حتمية فشل حكام هذا الزمان – ح4
خامسا : إن محاولة ثني المسلمين عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، بالقمع والترهيب، والتنكيل والتعذيب، والسجن، والقتل، والتشريد، محاولات يائسة. لأن التنكيل والترهيب الذي يعتبره المجرمون السلاح الفعال لمقاومة المد الإسلامي، نراه نحن المسلمون المحركون لهذا المد المبارك، ابتلاءا واختبارا من الله ليمحص الصادقين من الكاذبين. قال تعالى : ( الٓمٓ (١) أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ (٢) وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِينَ ) [العنكبوت: 1/3]. كما نعلم أن مع هذا الاختبار والابتلاء الأجر العظيم للعامل الصادق، المتلبس بهذه الدعوة المباركة. إذ الأجر في هذا الظرف العصيب الذي خلت فيه الدنيا من الحكم بالإسلام، أعظم خمسين مرة من أجر الذين كانوا حول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- { عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ } [رواه الترمذي]. فهذه النعمة التي تكرم الله بها علينا لا يدركها الخاسئون المتمادون في الغي والطغيان.
ولعل رُبَ قائل أن يقول كيف يكون الأذى والابتلاء والتعذيب والتنكيل والاعتقالات والسجون نعمة من الله؟ فنقول إن اختلاف الرؤى، واختلاف الغايات والطموحات، يوجد الاختلاف الطبيعي في تقييم الأعمال والأشياء. فمن سيطرت عليه الماديات، وأخلد إلى الأرض، وجعل الآخرة وراء ظهره، فإن تقييمه لهذا الابتلاء والاختبار سيكون بالتأكيد مختلفا مع من يرى أن عيشه في هذه الدنيا الفانية لا يزيد عن كونه رحلة عبور للآخرة، وأن طموحاته فيها لا تتمحور حول النزوات وإشباع الرغبات والشهوات المادية، وأن استشرافه لعيش الآخرة حول وجهه تلقاء ربه ليتودد له ويمتن علاقته به، عسى أن ينال رضوانه.
فمثلا الذي سيطرت عليه الماديات، وسحرته الدنيا بزينتها وبهرجها، وفتنته الأموال والنساء. إذا ما وقف على قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع النسوة اللاتي راودنه عن نفسه، سيقول أي حظ لنا مع النساء مثل حظه. يقطّعن أيديهن بالسكاكين دون أن يشعرن من شدة ذهولهن وإعجابهن به. ولكن الذي أعرض عن الدنيا وزينتها، وتعلقت همته بالآخرة، وحرص على نوال رضوان ربه سيقول : ( ٱلسِّجۡنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدۡعُونَنِىٓ إِلَيۡهِۖ ). والذي يتعلق بالحياة، ويحرص على البقاء فيها، ولا يبالي بتقديس الناس لوثن الزعيم وطاعته في المنكرات من دون تقديس الله والامتثال لأوامره. إذا ما وقف على قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام ويرى ما جرى له مع قومه. سيقول لماذا قبل بالحتف في النار، ورضي بتلف حياته، ولم يدع الآخرين وشأنهم، إن عبدوا الحجارة أو الخشب؟. لكن الذي لا يرضى أن يعبد غير الله في الأرض، وأن لا يمتثل إلا لأوامر الله، فإنه سيقول : ( إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّى سَيَہۡدِينِ ). وكذلك الذي يخاف الحكام وبطشهم. ويخشى على نفسه وحياته ولقمة عيشه. إذا ما وقف على قصة أصحاب الأخدود، فإنه سيقول : ما لهؤلاء يلقون بأنفسهم في الأخاديد الملتهبة بالنيران ولم يحاولوا التكتم والتخفي بدينهم الجديد لينجوا بأنفسهم من نقمة الملك وزبانيته ؟ لكن الذين لا يقبلون بحياة الذل والهوان، ولا يرضون بالكفر والضلال، ولا يطيقون الركوع للطواغيت المستكبرين، يأبون طأطأة الرؤوس والسكوت عن المنكرات. والأمثلة الأخرى التي تبين اختلاف الرؤى وتقييم الأعمال والأشياء بين الفريقين كثيرة، نصيب منها جاء ذكره في القرآن ونصيب آخر جاء في السنة. وكلها تجسم بشكل صريح ومعبر هذا الاختلاف بين الفريقين، كالآيات التي تناولت قصة قارون مع قومه في قوله تعالى : ( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِى زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَـٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِىَ قَـٰرُونُ إِنَّهُ ۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ۬ (٧٩) وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَڪُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٌ۬ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحً۬ا وَلَا يُلَقَّٮٰهَآ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ ) [القصص: 79/80].
