خبر وتعليق مناظرة حول التعذيب تبين سؤال الغرب قيمه المتبناة
قال رئيس الوزراء السابق توني بلير باختصار في رده على تفجيرات يوليو من عام ألفين وخمسة في لندن: “ليعلمَ الجميعُ وبدون أي شك، أن قواعد اللعبة تتغير”. أما الآن، وكما تنزل حكومات الغرب من القيم والقوانين التي كانوا دائما ينادوا العالم بوجوب قَبولها، فإن المعنى الحقيقي لهذه النداءات أصبحت الآن أكثر وضوحا.
فاليوم، نرى مجموعة من النقاشات المحتدمة المتعلقة بتواطؤ وتورط الحكومة البريطانية في تعذيب المحتجزين في خارج المملكة المتحدة. حيث قد تحدث الكثير من المحتجزين السابقين عن أسلوب التحقيق المنضوي على التعذيب الذي كانت تجريه وكالات الاستخبارات البريطانية في الخارج. ومنذ أيام قليلة ماضية، كان قرار المدعي العام للملكة المتحدة، البارونة سكوتلاند، أن أجهزة الاستخبارات البريطانية لن يحقق معها في صلتها في التورط في التعذيب للمحتجزين في الخارج، فيضيف هذا للانطباع الواضح أن مثل هذا النشاط السيئ وغير القانوني أصبح الآن متغاضى عنه رسميا على أعلى المستويات وأن الدول الغربية هم فوق القانون، هذا بالرغم من الدليل المقدم من محتجزين بريطانيين سابقين في غوانتنامو وباكستان وأفغانستان ومناطق أخرى.
وقد بين قرار محكمة الاستئناف البريطانية 26-02-2010 أن المعاملة السيئة للمواطن البريطاني بينيام محمد، تمت على علم من أجهزة الوكالات السرية البريطانية، وأن محكمة أمريكية توصلت إلى قرار أن السلطات البريطانية قد “سهلت المعاملة السيئة والتعذيب” لمحمد عندما كان في الحجز الأمريكي.
وقبل بضعة أيام، ظهر اثنين من أبرز المفكرين الغربيين في أحد البرامج الإخبارية المحترمة في قناة البي بي سي، ظهرا معا في مناظرة عن إمكانية تبرير استخدام التعذيب في بعض الأحيان. وقد كرر بروفيسور القانون من جامعة هارفارد ألان دِيْرْشُوِيذز حججه المعروفة. ففي مقال سابق له بعنوان “تريد التعذيب؟ فاحصل على أمر قضائي” ناقش فيه داعما استخدام “الأمر القضائي للتعذيب”: حيث هو أمر من المحكمة للسيطرة على ما يسميه ديرشويذز؛ استخدام للتعذيب من قبل جهاز التنفيذ القضائي الأمريكي الذي “لا مفر منه”. ويدّعي البروفيسور أن التعذيب هو دستوري، ويقول أن تصديقه بأمر قضائي يجعله أكثر محاسبة وشفافية. ويقول “إن كنا نريد أن نستخدم التعذيب، فلا بد من ترخيصه قانونيا”.
ومن الجهة أخرى، يناقش البروفيسور فيليبس ساندس، المحامي والبروفيسور في القانون العالمي، أن التعذيب خطأ من أصله، وأنه لا ينفع، لأن المعلومات التي يحصل عليها في الغالب غير موثوقة لأن ضحايا التعذيب سوف يخبرون بما يريد معذبوهم أن يسمعوه وذلك لكي يتوقف عنهم التعذيب. وخلال المناظرة، طرح مثال عن ما إذا كان هناك قنبلة تدق وأنها على وشك أن تنفجر وأن المشتبه به قد يعلم أين القنبلة، فهل يجب تعذيبه؟ وانتقل النقاش إلى لو أنه لم يخبر السلطات أين هي، فحينها ربما تعذب زوجته وأطفاله ليرغم على الحديث لإنفاذ المجتمع! وسأل سائل ماذا عن تعذيب المجتمع الذي هو منه؟ ومع متابعة النقاش، فإنك تتصور أن هذا هو المنطق المتبع من قبل النظام السوري والمصري، الذين يعتقلون ويعذبون أفراد العائلة عندما يحاولون اعتقال فرد منها، وبالرغم من ذلك تجدها ينظر فيها في ديمقراطيات الغرب.
نقاش مثل هذا، الذي قد يجري بين مفكرين غربيين من المستوى الرفيع في برنامج في القناة الوطنية البي بي سي في بريطانيا، يبين كيف يجري مثل هذا النقاش على العامة، ويبين كم ستبقى هذه القيم السابقة المقدسة قبل أن تنحل في الغرب تحت حجة علاج ما يسمونه بـ”الإرهاب”. لقد أوصلت مناظرات شبيهة للمذكورة إلى قبول استهداف المجتمع الإسلامي بقوانين خاصة لمكافحة الإرهاب، وقبول قمع أصوات المسلمين المعارضة، وعدم الاكتراث في مقاضاة مسلم يحمل وجهات نظر عن الدفاع عن أراضي المسلمين.
أوليس الأصل أن نشهد نهاية التاريخ؟ ألم تحل الرأسمالية العلمانية المتحررة مثل هذه الأسئلة الأساسية وخلصت أن المجتمع المتحضر عليه أن لا يستخدم التعذيب أبدا؟ إن الواقع الحقيقي يبين أن هناك مناظرة أساسية في الغرب عن إن كانت هذه المسماة بـ”القيم العالمية” تحتاج لأن تغير.
إن هناك أزمة انفصام في الهوية الأصلية في الغرب. من جهة تجد مطالبة قوية لالتزام المبدئي بحقوق الإنسان، بينما يثبت الواقع أن حقوق الإنسان المثالية من السهل إزاحتها جنبا من أجل مصالح ضيقة. في الواقع، إن المعتقد القديم في أن “القوة هي الحق” هي التي تحمل القيادة الحقيقية. فلو كان لدى الغرب أي ثقة في المبادئ التي ينادون بها، لكانوا بالتأكيد سيلزمون بقوانينهم الخاصة التي يسمونها “عالمية”.
إن التفسير البديل والعقلي والوحيد لهذا التناقض هو أن مؤسسات الحكم تعلم أنها غير قادرة على التمسك بهذه المثل، في الوقت الذي يجيزوا فيه التعذيب في الخارج، ولكنهم يسعون للحفاظ على المسرحية التي أعدوها، لأجل إبقاء الأفراد المعنيين من عامة المجتمع سعداء لفترة من الزمن.
إن ادعاء الغرب أن “هناك حرب في داخل الإسلام” وأن المسلمين لا يستطيعون أن يتفقوا على مبادئ ينظمون بها المجتمع في بلادهم. فإن هذا ادعاء زائف. إن النقاش الدائر في أراضي المسلمين هو بين المفتونين بمثل الغرب- التي هي في انحلال- وبين الذين يدعون إلى تطبيق الإسلام الذي لا تتغير مبادئه من مثل توزيع المال، ومنع التعذيب وغيرها. وعلى النقيض، فإن النقاش المستمر في المملكة المتحدة والولايات المتحدة عن التعذيب يبين أن الناس في الغرب فعلا هم من يعيد النظر في مبادئه التي منذ زمن تصوروا أنها “عالمية” ولكنها الآن أصحبت متآكلة-تحت شعار محاربة الإرهاب.
تاجي مصطفى