بين الحقيقة والسراب – التقليد الإعلامي
إنه لما ارتطمت سفينة المسلمين بصخرة الغدر والخيانة ، تشتت كل من كان عليها وبات كل واحد منهم يتشبث بأي طوقٍ للنجاة مما قد يصيبهم من الغرق ، وفي هذه اللحظات الحرجة تبرع نفس أولئك الذين عملوا على تحطيم السفينة ، تبرعوا بأطواق للنجاة لكنها تشد الخناق على من يمسك بها بحيث لا يستطيع الفكاك منها ، وهذا يسهل على الممسك بحبل ذلك الطوق التحكم بمن في داخله .
وبهذا يصبح ذلك الناجي واقعاً في شرٍ أكبر من الغرق حيث لا يستطيع أن يملك زمام أموره بل إن هناك من يحدد له مسار طريقه ، وقد يكون ذلك التابع في بداية أمره مشاكساً لا يرغب في البقاء ضمن نطاق السيطرة، إلا أنه مع الأيام قد يستطيع الخروج أو يبقى في شرك السيطرة فيملّ وينسى الأمر ويصبح مروَّضاً ويستكين ، بل إنه قد يسوء به الحال لدرجة أنه يسير في ركب المسيطر عليه ضد أبناء جلدته ليخفف قليلاً من وطأة التقييد ، لكنه يتفاجأ بأنه قد قيد نفسه أكثر من غيره فطاعة سيده صار لا بدَّ منها بعد أن أوهمه بقطع عنقه وهدده بالأسوأ .
وهنا يبدأ هذا المغلوب بفعل أي شيءٍ مقلداً سيده معتبراً ذلك سعادة ، فسيده هنا زين له العالم الذي يعيشه وأن السفينة التي كان يسكنها هذا المغلوب من قبل كانت فاسدة لذلك ارتطمت وتحطمت، في حين يبين له أن أطواق النجاة التي قدمها له ولغيره من المغلوبين ، ما هي إلا من أجل رسالةٍ إنسانية ، فينخدع من ينخدع ويقلد بطريقةٍ عمياء أسلوب ذلك السيد المسيطر بل ويدافع عنه أيضاً .
وهذا يتجلى بشكلٍ بارزٍ في إعلامنا الذي يَعتبِرُ أنَّ إعلام الغرب صورةً مشرقة في مجال المعلومة وإيصالها ، فنراه يسير على خطاه في كل شيء ، فلو نظرنا لبرامج إذاعاتنا سنجد العديد منها نسخةً طبق الأصل من برامج أخذت من إذاعاتٍ غربية ، ولو راقبنا الوسائل الإعلامية العربية لوجدناها ملتزمة حرفياً بالمنهجيات الإعلامية الغربية من حيث التجزيئية والبرامج المنوعة وأساليب التنافس بين القنوات من خلال تقديم نفس المادة والمحتوى مثل (سوبر ستار و ستار أكاديمي) (الاتجاه المعاكس وكذلك برنامج بالعربي) . . إلى آخره من هذه البرامج ومن الثنائيات التنافسية ذات المضمون الواحد، ولا تتوقف المسألة عند المضمون وإنما حتى الشكل وطريقة جلوس المذيع وإلقائه.
وللتدليل أكثر لا بدَّ لنا من أمثلة وقد تستغربون أنني سأطرح أبسط أنواع البرامج التي لا تحتاج لقدراتٍ خارقةٍ من أجل إنتاجها ألا وهي برامج المسابقات ، وأول ما ظهر كبرنامجٍ قويٍّ للمسابقات ذلك البرنامج الشهير (من سيربح المليون) الذي شدَّ العديد من الجماهير ، ومع البحث وجدنا أن له أصولاً أمريكية ..
ومن البرامج الأخرى أيضاً برنامجٌ تبثه الإم بي سي أكشن هو جلادييترز وهو عبارة عن برنامج مسابقات قوة ، وقد وجدتُ مثيلاً له هو جلادييترز العرب (المجالدون العرب) ، يبثُّ عبر الإل بي سي .
واستتباعاً في التقليد بتنا نرى نسخاً مكررةً من المذيعين أو مقدمي البرامج، فبعد أن يدجِّن الغرب مجموعةً ممن ينشرون ثقافةً غربية بلغتنا ،يستنسخ منهم نسخاً تقول ما يقولون كآلة التسجيل ، فوجه الشبه بين الأصل والنسخة يكون في عدة نواحٍ بالطريقة والأفكار المطروحة حتى الزيّ ،ومثال ذلك ما يطلق عليه بالداعية عمرو خالد الذي جذب العديدين نحوه بطريقته الخبيثة ،فهناك اليوم أشباهٌ له في كل مكان وأخص منهم مصطفى حسني الذي عندما أراه لا أكاد أفرق بينه وبين خالد أبداً لولا الشكل ،فالأسلوب ذاته والكلام نفسه ..
هذا حال أي أمةٍ أشعرها الاستعمار بأنها في ذيل الأمم ، وأنها لن تفلح أبداً وأن هذا الاستعمار هو سبيل نجاتها ، وقد صار إعلامها يقلد دون وعيٍ أحياناً إلا أنه اليوم بدأ يقلد بكامل وعيه بغرض التضليل وحرف المسار .. وقد صدق رسول الله _صلى الله عليه وسلم_حيث قال : “لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ “