خبر و تعليق مباحثات إستراتيجية أم إستراتيجية الاستسلام
يزور هذه الأيام واشنطن وفدٌ رفيعُ المستوى من باكستان في مهمة سميت بـ” المباحثات الإستراتيجية” وهي سحر السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، ويضم الوفد كلاً من وزير الخارجية الفدرالي شاه محمد قرشي، وقائد الأركان الجنرال إشفاق كياني، ورئيس الاستخبارات الداخلية “ISI” والسكرتير العام الفدرالي للشئون الخارجية، وآخرين من الشخصيات البارزة. وسيبحث الوفد إلى جانب الشئون الأمنية شئون التنمية الاقتصادية والمياه والطاقة والتعليم والاتصالات والعلاقات العامة والزراعة، وقد ذكرت باكستان أنّ الوفد سيبحث عشرة مواضيع ومن ضمنها الصحة والعلم والتكنولوجيا.
والمراقب للأحداث الجارية في المنطقة يدرك بأنّ هذه الخطوة هي خطوة للأمام نحو شراكة بعيدة الأمد بين باكستان وأمريكا. وكل هذا كي تطمئن أمريكا الوسط السياسي والثقافي في باكستان من تخوفه من أنّ أمريكا ستتخلى عن باكستان حال فراغها من أفغانستان كما فعلت بعد طرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان. فمن خلال هذه المباحثات تريد أمريكا أن تبين للنّاس في باكستان أنّها مهتمة لشئونهم ومشاكلهم من مثل أزمة الكهرباء وهي على استعداد للمساعدة.
على أية حال فإنّ الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فأزمات باكستان مرتبطة بالتدخلات الامبريالية بباكستان، وبالنظام الرأسمالي، وبخيانة الحكام. ولكي يغطي الحكام على تواطئهم يحاولون دائما تصوير باكستان على أنّها دولة ضعيفة ولا تقدر على العيش من دون المساعدات السياسية والاقتصادية الأمريكية. بالرغم من أنّ الخسارة التي تكبدتها باكستان من جراء تحالفها مع أمريكا في الحرب على الإسلام أضعاف مضاعفة من حجم الدعم الأمريكي، فمثلا خسرت باكستان 35 بليون دولار في هذه الحرب إلى جانب الفوضى والعمليات التفجيرية وانعدام الأمن الذي عم البلاد، وفي المقابل أهدت أمريكا (هدية كيري) الذليلة والتي تأخذ باكستان بمقتضاها 1.5 بليون دولار كل عام على مدار خمسة أعوام. هذا الذي يسمى فتاتا!!!
من خلال “المباحثات الإستراتيجية” فإنّ الحكومة الباكستانية تريد أن تبين للنّاس أنّها تقوم بالضغط لعقد اتفاق نووي للأغراض السلمية مع أمريكا لحل مشكلة الطاقة. وهذه كذبة كبيرة إذ تمتلك باكستان مصادر أخرى لإنتاج الطاقة الهائلة، من مثل إنتاجها من الفحم الحجري والرياح ومصادر بترولية، فهي ليست بحاجة للطاقة النووية. وفي الحقيقة فإنّ قطاع الفحم وحده قادر على إنتاج أكثر من 100.000 ميغاوت من الكهرباء ولمدة 300 عام، بحسب تقرير هيئة التطوير الهندسي الحكومية الفدرالية والذي نشر في مجلتها الشهرية عن شهر حزيران 2008. أي أن ادعاء الحكومة لحاجتها لأمريكا ما هو إلا لتبرير عبوديتها لأمريكا.
من جانب أخر فإنّ الهدف الحقيقي وراء “المباحثات الإستراتيجية” هو إحكام قبضة أمريكا على الشئون الباكستانية. فقد تعلمت أمريكا من خبرتها الطويلة بأّن عليها وضع يدها على كل صغيرة وكبيرة وأنّها لا تستطيع الاعتماد على هؤلاء الحكام العاجزين والكسالى من الذين لا يملكون القدرة على أن يكونوا خدماً علاوة على أن يكونوا حكاماً. من أجل هذا السبب دعا الجنرال ديفيد بتريوس “جميع الحكومة” بدلاً من التعامل مع القادة السياسيين والعسكريين فقط. إنّ سياسة التدخل في جميع التفاصيل التي تنتهجها أمريكا واضحة جدا في الجانب الأمني والإستخباراتي، حيث نشرت أمريكا عناصر من ال FBI في هذه الأوساط إلى جانب نشرها لعناصر من بلاك وتر وأشخاص عسكريين تحت مسمى مدربين. أي أنّ أمريكا تريد من سياسة “المباحثات الإستراتيجية” إيجاد نظام تتمكن من خلاله بشكل رسمي وقانوني من التدخل في الشئون الباكستانية التي تتعلق بالاقتصاد والمياه والطاقة والتعليم والاتصالات والزراعة.
من أهم المواضيع التي سيتم بحثها في هذه اللقاءات حرب أمريكا على الإرهاب في باكستان، والقيام بعمليات عسكرية جديدة، فقد طلبت أمريكا من باكستان القيام بالعمليات العسكرية في شمال وزيرستان، وما العمليات التفجيرية الأخيرة وتنفيذ الهجمات الجوية من الطائرات من دون طيار إلا تمهيد لذلك، وبسببها طوعت المعارضة خلال بضعة شهور. كما أغلق الجيش الباكستاني المنطقة ليحصل على مكاسب إستراتيجية.
إنّ هذه المباحثات ستملي على الجيش الباكستاني والقيادة السياسية تعليمات تفصيلية للمجزرة القادمة التي ستحصل في باكستان، وكيفية التعامل معها أمام الناس.
أي أنّ “المباحثات الإستراتيجية” ما هي إلا “استسلام استراتيجي” ، وأنّ حكام باكستان الخونة ثروة عظيمة لأمريكا في المنطقة.
ولكن الحمد لله أنّ هذه الثروة تم فضحها عند الأمة وفقدت جميع مصداقيتها. وأنّ المسئولية الآن تقع على عاتق أهل القوة والمنعة لإعطاء النصرة لحزب التحرير لإقامة دولة الخلافة، وحينها يتم قلع هؤلاء الحكام من جذورهم، فهذه الطريقة الوحيدة التي تُحرر فيها الأمة من الهيمنة الأمريكية.
نفيد بوت
الناطق الرسمي لحزب التحرير في باكستان