خبر و تعليق اليونان وأزمة الديون
إنّ أزمة الديون اليونانية دليل واضح على أنّ الأزمة المالية العالمية والتي بدأت بانهيار ليمنز برذرز في أيلول عام 2008 ما زلت مستمرة، ففي البداية كانت دول قليلة مثل باكستان وأوكرانيا وايرلندا وبعض دول أوروبا الشرقية هي من تأثرت بأزمة الائتمان، فلجأت تلك الدول إلى الاقتراض كي تغطي التزاماتها وتحافظ على استقرارها المالي، إلا أنّ هذه الأزمة بات تهدد الآن العديد من الدول الأوروبية من مثل ايطاليا واسبانيا والبرتغال وربما تنتشر لتصل إلى بلدان مثل بريطانيا وأمريكا. ففي هذا الأسبوع قال الصندوق الدولي بأنّ الأزمة التي اندلعت قبل عامين ونصف أثرت على الموارد المالية العالمية بشكل لم يُشاهد له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، ففي عام 2007 وعندما بدأت أزمة الائتمان فإنّ 40% من الدول التي اختبرها صندوق النقد الدولي كانت تسيّر اقتصادها بميزانيات فائضة، ولكن في عام 2009 انخفضت نسبة هذه الدول إلى 10% فقط، والدول التي يزيد العجز فيها عن 3% من الإنتاج العام ازدادت من 20% إلى 70%. ويقول الاقتصاديون بأنّ نسبة الدين العام إلى الدخل المحلي ستزيد من 73% عام 2007 إلى 109% عام 2014، وهي أعلى نسبة وصلت إليها منذ أوائل عام 1950.
جاء كشف صندوق الدولي عن هذه الإحصائيات عندما تصدعت العلاقات بين الدول الرأسمالية الأولى في العالم بينما هم يحاولون التشبث بما اعتادوا عليه من أخذ الديون. إنّ العلاقات عبر الأطلنطى تحت المحك إذ أنّ أمريكا والاتحاد الأوروبي متخاصمان في كيفية الحد من نشاط المضاربين وعدوانية صناديق التحوط. بينما في أوروبا فإنّ الخلاف بين أوروبا وألمانيا على مساعدة اليونان أضعف رد ة الفعل الجماعية الأوروبية على الأزمة. فألمانيا لا تريد تقديم المساعدات لليونان إذ أنّها تعتقد بأنّ اليونان لم تتعلم من أخطائها التي وقعت فيها في الماضي من مثل المبالغة في الحسابات المالية. وآخرون في أوروبا اشمأزوا من تدخل صندوق النقد الدولي ونادوا بإيجاد صندوق أوروبي لإسعاف الاقتصاد الأوروبي المَدين -الكثير من الإزعاج إلى أميركا-. فكيف سمح الغرب بانتشار الأزمة المالية العالمية بشكل واسع وعريض؟
لقد اقتصرت الأزمة في بداية اندلاعها على القطاع البنكي، ولكنها سرعان ما انتشرت إلى جميع الشركات العملاقة في جميع أنحاء العالم. وببذل مجهود جبار وسريع لكبح جماح الأزمة المالية العالمية قادت أميركا وأوروبا مبادرات على نطاق العالم من مثل مبادرة التيسير الكمي، وتقديم خطط التحفيز المالية الضخمة، وشراء الأصول المالية (الحكومية وسندات الشركات)، وتخفيض سعر الفائدة. ولكن كانت تلك التدابير بمثابة فترة راحة مؤقتة فقط، وكانت بتكلفة ضخمة.
فاضطرت الحكومات العالمية إلى الاقتراض بشكل كبير من السوق المالية العالمية لتمويل تلك المبادرات. ولكن في جوهرها استخدمت الأموال لدعم القطاع المصرفي المتداعي عن طريق تحويل الديون الخاصة إلى مدينين عاميين، أو تحويل أموال دافعي الضرائب وإعطائها للمؤسسات المالية الغنية على حساب الجميع. وقد استخدمت القليل من الأموال لإعادة هيكلة النظام المالي البالي أو توظيفها في زيادة القدرة التصنيعية للدول. وبالتالي أصبحت الحكومات مثقلة جدا بالديون، ولم يتبق في جيوب الناس شيئا. فأيقن المضاربون الدوليون سريعاً عدم قدرة الحكومات على تخفيض ديونها الهائلة في ميزانياتها. فأجبر المضاربون هذه البلدان على تخفيض قيمة عملاتها.
ولمواجهة تفشي المضاربة ناد العديد من الخبراء باتخاذ تدابير تقشفية قوية لخفض الدين الحكومي. ومع ذلك فإنّ خفض الديون عن طريق تقليص الإنفاق المالي أو زيادة الضرائب وزيادة أسعار الفائدة ليس علاجاً لاختلال الاقتصاديات الرأسمالية التي توشك على الانقراض، وما لم تتفق الدول الرأسمالية على العودة إلى عملة الذهب والفضة ، وإلغاء خصخصة المرافق العامة ، وتغيير قوانين الملكية الفكرية التي تكمن في صميم المضاربة الاقتصادية في العالم، فإنّ العالم سيستمر في التوجه نحو كارثة اقتصادية لم يشهدها من قبل.
على المسلمين في جميع أنحاء العالم أن تتعالى أصواتهم لفضح هشاشة وفساد النظام الاقتصادي الرأسمالي، وأن يدعوا إلى عودة الخلافة. فالخلافة وحدها القادرة على إنقاذ العالم من مأساته الاقتصادية واستعادة النظم والسياسات الاقتصادية التي لا تعرف إلا الوضوح والشفافية في التعامل، وتساوي بين الأبيض والأسود، مسلمين وغير مسلمين.
22-3-2010
عابد مصطفى