فمنطق الذين أخلدوا للأرض وسيطرت عليهم الماديات لا يتغير. ولقد كان سفهاء الأنظمة القمعية يستعملون معنا هذا المنطق الفاسد ونحن تحت التحقيق، لثنينا حسب غباءهم عن العمل في سبيل عزة هذا الدين وعزة أمتنا. إذ كانوا يقولون لنا والسياط تلهب ظهورنا. ” أفلا تفكرون في حياتكم وحياة أبناءكم وزوجاتكم؟ أوَ تضيعون مستقبلكم وتفرطون في وظائفكم، وتتلفون أملاككم، من أجل هذه الأعمال التي لا تفيدكم في شيء، ولا تأتي لكم بخير؟ أوَ تظنون أنفسكم أحرص من غيركم على هذا الدين، أم جعلتم من أنفسكم أوصياء على الناس. دعوكم من هذه الترهات والتزموا بالعيش السليم مع بقية الناس. ” هكذا كان منطقهم، وتلك هي محاولاتهم اليائسة معنا. ولكننا كنا لا نأبه بكلامهم، ولا نكترث لسفاسفهم. وكنا ندرك أن ما في صدورهم من غيظ وبغض وحقد قد أعمى بصائرهم فلم يروا أثر نعمة الله علينا.
فنحن نرى أن تواجدنا في خضم هذا الواقع المشين، ووسط هذا الوضع العصيب، هو نعمة من الله آثرنا بها دون غيرنا. وهنا أضع سطرا بالخط العريض تحت قولي في – تواجدنا نعمة وليس في الواقع القاتم بالسواد نعمة -. وتفسير ذلك كما يلي. أولا، أن الله سبحانه وتعالى قد تكرم بادخار خلقنا إلى ما بعد بعثة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – ليكتب لنا حظ الانتساب لهذه الأمة الخيرة. بحيث لم يقدّر خلقنا في الأمم السالفة. وهذا في حد ذاته نعمة من أكبر نعم الله علينا بأن ننتسب إلى أمة محمد – صلى الله عليه وسلم -. وثانيا أنه اختار سبحانه وتعالى توقيت خروجنا إلى هذه الحياة في هذا الزمان الذي انقطع فيه العمل بالشريعة الإسلامية، لنكون نحن بإذن الله وتوفيقه الرجال الذين اختارهم الله ليضحوا بحياتهم من أجل تثبيت منهجه في الأرض، وتنفيذ أحكام الشريعة، من بعد أن حاول الكفار وأتباعهم محو هذا الدين من الوجود. وهذه كذلك نعمة أخرى من نعمه المباركة علينا. وأما هذا الوضع العصيب الذي نعيش فيه هو كذلك نعمة من الله تكرم بها علينا، إذ بعثنا في هذا الوقت بالذات لنشكل الأمة، أي الحزب الذي يحمل الدعوة الإسلامية لقوله تعالى : ( وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٌ۬ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ) [آل عمران: 104]. وأما تمسكنا بالعمل السياسي والفكري الذي سيثمر عن قريب إن شاء الله بتحقيق بشرى الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعودة الخلافة العظمى. فهو تفسير لمكرمة أخرى اختصنا الله بها دون غيرنا ممن سيأتون خلفنا من بعد أن يوفقنا الله ونقيم الخلافة، ليكتب لنا شرف بناء الدولة الإسلامية الثانية، ويخلد ذكرانا في الأجيال القادمة ليترحموا علينا على ما هيأنا لهم من عيش كريم في ظل عزة الإسلام. وأما الأذى الذي يصيبنا من وراء هذا العمل، وإن كان ابتلاءا واختبارا لنا، أنصبر أم نجزع، فإنه كذلك غفران ومحو لخطايانا السابقة، وتبديل لسيئاتنا حسنات، إذا ما حسنت توبتنا وعملنا الصالحات، لقوله تعالى : ( إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً۬ صَـٰلِحً۬ا فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـٰتٍ۬ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورً۬ا رَّحِيمً۬ا ) [الفرقان: 70]. وهكذا. فإن نعم الله لا تحصى ولا تعد.
