نصائح للآباء والأبناء – لكذب عند الأطفال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
مستمعينا مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير نحييكم بتحية الإسلام
فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يتجدد لقاءنا معكم في حلقة جديدة من حلقات برنامج، نصائح للآباء والأبناء
فحياكم الله وجزاكم خير الجزاء على حضوركم واستماعكم لنا
اليوم وضمن حلقتنا الأخيرة من هذا البرنامج ارتأيت أن أتطرق لموضوع يشغلني ألا وهو الكذب عند أبنائنا، فكما هو معلوم لديكم إخوتي وأخواتي فإن الأخلاق هي صفة ملازمة للشخص وسجية فيه ويجب أن يربى الأولاد منذ الصغر على الصدق والأمانة والاستقامة والوفاء وتنقية اللسان من السباب والشتائم والكلام البذيء، وأن يربى الأطفال على الترفع عن الدنايا وكل ما يحط بالمروءة وأن يتعلم الطفل كيف يتحكم في ذاته وفي مشاعره بحيث يفصل بين الإحساس وردة الفعل المباشرة بالتفكير، فإذا سبه أحد أو شتمه لا يندفع فورا إلى الرد عليه والانتقام منه، بل يهدأ ويمسك نفسه ويتحكم فيها ويمنعها من الاسترسال بغضبها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”رواه البخاري. وأن يعود الطفل على الصدق وعدم الكذب فالكذب سلوك متعلم تحدده البيئة وما إذا تم تربية الطفل وتعريضه لمثير ونال مكافأة من الاستجابة بالكذب وتم تكرار الكذب: عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع من كن فيه كان منافقا أو كانت فيه خصلة من أربعة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر”رواه البخاري، وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”رواه الترمذي وعن سفيان بن أسيد الحضرمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب”رواه أبو داود.
فما هو الكذب؟؟؟ الكذب هو عكس الصدق وهو أن يخبر الإنسان عن شيء بخلاف الحقيقة، ويكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا أو خلق روايات وأحداث جديدة، بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين وقد يكون ماديا ونفسيا واجتماعيا ، الكذب قد يكون بسيطا ولكن إذا تطور ولازم الفرد فعند ذاك يكون الفرد مصاب بالكذب المرضي. وقد يقترن بعدد من الجرائم مثل الغش والنصب والتزوير والسرقة. وقد يقترن ببعض المهن أو الأدوار مثل الدبلوماسية أو الحرب النفسية الإعلامية أو التسويق.
والله قد حرم الكذب على عباده، قال تعالى: {إن ?لله لا يهدي من هو مسرف كذاب} سورة غافر: 28 وقال جل وعلا: {و?جتنبوا قول ?لزور} سورة الحج30، وكان الكذب هو أبغض الأخلاق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة”رواه الترمذي، أيضا روى مالك في موطئه من حديث صفوان بن سليم قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا فقال لا”. ويعتبر الكذب على الله وعلى رسوله أعظم أنواع الكذب في الإسلام، ويكون الكذب على الله بتحليل حرام وتحريم حلال، قال تعالى: {ويوم ?لقيامة ترى ?لذين كذبوا على ?لله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}60 سورة الزمر ، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”رواه مسلم.
وللكذب أنواع: هنالك كذب التقليد حيث يقوم الطفل بملاحظة وتقليد سلوك الوالدين أو المحيطين به.
وهناك كذب اللذة الذي يمارسه الطفل لتأكيد قدراته على الإيقاع بالآخرين والنيل منهم، وهو شبيه بالكذب العدواني إذ يتبنى الطفل أعذارا غير حقيقية أو مبالغ فيها ليواصل سلبيته عندما يطلب منه عمل ما .
أما الكذب الكيدي فيلجأ إليه الطفل لمضايقة من حوله نتيجة مشاعر الغيرة أو إحساسه بالظلم والتفرقة، وهنالك كذب التفاخر الذي يلجأ الطفل إليه لتعويض النقص الذي يشعر فيه بتضخيم ذاته ومكانته الاجتماعية وممتلكاته بين الآخرين. وبهدف الحصول على الرعاية والاهتمام والعطف يقوم الطفل بالادعاء أنه مضطهد أو محروم أو يعاني من المرض وهذا ما يسمى بالكذب الادعائي (المرضي). وعندما يفقد الطفل اهتمام من حوله رغم سلوكياته الصادقة يلجأ إلى نوع آخر من الكذب وهو كذب الانتباه من أجل نيل الاهتمام والانتباه. وأحيانا قد يتخلص من موقف معين بنسبه للآخرين ويعد هذا النوع أكثرها شيوعا بين الأطفال وهو ما يسمى بالكذب الدفاعي. كما لا ننسى الكذب الخيالي فسعة خيال الطفل تدفعه لتحقيق مشاعر النجاح وتحقيق الذات من خلال أوهام ورغبات غير واقعية. فهو لا يميز بين الحقيقة والخيال، ومن هنا فإن كلامه يكون قريبا من اللعب، فيتحدث وكأنه يلعب ويتسلى، ويكون حديثه نوعا من التعبير عن أحلام طفولته التي يصعب التعبير عنها في الواقع. فقد يلفق طفل عمره أربع سنوات قصة خيالية تختلط الأفكار عنده فلا يفرق بين الصواب والخطأ، أو الحقيقة والخيال..كل هذه الأنواع من الكذب المحرم، ولكن هنالك حالات من الكذب جائزة شرعا حددها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث حالات: كذب الرجل على امراته حتى يرضيها، وكذب الرجل على عدوه في الحرب، وكذب الرجل بين امرءين مسلمين ليصلح بينهما، عن أسماء بنت يزيد أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول:” أيها الناس ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما يتتابع الفراش في النار كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا ثلاث خصال رجل كذب على امرأته ليرضيها أو رجل كذب في خديعة حرب أو رجل كذب بين امرأين مسلمين ليصلح بينهما”.رواه أحمد
إن أكثر ما يدفع الطفل إلى الاستمرار في الكذب هو شعوره بنفعه. فعلى المربي أن يحذر منه أبناءه وينهاهم عنه ويحذرهم عواقبه ويكشف لهم مضاره وأخطاره في الدنيا والآخرة حتى لا يقعوا في حبائل الكذب وينزلقوا في أوحاله. وعلى المربي أن يكون قدوة في ذلك فلا يكذب على أطفاله بحجة إسكاتهم عن البكاء أو ترغيبهم في أمر ما، أو تسكين غضبهم لأنهم يتعلمون منه الكذب ويقلدوه، وأبسط مثال ما يتبعه كثير من الآباء عند قدوم أي شخص يسأل عنه ولا يريد رؤيته فيقول لابنه: قل له أني لست موجودا، وهذه تكون البداية لما هو أكبر وأعظم عند أبنائنا، فيعتادون إنكار أي فعل هم فعلوه اقتداء بإنكار الوالد لوجوده بالبيت، روى أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن عامر قال: ” دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت ها تعال أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أردت أن تعطيه قالت أعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة “.
وفي الختام أحييكم مستمعينا الكرام، وترقبوا جديدنا القادم بإذن الله في إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته