مفاهيم خطرة لضرب الإسلام – ما يوافق الإسلام وما لا يخالفـه كـفــر يحرم أخذه ج1
الحمد لله حمد الشاكرين, والعاقبة للمـتقين, ولا عدوان إلا على الظـالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعـلى آله وصحبـه الطـيـبين الطـاهـرين, ومن اهــتـدى بـهديـه, واستن بسنــته وسار على دربـه, ودعا بـدعوتـه إلى يوم الدين, واجعلنـا معهم, واحشرنـا في زمرتـهم, بـرحمتـك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
قـال الله تعالى في محكـم كتـابـه وهو أصدق القـائلين: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89.
وقال عز من قائل:{.. …الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً …. }المائدة3
وقال الله جل وعلا: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }الشورى10
إخوة الإيمان: في غـيهب الحاضر الممعن عن دقـة الفـهم للإسلام بعدا , وفي لـجة التـدليس على المسلمين لزيادة الشــقة بينهم وبين دينهم اتـساعا , خرج عـلينا من يحاول التـوفيق بين الإسلام والكــفر, مبتدعين مسمـيات شتـى, وحججا واهية لإلباس الكــفر لباس الإسلام .
ومن هذه الدعوات ما يسمـيه دعاة التـــلفيق :(ما يوافق الإسلام) أو ما يسمـيه آخرون(ما لا يخـالف الإسلام)…!
إخوة الإيمان: فلنقف لحظة مع هذا المفهوم الخطير لنـرى حـكم الشرع فيه.
لا يشــك عاقـل في أن الإسلام جاء بعلاج شامل لكل ما كان وما يكـون من مشاكل إلى قيام الساعة, مبنيـا على خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد, ولقد رتـب الشـارع الحـكيم سبحانه وتعالى العذاب عـلى من خالف أمره المنزل على رسوله, مما يدل على أن الحكم على أفعال العباد لا يكون إلا بما جاء به الشارع سبحانه وتعالى من طريق الوحي. وليس ما يوافقـه, ولا ما يصدر من أي مصدر آخر. فالإسلام هو ما جاء وحيا من الله, أي ما جاء بالكتاب والسـنة, وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس باجتهاد شرعي.
إخوة الإيمان: هذا وحده هو الإسلام, وما عداه كــفر سواء أكان موافـقا للإسلام, أم كان لا يخالـفـه.
والدليل على ذلك أن الله تعالى أمرنا أن نأخذ ما يأمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم , وأن نترك ما نهانا عنه, وأمرنا أن نحتكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, إي إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم,
قال تعالى: {… وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا…}الحشر7
فهو نص في وجوب أخذ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , وترك ما نهى عنه, وإذا قـرنت هذه الآية بقوله تعالى{… فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النور63
وعرفنا أن {ما} في قوله{وما آتاكم} وقوله{وما نهاكـم} هي للعموم ظهر جليا وجوب أخذ ما جاء به, وترك ما نهى عنه, وأنـه عام في جميع ما أمر به, وجميع ما نهى عنه. والطلب في هذه الآية سواء أكان طلب فعل أم طلب ترك طلب جازم يفيد الوجوب, بدليل تهديد الله لمن يخالفـه بالعذاب الأليم .
وقد نفـى الله تبارك وتعالى الإيمان عمن يـحـكـم غير الرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله, مما يدل على الحصر في التـحكيم , وعلى الحصر في الأخذ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله. وهذا كـلـه صريح في التــقيـد بما جاء به الإسلام. قال تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65
على أن الله تعالى لم يكتـف بذلك, بـل نهى نهيا صريحا عن الأخذ من غير ما جاء به الوحي من الله تعالى. فنـعى على الذين يريدون أن يتحاكـموا لغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء60
فهذا صريح في النـهي عن التـحاكـم لغـير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, فقد جعل ذلك ضلالا , إذ هو تحاكـم إلى الطـاغوت, على أن هناك أحاديث تـبيـن بصراحة أن الحلال ما أحـل الله, والحرام ما حرم الله تعالى.
وهذا يعـني أن ما لم يحلـه الله لا يعد حلالا , وما لم يحرمه الله لا يعد حراما, أي لا يؤخـذ مطلـقا .
فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: سـئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: ( الحَلالُ مَا أحَلَّ اللهُ في كِتابهِ, وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ في كِتابهِ ).
وأخرج الدار قـطني من حديث أبي ثعلبة أن النـبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنَّ اللهَ فرَضَ فرَائِضَ فلا تـُضَيعُوهَا, وَحَدَّ حُدُودا ً فلا تـَعتـَدُوهَا ). وهذا صريح بأنـه لا يصح أن نتعدى ما حدده الله لنـا, وعليه فلا يصح أن نـأخـذ من غير ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.
على أن الحكم الشرعي قـدعرفـه الفـقهاء على أنـه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد, والمسلمون مأمورون بأن يحكـموا الشرع في أفعالهم, وأن يسيروا تصرفاتهم بحسبه, فإذا أخذوا ما يوافقـه أو أخذوا ما لا يخالفـه, فإنهم يكونـون قد أخذوا من غير الحـكم الشرعي, لأنـهم لم يأخذوه بعينه, بـل أخذوا ما يوافقـه أي ما يشابهه, أو أخذوا ما لا يخالفـه أي ما لا يصطدم معه, وفي كلـتـا الحالتين لا يكونـون قد أخذوا الحكم الشرعي عينـه, بل أخذوا غيره, وغير الحكم الشرعي ليس هو الحـكم الشرعي سواء أخالفـه أم لم يخالفـه, وافـقـه أم لم يوافقـه, فلا يكون أخذ هم لـه أخذا للحـكم الشرعي.
ويؤيد ذلك أحاديث كثيرة صريحة في النـهي عن أخذ مالم يأت به الرسول, فعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن أحدث في أمرنـا هذا ما ليس منه فهو رد). وفي رواية أخرى عنها أيضا : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
وروى البخـاري عن أبي سعيد الخدري عن النـبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتـبـعن سنـن من كان قبلـكـم شبرا بشبر , وذراعا بذراع , حتـى لـو دخلـوا جحر ضب لدخلتـموه, قلت يا رسول الله: اليهود والنـصارى؟ قال: فمن غيرهم؟).
إخوة الإيمان: هذه النـصوص صريحة في النـهي عن الأخذ من غير الإسلام , فالحديث الأول يقول: {فهو رد} وحديث البخاري يتضمن معنى النـهي , فأخذ القوانين الغربيـة هو أخذ من غير الإسلام وهو اتـباع لليهود والنـصارى, ولذلك يحرم أخذها بغـض النـظر عن كونها تـوافق الإسلام أم تـخالفـه.
ولا يـقال: إن هناك أمورا استـجدت في هذا العصر , لم تكـن في أيام الرسول, ولا كانت من قبل, ولم يأت بها حـكم شرعي, فيجوز أخذها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما سكت عنه فهو عـفو لكـم), ولأن الأصل في الأشياء الإباحة .
لا يـقال ذلك لأن قول الرسول هذا لا يعني أن ما سكت عنه الشرع بمعنى أنـه لم يبيـنـه، فحاشا لله أن يكون كذلك, لأن الشرع لم يسكـت عن أشياء لم يـبين حـكمها, بـل بـين الشرع حكم كــل شيء, فما من واقعة إلا ولها حـكم, ولا من حادثة إلا ولها محـل حـكم , ولا يحـق لمسلم أن يقول: إن الشارع سكت عن شيء, ولـم يـبـين حـكمه بعد أن يقرأ قولـه تعالى: {….اليوم أكملت لكم دينكم…}المائدة3 وقولـه تعالى: {…. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ… }النحل89
ولا يحق لأحد من المسلمين أن يذهب إلى القول بأن بعض الوقائع تكون خـلوا من الحكم الشرعي, بمعنـى أن الشريعة الإسلامية قد أهملتها إهمالا مطلقا, أي لم تـنـصب دليلا من نـص الكتاب أو السنـة, أو تضع أمارة من علــة شرعيـة جاء بها النـص صراحة , أو دلالة , أو استنباطا أو قياسا تـنــبه الشريعة بهذا الدليل أو تلك الأمارة إلى حـكم الشرع في هذه الوقائع , هل هو الإيجاب, أو النـدب, أو الحرمة , أو الكراهة , أو الإباحة , أو البطلان والفساد, أو كونـه سببا أو شرطا أو مانعا … إلخ
فلا يحق لأحد من المسلمين أن يذهب إلى ذلك القول ؛ لأنـه بهذا يطعن في شريعة الإسلام الكاملـة, ويقول بأنـها ناقصة , وهذا يناقض قول الله تعالى: {……الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ…..}المائدة3. وفوق ذلك فإنـه يبيح تـحكيم غير الشرع , مخالفا بذلك قول الله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ…}النساء65
وإذا كان الشرع لم يأت بالحـكم وأخذ المسلم حـكما لم يأت به الشرع فقد حكـم غير الشرع وهو لا يجوز. وعليه فالادعاء بأن الشرع لم يأت بأحكام لجميع الحوادث والوقائع هو ادعاء باطل.
إخوة الإيمان: بقيت مسألتان في هذا المفهوم (ما يوافق الإسلام, وما لا يخالفـه كـفــر يحرم أخذه) نتحدث عنهما في الحلقة القادمة إن شاء الله،