ذكرى هدم الخلافة – كلمة الأستاذ أبي أيمن
منذ إن انبثق فجر الإسلام والصراع دائر على أشده بين أفكار الإسلام وأفكار الكفر وقد كان هذا الصراع فكرياً ومادياً دمياً وسيستمر على هذه الطريق حتى قيام الساعة ما وجد في الدنيا إسلام وكفر ومسلمون وكفار.
وقد كان هم الكفار منذ اللحظة لوجود الدولة الإسلامية هو إزالة هذه الدولة من الوجود الدولي وإزالة الإسلام كله من معترك الحياة يقتلعون به جذور الدولة الإسلامية من أساسها حتى لا يبقى لها اثر ولا يبقى منها جذر واحد ينبت, ويقتلعون الإسلام من نفوس المسلمين حتى لا يبقى منه سوى طقوس كهنوتية وشعائر روحية.
وقد سلك الكفار لتحقيق هذه الأهداف عدة طرق, فقد اثأروا في البلدان النعرات القومية والنزعات الاستقلالية وحركوا أهل البلاد على الدولة الإسلامية واخذوا يمدونهم بالسلاح والمال للثورة عليها وركزت على العرب والأتراك بشكل خاص, وأثارت النعرات القومية وظهر ذلك بشكل خاص في بغداد دمشق والقاهرة.
وفي الثامن والعشرين من شهر رجب لسنة 1342هـ الموافق للثالث من آذار السنة 1924م وقعت اكبر جريمة في حق المسلمين حيث تمكنت الدول الأوروبية بقيادة بريطانيا من إلغاء دول الخلافة الإسلامية وإقامة الجمهورية العلمانية على أنقاضها وإخراج الخليفة من البلاد فهذا الحدث العظيم الجسيم وهو هدم الخلافة يعتبر منعطفاً خطيراً في الحياة الأمة الإسلامية,وهي منذ ذلك اليوم لم تذق يوماً طعماً للعزة والكرامة, وإنما تجرعت كؤوس الذلة والمهانة ببعد الإسلام عن الحكم والتطبيق, وانه لمن المؤسف حقاً أنه مازال من أبناء الأمة من لم يع بعد عظم هذا الفرض عند الله وهو إقامة الخلافة الراشدة وحاجة الأمة الإسلامية الماسة بل وحاجة البشرية جمعاء إليه وقد حل بها ما حل من فساد في ظل الرأسمالية العفنة، لذلك كانت هذه المناسبة الحزينة جديرة بالتأمل لخطورتها على مستقبل الأمة الإسلامية ولاتخاذ العبر منها فهي إذن ذكرى حزينة وأليمة لأنها تتعلق بسقوط أعظم دولة عرفتها البشرية، وبسقوطها سقطت المفاهيم الدولية المبنية على المبادئ والقيم الرفيعة وحلت محلها المفاهيم الدولية المبنية على المصالح والأهواء والماديات، وبسقوط الدولة الإسلامية لم يبق للأمة الإسلامية دولة حقيقية تمثلهم، ولم يعودوا يحيون في جماعة إسلامية يقودها خليفة مبايع شرعاً على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبفقدان دولة الخلافة فقدت الأمة حظيرة الإسلام ومحيط دائرته ومربع رعاياه، ومرتع سائمته التي بها يحفظ الدين ويحمى، وبها تصان بيضة الإسلام وتسكن الدهماء وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك وتصان الأنساب عن الاختلاط وتحصن الثغور فلا تطرق.
