالنفط والغاز والثروة السمكية والعسل والتمور والثروة الزراعية والمياه، وكونه يتحكم بواحد من أهم المضايق في العالم وهو مضيق باب المندب، والذي يمر من خلالِه 10% من التجارة العالمية، وكونه الدولة الإقليمية الأكثر من غيرها القادرة على التأثير على أمن واستقرار السعودية.
وليس من الغريب أن تواجه اليمن الشقاء والقلاقل نتيجة للسياسات الظالمة التي تمارسها الحكومة على أبناء شعبها. فالظلم المتراكم والفساد الإداري والسياسي والتهميش وعدم الاستماع أو الاكتراث لمشاكل الشعب والسجن والاعتقال والفقر- يعيش 42% من سكان اليمن البالغ عددهم 23 مليون نسمة على أقل من دولارين في اليوم- والبطالة- نسبة البطالة في اليمن 35%، الأردن 13%، مصر 9%- والجهل واضطراب الأمن وارتكاب الجرائم وغلاء المعيشة- نسبة التضخم في اليمن 19%، الإمارات 16%، الأردن 15%، مصر 18%- وغلاء تكاليف التطبيب والتعليم وانطفاء الكهرباء المتكررة يوميا وجفاف المياه واستنزاف الثروات (النفط والغاز) وانتشار الرذيلة وغصب الأراضي والأموال والإقصاء من الوظائف العليا وعدم توفر الحاجات الأساسية من المأكل والملبس والمسكن بشكل لائق للغالبية العظمى من الناس، لكفيل بتفسير ما يحدث هذه الأيام على أرض اليمن، خاصة إذا ما استغل من قبل الدول الغربية الطامعة.
ومنذ استقلال اليمن عن الاستعمار البريطاني والصراع على أشده بين بريطانيا وأمريكيا، فظلت الحروب بين شطري اليمن والانقلابات العسكرية والاغتيالات للرؤساء تنفذها دوائر المخابرات الغربية وعملاؤها الإقليميون، حتى تم توحيد اليمن- الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب- تم توحيدهما في 1990م تحت اسم الجمهورية اليمنية. ولكن في عام 1994 نشبت حرب بين طرفي الوحدة، انتهت الحرب بانتصار القوات المؤيدة للرئيس واستمرار الوحدة بين شطري اليمن.
إلاّ أن أميركا لم تُسلم للإنجليز في اليمن، ولم تعدم الوسيلة، فقامت وتقوم بالضغط على حكام اليمن بأساليب متنوعة وأشكال كثيرة تحقيقا لمصالحها، منها:
– خفض المساعدات المالية السنوية الأمريكية لليمن من 50 مليون دولار إلى 3 ملايين دولار فقط بحجة وقوف اليمن إلى جانب العراق في حرب الخليج، وللحجة نفسها قامت السعودية بطرد معظم العمال اليمنيين من أماكن عملهم فيها.
– طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة اليمنية بأن ترفع أسعار الطحين والخبز والوقود تحت طائلة حرمان اليمن من المساعدات الاقتصادية الدولية إن هو لم يستجب لطلب الصندوق. واضطرت الحكومة اليمنية إلى الرضوخ لصندوق النقد -تحت وطأة الحاجة- ورفعت الأسعار فأثارت عاصفة هوجاء في الشارع اليمني، واندلعت على إثر ذلك المظاهرات العنيفة والاشتباكات الدموية بين المواطنين والقبائل من جهة وبين قوات الحكومة من جهة أخرى، واستمرت هذه الصدامات لفترة طويلة لم تحسن الحكومة تقديرها.
– تزويد الحكومة السعودية أيام فهد بعض القبائل اليمنية بالمال والسلاح للوقوف في وجه الحكومة اليمنية ولإثارة القلاقل والبلبلة في صفوف اليمنيين، ثم تبنت دعم حركة ((موج)) اليمنية المعارضة بزعامة عبد الرحمن الجفري بشكل سافر ومكشوف.
– احتلال أرتيريا لجزيرة حنيش وطرد اليمنيين منها.
– استغلال مهاجمة السفينة الأمريكية يو إس إس كول عام 2000 لإحراج اليمن.
– امتعاض أمريكا على لسان (غوردون دوغيد) المتحدث باسم الخارجية الأميركية بشأن تأجيل الإنتخابات اليمنية، حيث قال:” نحن نعرب عن قلق الولايات المتحدة “العميق” و”خيبة أملها” من اتفاق الأحزاب (الحاكم والمعارضة) في اليمن على تمديد فترة البرلمان اليمني وتأجيل الانتخابات التشريعية لمدة عامين وأضاف “من الصعب إن نرى كيف سيخدم التأجيل لهذه المدة مصالح الشعب اليمني أو قضية الديمقراطية اليمنية “.
وكانت آخر الأساليب التي عملت بها أمريكا للضغط على اليمن هي إثارة الحراك الجنوبي، ودعم إيران للحوثيين، وتخويف الحكومة بالإرهاب والقاعدة.
فلقد استغل السفير الأمريكي فساد النظام اليمني وظلمه وسوء الرعاية للشعب اليمني بكامله وخاصة في الجنوب ليحرض على انفصال الجنوب عن الشمال، والتصريح المشهور الذي تحدثت عنه الصحف للسفير الأمريكي الأسبق ” أدموند هول ” في المكلا، “أن حضرموت تمتلك مقومات الدولة”، لأوضح دليل على توجهات الأمريكان تجاه الجنوب، وإذا أضيف إلى ذلك التقارير الأمريكية التي تحدثت عن وجوب التخلي عن المركزية في الحكم و إتباع اللامركزية، وتنبأت باحتمال قيام ” تمرد من طراز فدائي في الجنوب من شأنه أن يحطم الاقتصاد بسرعة ” ومن ذلك، التقرير الصادر عن مؤسستي هيرتيدج فاونديشن وول ستريت جرنال الأمريكيتين ونشرته صحيفة الوسط اليمنية في عددها 181 بتاريخ 30 يناير 2008م حيث ذكر في التقرير ” …… ربما يكون أحد عواقبه خلق تمرد شعبي واسع مرجعا ذلك إلى تفاقم عدد الفقراء، الأمر الذي قد يفضي إلى انفلات أمني والسعي لتكوين دويلات مستقلة ربما يصل للاستقلال الكامل خاصة في المناطق المنتجة للثروات النفطية “، وذُكر في تقرير لهيومان رايتس وتش “إن الانفصال حق مكفول دوليا، وان رفع الأعلام الانفصالية حق مكفول دوليا أيضا، وإن ذات السؤال توجه إلى المنظمة عن أحداث أنجولا، وهل يحق للأنجوليين المتمردين الانفصال، وكان الرد من المنظمة أنه يحق لهم ذلك، وأضاف أنه قبل عام 1989م كان حق الوحدة والمطالبة به مكفولاً دوليا في اليمن، فكذلك حق الانفصال”!! كل هذا، رغم أن أمريكا تدرك أن علي صالح لم يُبقِ سياسياً قادراً على الوصول إلى الحكم، فقد قَتل واعتقل ونفى كل سياسي من جنسٍ آخر…، ولذلك فإن أمريكا تحرك بعض السياسيين الصغار في الجنوب (تدريباً لهم) على السلطة السياسية مستقبلاً.