فيا حسرتي على من عاش هذه المحنة التي تمر بها الأمة، وساق له الله هذه النعم الكبرى، وهذا الخير الكثير، فأعرض واختار أن يقعد مع القاعدين.
أوَ لا ترى معي أننا كنا في غفلة من هذا، ولا نعرف شيئا عن الإسلام السياسي، وكدنا نموت ميتة جاهلية. فإذا بقدر الله يسوق إلينا هذه الدعوة المباركة، فدخلت ديارنا وطرقت أبوابنا ودعتنا للخروج إليها والسير معها، فاستجاب لها من استجاب، وأعرض عنها من أعرض. أوَ ليس الذي استجاب هو الذي ربح وغنم هذه الخيرات، والذي زهد فيها وأعرض عنها، ولم يلزم نفسه بهذا الواجب، ليبرأ ذمته، ويلقى الله وهو راض عنه، هو الخاسر.
ويا أسفي كذلك على من ذاق حلاوة العمل في ميدان الدعوة إلى الإسلام، وحينما أصابته البأساء والضراء، وطال به الأمد ولم ير ثمرة جهده، تخلى عن السير مع كوكبة العاملين، وترك حمل أعباء هذه الدعوة على عاتق غيره. أوَ لا يعلم هؤلاء أن الصابرين يوفيهم الله أجرهم بغير حساب. وأن المرء يبتلى على حسب دينه، وأن الابتلاء طهر لنا. فلا يفارقنا حتى يتركنا نمشى على الأرض وما علينا من ذنب. { عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ } [رواه ابن ماجة].
أوَ لا يدرون أنه لو قدّر الله أن ينهي هذا الأمر على أيدي من سبقونا إليه. وختمه عليهم بالنصر والتمكين، ما كنا لنكسب نصيب المشاركة فيه. ثم ماذا سيبقى لنا من عمل نقوم به بعد قيام الخلافة غير طاعة الله ورسوله وأولي الأمر منا، وأداء الفرائض المكتوبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة، والتفرغ لإصلاح شؤوننا الخاصة. والباقي كله على عاتق الدولة. فهي التي ستتولى رعاية الشؤون، وتنفيذ القانون، وحفظ الأمن والسلامة، وحماية الثغور، والجهاد في سبيل الله لحمل رسالة الإسلام إلى العالم.