أيها المسلمون: في ذكرى هدم الخلافة لا نريد أن نقف في هذه اللحظة نندب حظنا ونتأسى على ما هذه الفاجعة العظيمة أو نتأوه عليها ونتمنى عودة ماضيها المشرق فقط ولكن نريد أن ندرك أموراً تبعث الأمل في النفوس وتحيي الهمم الميتة، وتدفع الهمم الضعيفة قدماً للأمام وذلك بذكر حقائق عن موعود الله عز وجل عن الخلافة الراشدة الموعودة بعد قيامها وتحققها في أرض الواقع، فالخلافة الراشدة الموعودة أصبحت بإذن الله حقيقة واقعة وأصبحت كل مقومات قيامها موجودة بحمد الله في أرض الواقع ولم يبق إلا إذن الله عز وجل بقيامها في بقعة من الأرض هو أعلم بها.
أيها المسلمون: إن ما تحياه الأمة هو معركة حقيقة أطرافها
أ- الكفار ومن تبعهم، فهم يحملون مشروعا استعماريا لإبقاء هيمنتهم على الأمة ومشروعهم هذا أخذ أسماء متعددة وأشكالاً مختلفة، أسماء كالاستقلال والحرية والديمقراطية والشرق الأوسط الكبير وأشكالاً كالاحتلال المباشر وفرض التوصيات الاقتصادية والسياسية على المنطقة.
ب- والطرف الآخر في هذه المعركة هم الساعون للتغيير ومن سار معهم والتف حول دعوتهم، وفي خضم هذه المعركة استطاع الطرف الأول وهم الكفار وبمكر خبيث أن يدخلوا اليأس والإحباط لدى بعض المسلمين عبر التشكيك بإمكانية نجاح هذا المشروع من جديد وإمكانية كسب هذه المعركة وفق المعطيات الحالية، والحقيقة التي لا يمكن لمبصر أن يتغاضى عنها أن الأمور تسير على غير ما يهوى الكفار وأن سحرهم قد بطل وكيدهم قد فشل وفألهم قد خاب وأن ما تحياه الأمة لخير شاهد على ذلك.
فقبل هدم الخلافة حدد الكفار غايتهم في صراعهم مع المسلمين في أمرين اثنين:
أولهما: العمل على ضرب الفكرة الإسلامية ومحاولة إدخال المفاهيم المغلوطة عليها واستبدالها بمفاهيم غربية.
وثانيهما: هو هدم الخلافة فعلى صعيد حرب الفكرة الإسلامية عمد الكفار إلى إرسال الحملات التبشيرية لزعزعة أفكار وعقائد المسلمين وسعوا إلى حرب اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن، وإلى إدخال مفاهيم غربية بدعوى أنها لا تعارض الإسلام أو هي من الإسلام وجندوا لذلك علماء ومشايخ وحركات وجمعيات وأحزاب ووسائل إعلام من فضائيات وإذاعات وصحف وكتب ومفكرين ووضعت مناهج لتعليم لأجل هذا الغرض.
أما على صعيد العمل على هدم الخلافة فقد استطاع الكفار هدمها منذ أكثر من ثمانين عاماً بعد حالة الضعف التي عاشتها الخلافة وقد قاموا بخطوات عدة منها:”
1- وضعوا في ذاكرة المسلمين أن الخلافة جائرة ظالمة وخاصة العرب مستغلين بعض التصرفات الخاطئة من بعض المسؤولين.
2- عملوا على تمزيق الأمة الإسلامية إلى دويلات متصارعة ومتناحرة.
3- نشروا فكرة القومية والوطنية والقبلية والجهوية بين أبناء الأمة.
4- جعلوا من الدول الكرتونية التي أقاموها حارساً لهم على الأمة خشية أن تتحرك نحو الإسلام السياسي ونحو الخلافة.
5- أوجدوا عشرات الآلاف من الجمعيات التي تهدف لضرب مشروع نهضة الأمة مثل جمعيات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الحيوانات.