وعليه، فإنه وإن كنا في وضع لا نحسد عليه، ونرى الظلم والطغيان والعدوان والقتل والدمار والترهيب والترويع الممارس علينا. ونسمع ونشاهد لوعة المؤمنين وتذرعهم لربهم، واستغاثات المكلومين، وصراخ الثكالى، وبكاء الأيتام. ونرى شراسة الكفار ونقمتهم علينا، ونرى الكفر البواح المطبق علينا. إلا أننا لا نقلق ولا نجزع ولا نستعجل ولا نشترط. لأننا نعتقد جزما بأن النصر آت لا محالة، طال الأمد أو قصر. ولهذا لا تشغلنا هذه المسألة، ولا نرهق أنفسنا في مناقشتها وبحثها أو السؤال عنها. لأننا مهما حاولنا أن نعرف متى، وأين، وعلى يد من سيكون، فإننا في النهاية لن نستطيع أن نعطي جوابا شافيا للمستعجلين. ذلك بأن الله وحده هو الذي يقدر الأشياء ويحدد مواقيتها. ولسنا في النهاية أكثر من الله حرصا وغيرة على هذا الدين. { عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا فَجَلَسَ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ فَقَالَ قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضْرَمُوتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ.} [رواه أبو داود].
وإلى جانب ذلك كله فإننا لسنا أنانيين نحب أن يكون هذا الخير العظيم لنا دون غيرنا. فكما أن الله حظنا به وأشركنا فيه ونتمنى أن نرى ثمرته قبل أن يتوفانا الأجل، إلا أننا نتمنى مع ذلك أن يوسع رقعته لينال أبنائنا وإخواننا الذين من وراءنا نصيب المساهمة فيه، ويخلدون ذكراهم في سجل العاملين المخلصين. وكما قلت آنفا لو أن هذا الأمر تم على أيدي الذين أسسوا هذا الحزب العريق من قبل أن نخلق، ما كنا لنكسب حصتنا فيه. وعليه فمن واتاه الحظ وساهم بجهده في هذا العمل المبارك، عليه أن يتفطن لهذه النقاط التي ذكرتها ليدرك معنى النعمة التي نتحدث عنها. ويقيّم بركة هذا الخير الذي ادخره الله له.
وبناء على هذا فإننا بإذن الله سنبقى على عهدنا مع الله، متمسكين بهذا الواجب ولن نفرط فيه. ولن يستطيع أي طاغية مهما كان بطشه، ثنينا عن مواصلة العمل لإقامة الخلافة وتنصيب إمام على المسلمين. فلن نستسلم أبدا لهم. ولن نسكت عنهم ولن ندعهم يغدرون بنا ويعبثون بمصالحنا طول الدهر. فإننا لن نكف أيدينا عنهم، ولن نترك مقاومتهم ومكافحتهم حتى نجتثهم من ديارنا. فنحن يا أيها الأشقياء التعساء جند الله في أرضه، وحراس دينه، وحياتنا لا تساوي شيئا مقابل عزة الإسلام والمسلمين، وهيمنة هذا الدين على كل الأديان. وبكلمة معبرة أقول. أيها الجاهلون الغافلون إنكم لا تدرون من تواجهون؟ إنكم تواجهون أمة عريقة أخرجت لكم رجالا صناديد، من وراءهم حزب عتيد، من وراءه مبدأ مجيد، هو من وحي العزيز الحميد. فعسى أن نكون من رجال الطائفة التي جاء ذكرها في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، { قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ حَدَّثَنِي مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. } [رواه الإمام أحمد].
وفي الختام نسأل الله العزيز القدير أن يثبت أقدامنا وأن لا يزيغ قلوبنا بعد أن هدانا لهذا، وأن يعيننا على تحمل أعباء الدعوة وحمل رسالة هذا المبدإ، وأن يهدي إخواننا وأبناءنا لينظموا إلى صفوفنا ويشاركوننا هذا الخير العظيم. وأن لا نجزع ولا نيأس حتى يأتينا نصر الله ونحن على هذه الحال، فترى الدنيا عزة الإسلام والمسلمين. اللهم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين سيدنا وحبيب قلوبنا ونور أبصارنا محمد رسول الله.
كتبه : خالد إبراهيم العمراوي.
في يوم الجمعة بتاريخ : 29 محرم 1431 هـ
الموافق : 15 جانفي 2010 م