وكان الطرف الآخر الذي يعمل لإنهاض الأمة ليس له من الوسائل عشر ما يملكه الطرف الأول، إنهم لا يملكون مؤسسات ولا جمعيات ولا دول، وهم لا يملكون سوى المنهج والكلمة لا يملكون سوى إيمانهم بهذا المبدأ العظيم وبصيرتهم بالحق وسيرهم على خطى سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهم بالرغم من الجهود الجبارة التي بذلت من قبل الكافر ما عادت تقبل عن الإسلام بديلاً ولا عادت تقبل الإسلام المداهن للحكام ولا الإسلام الأمريكي والأوروبي أو الإسلام المعاصر، أو الإسلام الوسطي وهي لا ترضى إلا بالإسلام النقي بديلاً عما سواه، حتى أصبحت دعوة الخلافة هي البضاعة والصناعة للأمة وأصبحت محط أنظارها وأملها في الخلاص، بل إن وعي الأمة على دينها وعلى الخلافة يزداد يوماً بعد يوم، ورأيها العام أصبح رأياً منبثقاً عن وعي عام على الإسلام.
أيها المسلمون: إن الكفار قد أجمعوا كيدهم صفا لحربكم ولحرب عقيدتكم وخلافتكم المنشودة رمز عزتكم ونهضتكم، وها هم يقاتلونكم في آخر الخنادق، فالمعركة خطيرة جداً والظرف حاسم فلا يؤتين من قبلكم فسارعوا قبل فوات الأوان للعمل مع من نصبوا نحورهم وأنفسهم لأجل نهضتكم وعزتكم حتى تسرعوا عجلة التغيير وتحققوا مشروع النهضة فتفوزوا بالنصر والتمكين في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: لقد تداعت عليكم الأمم بعد زوال الخلافة وأصبحتم نهباً لكل طامع، وأصبحت بلادنا ميداناً لكل متصارع، وأصبح المسلم غريباً في وطنه يلاحق ويعتقل ويضيق عليه في معاشه، وصارت الدعوة للخلافة جريمة كبرى تلاحق في بلاد المسلمين وفي غير بلاد المسلمين.
أيها المسلمون:
هذا هو حالكم بعد زوال الخلافة ذل وهوان وتداع للأمم عليكم وهذا هو حال العاملين لإعادة الخلافة، يلاحقهم الكفار والمنافقون في الشرق والغرب، وذلك لأنهم يعلمون ما هي الخلافة وماذا تشكل لهم من خطر ماحق صاعق نتيجة طغيانهم وفسادهم وإفسادهم فاثبتوا على عقيدتكم فأنتم خير أمة أخرجت للناس وأنتم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأجدادكم هم الخلفاء الراشدون، والقادة الفاتحون أنتم أحفاد الأتقياء الأنقياء الأقوياء، أحفاد فاتحي الأندلس وناشري الحضارة فيها أحفاد المعتصم الذي قاد جيشاً كبيراً لإغاثة امرأة ظلمها رومي فقالت وامعتصماه، أنتم أحفاد الرشيد الذي كان يخاطب السحاب أمطري حيث شئت أيتها الغيمة سيأتيني خراجك، أنتم أحفاد الناصر صلاح الدين قاهر الصليبين، أنتم أحفاد محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية والذي شرفه الله بمدح رسوله له “نعم الأمير أميرها ونعم الجيش جيشها” أنتم أحفاد عبد الحميد الذي لم تغره الملايين الذهبية التي عرضها عليه اليهود لخزينة الدولة في وقت كان أحوج ما يكون إليها حيث قال قولته المشهورة “إن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الإسلام”.
أيها المسلمون: إن حزب التحرير يعاهد الله ورسوله والمؤمنين أنه مستمر في عمله لإقامة الخلافة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشركم بعودتها خلافة راشدة والحزب مطمئن بإقامتها، فشاركوه إقامتها تنالوا الخير والأجر معه، فالمشاركة في إقامة الخلافة ليست كالتصفيق لها بعد قيامها ولا يفوتنكم ذلك اليوم المشهود، فالعمل مع الحزب قبله ليس كالعمل معه بعده {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ….}الأنفال24.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو أيمن